الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 642الرجوع إلى "الرسالة"

إندونيسيا:

Share

دخل الإسلام إلى إندونيسيا منذ قرون، وظل يتوغل فيها  توغلا قد لا تدانيه فيه أية بلاد إسلامية أخرى إذ أصبحت تعاليم  الدين الإسلامي والتقاليد الإسلامية هي وحدها السائدة في أمة  بلغ عدد سكانها سبعين مليونا، تسعون في المائة منهم مسلمون.

والمسلمون الإندونيسيون أشد ما يكون تمسكا بدينهم الحنيف  فلا عجب إذا كانت الروح الإسلامية هي السائدة في علاقاتهم فيما  بينهم وفي علاقاتهم بغيرهم من الأمم ولا عجب بعد ذلك إذا  كانت الأمة الإندونيسية دائما تشعر بوثيق العلاقة بينها وبين  الأمم الإسلامية. وقد ربطتها وإياها الرابطة الروحية وما أشدها  رابطة قوة ومتانة.

كانت إندونيسيا في اتصال وثيق بالعالم العربي الإسلامي قبل  الحرب ولا أدل على ذلك من اشتراكها في جميع المؤتمرات  الإسلامية الهامة المنعقدة في   (مكة ومصر وفلسطين)  كما كانت  تراقب دائما الحركات السائرة في هذا العالم فتسر لسروره وتتألم  لألمه. ظهرت سياسة التنصير البربري في شمال أفريقيا، فقامت  قيامة الصحف الإندونيسية تحتج على فرنسا. فقامت إيطاليا  في طرابلس وبرقة بتطبيق سياسة الحديد والنار. ولعل أفظع  مظاهرها شنق الشهيد عمر المختار - فقامت الأمة الإندونيسية  على بكرة أبيها تقاطع البضائع الإيطالية، وبلغت شدة هذه  المقاطعة أن حرق الأهالي الطرابيش على أنها صناعة إيطالية.  ورمى أحدهم سيارة   (فيات)  الإيطالية في قاع النهر.

اندلعت نار الحرب العالمية الثانية فانقطعت الأخبار عن هذه  البلاد الإسلامية وما إن وضعت أوزارها إلا وقد زف إلى العالم  العربي والإسلامي نبأ وأي نبأ، نبأ إعلان إندونيسيا استقلالها  وقيام الحكم الجمهوري في ربوعها. لقد أثلج حقا هذا النبأ السار  صدور المسلمين قاطبة ولم لا يطربهم هذا النبأ وقد قامت في أقصى  الشرق حكومة إسلامية قوامها ما يقرب من سبعين مليونا من  المسلمين أقوياء الإيمان فزادت بذلك شوكة الإسلام ودانت إلى  الوجود الجامعة الإسلامية القوية البنيان.

على أثر ذلك سرعان ما أعلنت لجان استقلال إندونيسيا في    (مصر والعراق والهند واستراليا وأمريكا وهولندة)  ثقتها التامة  في الزعيم   (سوكارنو)  المحبوب عند شعبه رئيساً للجمهورية.

لقد شعر العالم بحق الإندونيسيين في الاستقلال، فبادر عمال  استراليا ونيوزيلندة إلى تأييده عملياً، فعم الإضراب في مواني  الشرق الأقصى، وأيدت هذا الإضراب نقابات عمال الشواطئ  الأمريكية كما أعلن وزير الحربية للحكومة البريطانية أن ليس في  نية القوات البريطانية التي نزلت الآن في بتافيا مقاتلة الوطنيين  الإندونيسيين في سبيل هولندا كما نشرت كل الصحف في حينها.  ومع ذلك لم تكن الروابط التي تربط الأمة الإندونيسية وهذه  الأمم أية رابطة روحية أو مادية، اللهم إلا شعورها واعترافها  بحق هذه الأمة في تقرير مصيرها.

والآن، نوجه نحن الإندونيسيين إلى العالم الإسلامي عامة،  وإلى العالم العربي خاصة نداء حاراً، لكي تتذكر الشعوب الإسلامية  قاطبة العلاقة الروحية القوية التي تربطها وهذه الأمة الإسلامية -

وهي في أدق مواقفها وأحرجها معاً - التي قد عاهدت الله  والوطن على أن تدافع عن الاستقلال الذي أعلنته للعالم في التاسع  عشر من شهر أغسطس المنصرم بكل ما فيها من عزم وقوة،  فيؤيد موقف الشعب الإندونيسي المشروع في تقرير مصير نفسه  بنفسه بجميع الوسائل التي ترى أنها أمضاها في تحقيق هذا التأييد  وتعترف حكومتها بهذا الاستقلال، فتمد بذلك إلى الحكومة  الجمهورية الإندونيسية الجديدة قوة فوق قوتها فتقنع هولندا المستعمرة  بعبث محاولتها في العودة إلى احتلالها بالقوة الشنيعة.

وإنا حين نتوجه بهذا النداء إلى الشعوب الإسلامية والعربية  لعلى يقين في أنها ملبية نداءنا. وإنها حين تؤكد الحركة الوطنية  في أندونيسيا، وحين تعترف حكوماتها باستقلال إندونيسيا لا تخدم  القضية الإندونيسية الحقة وحدها، ولكنها تخدم كذلك نفسها  بنفسها، إذ بوجود حكومة إسلامية قوية في الشرق الأقصى  تتقوى مراكز جميع الحكومات الإسلامية والعربية كلها،  وتتحقق لكل منها أمانيها المشروعة. والحكومة الجمهورية  الإندونسية لن تنسى أبداً ما تقدمه الشعوب الإسلامية والعربية  من التأييد لها وما تفعله الحكومات الإسلامية من الاعتراف بها.

اشترك في نشرتنا البريدية