" ... أما الشاعر فإنه لقادر على أن يترك لمن يجب ويهوى حياة لا يهرمها العفاء ! " لامرتين
بلى إنَّ نهر " آنيو " ليمور وقد استفاضت أثباجه , ورجع صداها اسم " سنتي (١)" البهيّ , وكذلك نهر " الفوكلور " ألا تراه هادرا دافقا يحمل إلى صخور " تيبور " اسم " لور (٢)" المستحبّ , وإن لنهر " فه رار " مثل هذا الشأن , إذ ألقى في سمع العصور الآتية اسم " ألينور (3) "
يا لهناءة الجمال وقد عكف الشاعر على عبادته واصطفاه حرمًا ومقامًا ! بل يالهناءة الاسم الذي يسكن فى أغانيه وأناشيده ! أيتها الحبيبة ! إنك لتستطيعين أن تبعثي أنفاسك الأخيرة ، أما الشاعر فإنه لقادر على أن يترك لمن يحبّ ويهوى حياة لا يهرمها العَفَاء . ألا ترينه وقد سدر فى سدفة , يُحلِّق في الفضاء بجناحين من عبقرية وذكاء ؟ إنه ليصعد حتى يلتقي مع الخلود فى مصاف واحد
لَئِنْ كان زورقي ، وقد استخذى للرياح البوارح ، غَبَرَ يمشي قدُمًا إلى شاطئ وادع ساكن ، فذلك لأنَّ ريحا ليَّنَةً سَجْوَاءَ نهافتت عليه ومشت به إلى نور دافق إذا كانت هنالك شموس أبهر لألَاءَ استفاضت فوق هامتي ، إذا كانت دموع الحبيبة غسلت حوبات قدري العاثر ورفهت عن جبيني وقد غشيته ظلال الفناء ، فربما كان ذلك - عفوك يا صاحب النغم الثائر - حاديًا بي إلى أمر يتساوى معه
تمردي بالحب الذي يستهويني فأصوغ أناشيد الرئاء والنزع وأترك فى معبد الحبّ القديم نصبًا قائمًا وأثرًا خالدًا ألا ترى الرجل الجوَّابة وقد اعتسف السَّيْر وارتاد حمى الوادي كيف اطمأنَّ إلى الشجرة الفرعاء , ينعم بوارف ظلِّها ثم استفزته نوازع النفس إلى نقش اسمه على جذعها فترك بذلك أثرًا بيِّنًا
أرأيتَ كيف تنكّر كل شيء واستبهم , وكيف غشيت ظلمة الموت حواشي الطبيعية فتعرّت الأرض من روائها ، ونصل زبرج الغابات وذوى , واستفاقت أمواج النهر فى أعْماق الزَّاخر الهزج , وهبَّت على المروج ريحٌ صَرْصَرٌ عاتية صوّحت زهرها وأقاحها ومشت عربةُ الخريف فى مزالق السنين تدفعها إلى المجهول يدُ الشتاء العابثة إنَّ الزمن والموت حليفان سلاحهما سيفٌ مُرْهَفُ الحدِّ عَظيم الصليل , إنهما ليطويان العالم الخامد ويجددانه كرّ الغداة ومرّ العشيّ
ينثال الحصاد فى حضيض النسيان الأبدي , وكالصيف الذي بتساقط عشبه وينهار , وكالكرمة الذابلة المصفرّة إذ ترى الخريف المخصوصب يلقي بأزهارها إِلى القطاف , هكذا ستسقطين وتذبلين يا زهرات العمر القصيرة وما تمثل فيك غير الشباب , والحبّ والسرور والجمال الزائل انظر بعين رافةٍ وَحُبّ إلى ذلك الشباب الهادر ! إنه يتألّق ويفيض جمالًا تم يمتصه السرور والفرح , وحينما تنصب كأسه المترعة لن يبقى منها إلا ذكرى ضئيلة , فإن القبر الذي ينتظره يبتلعه بأسره ، ثم يسود هذا الحبَّ سكونٌ أبدِيّ
ولكن العصور الآتية ستمر فوق رغامك يا " إلفير " وستعيشين إلى الأبد
( دمشق )

