أعلن أخيرا أن الحكومة الأمريكية على استعداد لتوريد أي كمية من العناصر الكيميائية المشعة التي تصنع في المصانع الذرية الكبرى في أوك ريدج بولاية تنيسي . والعناصر المشعة لا تصدر إلا لهيئات العلمية والمستشفيات ومحطات التجارب التي تحتاج إليها لأغراض طبية أو علمية سلمية ، ويجب أن تضمن حكومة الدولة الأجنبية أن العناصر ستستعمل في غير شئون الحرب ، كمايتعهد المشتري بتقديم تقارير علنية مفصلة عن البحوث الجارية ونتائجها الطبية والعلمية . وقد ذهبت أول شحنة من هذا النوع إلي ملبورن في أستراليا . وأصبح لمعامل أوك ريدج أ كثر من ٦٠٠ عميل داخل الولايات المتحدة وخارجها ، جلهم من المعاهد الطبية والعلمية الراقية .
وقد بديء في توزيع هذه المواد المشعة في أغسطس سنة ١٩٤٦ داخل الولايات المتحدة ، إذ حصل الدكتور كودري مدير مستشفى برنارد الخيرى لأمراض الجلد والسرطان في سانت لويس ، على وحدة واحدة من عنصر الكربون الشعاع ، المعروف باسم ( ك ١٤ ) ، ثم توالت الطلبات من مختلف الهيئات حتى بلغ عددها ١٢٠٠ طلب في عام واحد ، أجيبت جميعها . وكان الإقبال شديدا علي الفسفور ، ثم الكربون واليود . وكان التوزيع في العام الأول مقصورا على المؤسسات الأمريكية ، لأن لجنة الطاقة الذرية العليا ، كانت تعارض في التصدير إلي الخارج ، خوفا من تسرب بعض الأسرار ، أو خشية توجيه البحوث وجهة حربية ، تكون ضارة بسلامة الولايات المتحدة الأمريكية ، وتتألف لجنة الطاقة الذرية من خمسة أعضاء من بينهم عالم واحد هو الدكتور باخر ، ويرأسها دافيدليلينتال ، الذى أشرف علي مشروعات وادي التنيسى
العمرانية الواسعة ، والتي تعتبر أروع مثل على ما يمكن أن يحدث من تقدم عمرانى حديث في منطقة جرداء مقفرة بواسطة الطرق العلمية والتنظيم المتناسق . وقد سعي علماء أمريكا سعيا متواصلا لدي السلطات العليا ، كي تسمح بتصدير المواد المشعة إلي الخارج ، حيث كان الطلب عليها يتزايد يوما بعد يوم . وأخيرا قبلت اللجنة الإذن بالتصدير بالشروط المشار إليها آنفا ، وذلك بأغلبية أربعة أصوات ضد صوت واحد ، وصاحبه لويس شتراوس ، رجل المال والأعمال ، والذي كان أمير لا في الأسطول خلال الحرب . وأعلن قرار اللجنة في الأسبوع الأول من سبتمبر سنة ١٩٤٧ في مدينة سانت لويس ، حيث كان المؤتمر الدولي الرابع للسرطان يعقد جلساته . فاستمع ممثلو ٤٤ دولة إلي هذا الاعلان الهام ، ووزع عليهم بيان واب بالعناصر المتوافرة وأسعارها وطريقة لحصول عليها وشروط التصريح بتصديرها ، وتحتوي قائمة العناصر على عشرين عنصرا . وهاك بعض أمثلة منها :
الكربون : ثمنه ٥٠ دولارا للوحدة ، يفقد نصف قدرته على الإشعاع فى ٥١٠٠ عام .
الفسفور : ثمنه ١.١دولار للوحدة ، ويفقد نصف قدرته على الاشعاع في ١٤٠ يوما .
اليود : ثمنه ١,٧ دولار للوحدة ، ويفقد نصف قدرته على الإشعاع في ثمانية أيام .
مصاريف النقل والشحن ٢٥ دولارا لكل رسالة ، ويجب دفع تأمين قدره ١٥٥ دولارا مقابل الوعاء الرصاصي الخاص الذي تنقل فيه المواد .
والوحدة المستعملة في قياس هذه(البضاعة )الذرية الجديدة هي وحدة ( الكوري ) نسبة إلي ماري كوري البولندية الأصل والفرنسية الجنسية ، التى كان لها الفضل ، في مطلع هذا القرن في الكشف عنصر الراديوم المشع الطبيعي . وتعريف ( الكوري ) هو أنها الكمية التي
يخرج منها إشعاع يعادل ما يصدر عن جرام من الراديوم الطبيعي . وهذه كمية ضخمة جدا من الإشعاع ، فلما تسني جمعها في مكان واحد ، ولذلك يفضل العلماء التعامل بجزء من ألف جزء منها ، وبسمونها الملليكوري ، كما تقول الملليمتر للجزء من ألف من المتر . وهذه هي الوحدة المستعملة في بيع العناصر المشعة الأمريكية . وبصدر عن كل ملليكوري ٣٧ مليون قذيفة ذرية في كل ثانية . ويتناقص هذا الإشعاع بمعدل معروف . فمن العناصر المشعة ما يعمر طويلا ، فيستمر نشاطه آلاف السنين ، ومنه ما يخمد نشاطه بعد ساعات أو أيام قليلة
وتنطلق هذه القذائف الكثيرة ، فيوجهها العلماء إلى ما فيه فائدة للعلم والمعرفة . وخاصة في بعض أنواع السرطان ، مثل سرطان الحنجرة ، حيث يستخدم اليود المشع بنجاح ملموس . وطريقة ذلك أن يتعاطي المريض اليود المشع داخل طعامه ، فيمتصه الجسم ، واليود من شأنه أن يتركز في الغدة الدرقية بالغرب من الحنجرة ، فيذهب ثلاثة أرباعه إلى هذه الغدة ، ويتوزع الربع الباقي في مختلف أعضاء الجسم ، ولا يلبث أن يترك الجسم بعد
ساعات معدودات . فإذا تر كز اليود المشع تبعا لذلك في الحنجرة المصابة ، انطلقت منه قذائفه القوية ، فتبيد الأغشية الخبيثة المحيطة بها ولا تضر الخلايا السليمة لبعدها عنها . وتجري تجارب طبية مماثلة على الفسفور ، الذي يتر كز بسرعة في بعض اعضاء الجسم دون الأعضاء الأخرى . وينتظر أن يحدث تقدم عظيم عظيم قريبا في علاج بعض الحالات المستعصية بواسطة المواد المشعة .
والكميات المشعة التي تكلف اليوم بضعة جنيهات ، كانت مسيرة المال منذ سنوات ، ولم يكن في العالم كله سوي بضعة معاهد تفاخر بما تملكه من راديوم ، أما اليوم فقد كشف العلم عن التفاعلات الذرية التي تمخضت عن القنبلة الذرية ، فكانت معول الهدم والتدمير ، وكشفت ايضا عن فوائد سلمية كثيرة ، سيكون لها أبلغ الأثر في البناء والتعمير .
وقد حذت كندا أخيرا حذو الولايات المتحدة ، فأنشأت مركما ذريا في ( تشوك ريفر ) بولاية أنتاريو ، ينتح ١٤ عنصرا مشعا ، ويصدر بعضها إلى الخارج .

