كنت أيها الأستاذ الجليل أسبق الأدباء المصريين إلى رد الظلم والبهتان اللذين حاول كاتب لبناني أن يلصقهما بهم،
وكنت أسرعهم إلى رفع الحيف الذي ما فتئ هذا الكاتب ينالهم به، بين حين وآخر، لغاية في نفسه ولقد حمدنا لكان تتناول - في مقالات نشرت في (المصري) آراء ذلك الكاتب بالنقد والتجريح وأن تحللها مبيناً ضعف الحجة ووهن المنطق فيها
بيد أن الذي لم نحمده لك أن تخاطب في مقالاتك الأدباء اللبنانيين جميعهم، كأنك تعتقد أن التهمة التي ألصقتها بذلك الكاتب، جائزة عليهم كلهم، فكنت تعجب من (الكتاب اللبنانيين) ومن ظلمهم وتعسفهم وإنكارهم لقيمة الأدب المصري، وما كان يجوز لك أن تجري عليهم جميعاً حكمك على كاتب منهم معين، أو على مجلة معينة. فلا تحسبن أن الذي تنكره على ذلك الكاتب وعلى تلك المجلة، نستسيغه نحن، ونرضى به، ولئن كنا لم نسارع إلى دفع ذلك الكلام، ولم نبادر إلى نقده، فليس ذلك لأننا راضون عنه أو لأننا عاجزون عن رده، وإنما كان ذلك لأننا لمسنا أن وراء ذلك الكلام غاية معينة، وغرضاً خاصاً، تستهدف له كرامتنا الوطنية نفسها
ولما كنا نعتقد أن كرامتنا الوطنية بلغت من تقدير الناس وتقديرنا لها حداً لن يتأثر قط بأراجيف مصطنعة، وادعاءات مغرضة؛ فإننا طوينا كشحاً عن كلام ذلك الكاتب غير آبهين له خاصة وإننا كلنا أو جلنا على مثل اليقين بأن الكاتب المقصود لم يقم يوماً بدراسة أو محاضرة ولم يؤلف كتاباً أو مقالاً خالصاً لوجه الأدب!
ومع ذلك فقد شاء كاتب لبناني كبير أن يطلع الناس على تلك الحجج الواهنة، والبراهين الضعيفة التي استند إليها المحاضر فكتب مقالاً قيما في مجلة (الأديب) البيروتية جزء شباط سنة ١٩٤٤
أقول إنه كان من الوجب أن تحترس في توجيه خطابك فتقتصر به على الكاتب المقصود، ثم إن مما أثار عجبنا أن تثير تلك الكلمات هذه الضجة في مصر خاصة بعد أن لمس المصريون أنفسهم عواطف الإخاء والود والعرفان بين مصر ولبنان في هذه الأيام الأخيرة، وقد كان من الواجب عليهم أن يفطنوا،
حين يستمعون إلى بعض أنغام جديدة، إلى أن هذه الأنغام شاذة وناشزة، فلا يتعبوا أنفسهم وعقولهم في محاولة إصلاحها ودرجها في الأنغام المنسجمة الرائعة، لأنها لا شك ستضمحل ذات يوم وتتلاشى وتجف حين لا تجد الأذن المصغية وعلى هذا فنرجو أن يفسر إخواننا الأدباء المصريون سكوتنا بغير ما ينبغي أن يفسر، وألا يحملوه على غير محمله، لنعمل جميعاً على تحقيق ما نصبوا إليه من شئون التعاون بكل أطرافه السياسي والاجتماعي والثقافي وأن يحد الدكتور مبارك من غلوائه التي نستهدف لها جميعاً! (بيروت)
