الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 413الرجوع إلى "الرسالة"

إمتاع الأسماع

Share

قرأت - في الرسالة عدد ٤١٢ - كلمة الأخ الصديق  الأستاذ محمد عبد الغني حسن عن كتاب   (إمتاع الأسماع)  الذي  ألفه المقريزي، وكان له شرف تصحيحه وشرحه، وإني لأشكر  للأخ الكريم ثناءه وحسن ظنه بأخيه. جزاه الله عني أفضل الجزاء. وقد استدرك الأخ الأستاذ بعض ما فاتني من الخطأ، فله  الشكر على اهتمامه وحسن تهَدِّيه ويقظة عينيه، وإن صحَّ لي  أن أقول شيئاً تعقيباً على استدراك الأستاذ، فلست أزيد على  أن التصحيح المطبعي صناعة وفن قبل أن يكون علماً ودراية، وكل ما استدركه - إلا الفقرة الأولى يدخل في باب تصحيح  الأخطاء المطبعية، فالأخيرة منها مثلاً، وهي:   (من هوزان)  ص ٤٠١ مذكورة في هذا الوجه نفسه مرات كثيرة على الصواب  (هوازن)  بتقديم الألف على الزاي - لا كما جاءت في تصحيح  الأستاذ نفسه (هوزان)  كما في الإمتاع!! -، ولكن تنبُّه  الأستاذ إلى مثل هذه الأخطاء يدل على دقة وبصر، وأنه يحسن  التصحيح المطبعي وذلك لما جُبِل عليه من الهدوء والوداعة. وأما الفقرة الأولى من استدراكه، وهي التي جاء فيها تعقيبه  على هذا الرجز: ص ٢٢٢

(اللهم لولا أنت ما اهتدينا      ولا تصدقنا ولا صلينا

إن الألي قد بغوْا علينا ... . . . .  قوله: إن صواب الأول:   (لا هُمِّ لولا أنت ما اهتدينا)   وإن صواب الأخير:   (إن الأليَ لقد بغوا علينا) ، ثم تعجبه  من أن يفوتني ذلك الاختلال في وزن الرجز، وأنا شاعر  وعروضيٌ!! فإني أبرأ إليه من نسبة العروض، فطالما أفسد  العروض ما بيني وبين أصحابي من الشعراء، وليس الأمس ببعيد. ورواية الأول:   (اللهم لولا أنت ما اهتدينا) ، هي الواردة  في الأصل، وفي البخاري وفي مسلم   (شرح النووي ج ١٢

ص ١٦٦) ، وفي أكثر كتب التاريخ والسير والحديث. وقد  جاءت الرواية التي ذكرها الأستاذ في كتاب الطبقات الكبير  لابن سعد ج ٢ ص ٥١، وجاءت رواية أخرى:   (والله لولا الله  ما اهتدينا)  فى البخارى ج 5 ص 109 وأخرى : والله  لولا أنت ما اهتدينا في مسلم   (شرح النووي)  ج ١٢ ص ١٧٠  و١٧١، وقال النووي في ذكر الرواية الأولى ج ١٢ ص ١٦٦  ما نصه:   (كذا الرواية)  قالوا: وصوابه في الوزن   (لا هم) ،  أو   (تا لله) ، أو   (والله لولا أنت)  كما في الحديث الآخر:    (فوالله لولا الله. . .) .

ورواية الأخير:     (إن الألي قد بغوا علينا)   هي الواردة  في الأصل أيضاً، وفي البخاري في مواضع، وفي مسلم ج ١٢  ص ١٧١، وفي أكثر كتب السيرة والتاريخ والحديث. وجاء  في مسلم ج ١٢ ص ١٧٠:   (والمشركون قد بغوا علينا) ،  وفي ص ١٧١ منه ما نصه: (وربما قال   (يعني رسول الله  صلى الله عليه وسلم) : إن الملا قد بَغَوْا علينا)، وهي في اختلال  الوزن كالرواية الأولى التي أثبتناها. ومثلها في ذلك أيضاً رواية  من روى:   (إن الأعادي بغوا علينا) .

وقد نص شراح كتب السير، وشراح البخاري، على أن  هذا الرجز ليس يَتَّزن   (أنظر العينى ج ١٤ ص ١٣٢، وابن  حجر ج ٧ ص ٣٠٨) ، ولم يصححوه أو يبدلوه إلى ما يتزنُ،  مما جاء في الروايات الأُخر، كالذي ذكر الأستاذ     (إن الألي  قد بغوا علينا)  ، وهي رواية ابن سعد ج ٢ ص ٥١.

فإذا كان أصحاب العلم والدراية والبصر بالرواية لم يفعلوا  ما أرادني الأستاذ على أن أفعله - من حيث أني عَرُوضي  كما يقول! - فلي العذر تابعاً لهم، مقتدياً بهم، حريصاً على  ألا أبدِّل أو أحرف ما اتفق عليه الأصل الذي أطبع عنه،  والروايات المتعددة التي جاءت في أصح الكتب إسناداً أو رواية  وتحريراً بعد كتاب الله.

هذا، والكلام عن مثل هذا الرَّجَز - وما يقع في بعض  أوزانه من الاختلال والاضطراب - يفضي إلى القول في المواضع  التي كان يُنشَدُ فيها، وكيف يكون إنشادُه؟ ولِمَ يُتجاوز

فيه عن الوزن؟ ولو نظر الأستاذ الشاعر إلى صلة هذا الرَّجَز  بما كان من الصحابة في حفر الخندق، وحملهم التراب  في المكاتل، وسيرهم مصعِّدين ومصوِّبين. متوافقين في الإنشاد  يمدُّون به أصواتهم مختلطة مرتفعةً، لعَلِم عِلْمَ ذلك،  ولكفانا مؤونة الجري وراء العروض، أهو يتزن أو لا يتزن؟  حتى يبلغ بنا ذلك إلى تبديل الروايات وتحريفها، وقد جاءت  عمن كان أعلم منا بالشعر والعروض.

وأخيراً، أشكر للأستاذ هذه الهمة التي دفعته إلى النظر  والتنقيب، والبحث والتنقير؛ وأثني عليه بما هو له أهل، وأسأله  أن يتغمَّد خطأ أخيه بما أعرفه من نبله وعلمه وفضله والسلام

اشترك في نشرتنا البريدية