الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 462الرجوع إلى "الثقافة"

إشعاع الذرة للبيع

Share

أعلن أخيرا أن الحكومة الأمريكية على استعداد لتوريد أي كمية من العناصر الكيميائية المشعة التي تصنع في المصانع الذرية الكبرى في أوك ريدج بولاية تنيسي . والعناصر المشعة لا تصدر إلا لهيئات العلمية والمستشفيات ومحطات التجارب التي تحتاج إليها لأغراض طبية أو علمية سلمية ، ويجب أن تضمن حكومة الدولة الأجنبية أن العناصر ستستعمل في غير شئون الحرب ، كمايتعهد المشتري بتقديم تقارير علنية مفصلة عن البحوث الجارية ونتائجها الطبية والعلمية . وقد ذهبت أول شحنة من هذا النوع إلي ملبورن في أستراليا . وأصبح لمعامل أوك ريدج أ كثر من ٦٠٠ عميل داخل الولايات المتحدة وخارجها ، جلهم من المعاهد الطبية والعلمية الراقية .

وقد بديء في توزيع هذه المواد المشعة في أغسطس سنة ١٩٤٦ داخل الولايات المتحدة ، إذ حصل الدكتور كودري مدير مستشفى برنارد الخيرى لأمراض الجلد والسرطان في سانت لويس ، على وحدة واحدة من عنصر الكربون الشعاع ، المعروف باسم ( ك ١٤ ) ، ثم توالت الطلبات من مختلف الهيئات حتى بلغ عددها ١٢٠٠ طلب في عام واحد ، أجيبت جميعها . وكان الإقبال شديدا علي الفسفور ، ثم الكربون واليود . وكان التوزيع في العام الأول مقصورا على المؤسسات الأمريكية ، لأن لجنة الطاقة الذرية العليا ، كانت تعارض في التصدير إلي الخارج ، خوفا من تسرب بعض الأسرار ، أو خشية توجيه البحوث وجهة حربية ، تكون ضارة بسلامة الولايات المتحدة الأمريكية ، وتتألف لجنة الطاقة الذرية من خمسة أعضاء من بينهم عالم واحد هو الدكتور باخر ، ويرأسها دافيدليلينتال ، الذى أشرف علي مشروعات وادي التنيسى

العمرانية الواسعة ، والتي تعتبر أروع مثل على ما يمكن أن يحدث من تقدم عمرانى حديث في منطقة جرداء مقفرة بواسطة الطرق العلمية والتنظيم المتناسق . وقد سعي علماء أمريكا سعيا متواصلا لدي السلطات العليا ، كي تسمح بتصدير المواد المشعة إلي الخارج ، حيث كان الطلب عليها يتزايد يوما بعد يوم . وأخيرا قبلت اللجنة الإذن بالتصدير بالشروط المشار إليها آنفا ، وذلك بأغلبية أربعة أصوات ضد صوت واحد ، وصاحبه لويس شتراوس ، رجل المال والأعمال ، والذي كان أمير لا في الأسطول خلال الحرب . وأعلن قرار اللجنة في الأسبوع الأول من سبتمبر سنة ١٩٤٧ في مدينة سانت لويس ، حيث كان المؤتمر الدولي الرابع للسرطان يعقد جلساته . فاستمع ممثلو ٤٤ دولة إلي هذا الاعلان الهام ، ووزع عليهم بيان واب بالعناصر المتوافرة وأسعارها وطريقة لحصول عليها وشروط التصريح بتصديرها ، وتحتوي قائمة العناصر على عشرين عنصرا . وهاك بعض أمثلة منها :

الكربون : ثمنه ٥٠ دولارا للوحدة ، يفقد نصف قدرته على الإشعاع فى ٥١٠٠ عام .

الفسفور : ثمنه ١.١دولار للوحدة ، ويفقد نصف قدرته على الاشعاع في ١٤٠ يوما .

اليود : ثمنه ١,٧ دولار للوحدة ، ويفقد نصف قدرته على الإشعاع في ثمانية أيام .

مصاريف النقل والشحن ٢٥ دولارا لكل رسالة ، ويجب دفع تأمين قدره ١٥٥ دولارا مقابل الوعاء الرصاصي الخاص الذي تنقل فيه المواد .

والوحدة المستعملة في قياس هذه(البضاعة )الذرية الجديدة هي وحدة ( الكوري ) نسبة إلي ماري كوري البولندية الأصل والفرنسية الجنسية ، التى كان لها الفضل ، في مطلع هذا القرن في الكشف عنصر الراديوم المشع الطبيعي . وتعريف ( الكوري ) هو أنها الكمية التي

يخرج منها إشعاع يعادل ما يصدر عن جرام من الراديوم الطبيعي . وهذه كمية ضخمة جدا من الإشعاع ، فلما تسني جمعها في مكان واحد ، ولذلك يفضل العلماء التعامل بجزء من ألف جزء منها ، وبسمونها الملليكوري ، كما تقول الملليمتر للجزء من ألف من المتر . وهذه هي الوحدة المستعملة في بيع العناصر المشعة الأمريكية . وبصدر عن كل ملليكوري ٣٧ مليون قذيفة ذرية في كل ثانية . ويتناقص هذا الإشعاع بمعدل معروف . فمن العناصر المشعة ما يعمر طويلا ، فيستمر نشاطه آلاف السنين ، ومنه ما يخمد نشاطه بعد ساعات أو أيام قليلة

وتنطلق هذه القذائف الكثيرة ، فيوجهها العلماء إلى ما فيه فائدة للعلم والمعرفة . وخاصة في بعض أنواع السرطان ، مثل سرطان الحنجرة ، حيث يستخدم اليود المشع بنجاح ملموس . وطريقة ذلك أن يتعاطي المريض اليود المشع داخل طعامه ، فيمتصه الجسم ، واليود من شأنه أن يتركز في الغدة الدرقية بالغرب من الحنجرة ، فيذهب ثلاثة أرباعه إلى هذه الغدة ، ويتوزع الربع الباقي في مختلف أعضاء الجسم ، ولا يلبث أن يترك الجسم بعد

ساعات معدودات . فإذا تر كز اليود المشع تبعا لذلك في الحنجرة المصابة ، انطلقت منه قذائفه القوية ، فتبيد الأغشية الخبيثة المحيطة بها ولا تضر الخلايا السليمة لبعدها عنها . وتجري تجارب طبية مماثلة على الفسفور ، الذي يتر كز بسرعة في بعض اعضاء الجسم دون الأعضاء الأخرى . وينتظر أن يحدث تقدم عظيم عظيم قريبا في علاج بعض الحالات المستعصية بواسطة المواد المشعة .

والكميات المشعة التي تكلف اليوم بضعة جنيهات ، كانت مسيرة المال منذ سنوات ، ولم يكن في العالم كله سوي بضعة معاهد تفاخر بما تملكه من راديوم ، أما اليوم فقد كشف العلم عن التفاعلات الذرية التي تمخضت عن القنبلة الذرية ، فكانت معول الهدم والتدمير ، وكشفت ايضا عن فوائد سلمية كثيرة ، سيكون لها أبلغ الأثر في البناء والتعمير .

وقد حذت كندا أخيرا حذو الولايات المتحدة ، فأنشأت مركما ذريا في ( تشوك ريفر ) بولاية أنتاريو ، ينتح ١٤ عنصرا مشعا ، ويصدر بعضها إلى الخارج .

اشترك في نشرتنا البريدية