قرأت بمزيد الأسف ما كتبته في رسالة هذا الأسبوع من حديث تهكمت فيه بمن يدرس اللغات الميتة كما سميتها أنت، ونعيت فيه على الجامعة المصرية التي تعنى بإحياء ما اندثر وباد وانقطعت صلته بالحياة، وأنا في هذه الكلمة أضرب صفحاً عما أدخلته في هذه المسألة من جوانب شخصية، فإن هذا لا يعنيني، وإنما أنفذ إلى لب المسألة فأقول:
يؤسفني أن أرى الدكتور زكي مبارك - وهو الرجل العظيم الذي أحبه أشد الحب وأعجب بشخصيته أعظم الإعجاب - يتجرد من ثياب العالم الواسع الأفق والباحث الطويل الباع، وكيف يكون عالماً واسع الأفق وباحثاً طويل الباع من يجهل صلات العربية بهذه اللغة الميتة؟ كيف يكون كذلك من يجهل أن خدمة اللغة العربية خدمة صادقة حقاً تستلزم معرفة
واسعة بلغات عاصرتها في أجيال طويلة من التاريخ فأثرت فيها وتأثرت بها؟ بل كيف يكون كذلك من يريد أن يفهم لغة بله أن يدرسها فلا ينظر إلى أخواتها التي تفرعت معها من أصل واحد؟
هل يصح في أذهان العلماء أن تدرس اللغة العربية دراسة لغوية لا تستند إلى مقارنات شتى بينها وبين العبرية والسريانية وسائر الأخوات؟ وهل ينكر أثر اليونانية واللاتينية في قاموس اللغة العربية؟ ثم هل ينكر وجوب دراسة الصلات بين الأدب السريانية والعبرية والأدب العربي، تلك الصلات التي لم أجد أحدا تنبه إليها حتى الآن إلا البعض القليل؟ ثم هل ينكر أثر الوراثة الأجنبية فيما نظمه ابن الرومي وأبو تمام؟
لئن كان الفرنجة يدرسون اللاتينية واليونانية كوسيلة لدراسة لغاتهم، فنحن يجب علينا أن ندرس اللغات السامية أولاً ثم اللاتينية واليونانية ثانيا لدراسة لغتنا العربية التي نتعشقها ونفنى أعمارنا في خدمتها
