الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

احداث المطر

Share

السماء تمطر بعض نواح من الارض حتى تغرقها وتجعل اهلها يحلمون بالرياح المطردة للغيوم ، وتبخل على نواح أخرى حتى تيبسها وتجعل اهلها يتمطرون ويحلمون بالارياح الجاذبة للسحب المدرارة ، وعصرنا الحالي عمل وما زال يعمل في تحقيق اماني المستمطرين العطشين . فبعد ما اكتشف العلماء طريقة نزول المطر فكروا في احداث هذا النزول متى لم تتوفر الشروط الطبيعية ولا بأس ، قبل ان نتحدث عن التجارب التي اتخذت لهذا الغرض ، ان نقول ولو بايجاز ما هو السحاب وكيف يمطر .

السحاب والمطر : السحاب مجموع من هواء ندي وماء . والماء يوجد في شكل قطيرات نحيفة لا يفوق قطرها عشرين مكرونا ( المكرون جزء من الف من الملمتر ) وعدد هذه الفطيرات محصور بين خمسمائة والف في كل صنتمتر مكعب من السحاب . وهي تنزل ببطء اذ لا تفوق سرعتها الصنتمتر الواحد في الثانية . غير انها تلاقي غالبا تيارا تصاعديا من الهواء يصادمها ويمنعها من السقوط على الارض فليس كل سحاب مطيرا وفي غالب الاحوال يبقى الماء معلقا في الجو ، تارة يصعد ، وينزل تارة أخرى ، ويتطوح السحاب حسب اتجاهات الارياح التي تقوده حتى يتبخر ماءه فيضمحل .

اما السحب الماطرة فهي نوعان : ١ ) السحب الباردة التى تنزل درجة حرارتها تحت الصفر من السلم المائوي : يمكن ان تحوي هذه السحب قطعا نحيفة من الجليد في شكل بلورات ناشئة عن تجمد الماء . فكلما ينشأ بلور من الجليد ، تتجمع حوله قطيرات الماء المحيطة به وتتكتل فتتكون منها قطرة جسيمة ( قطرها ملمتران تقريبا ) تسقط على الارض رغم التيارات التصاعدية ولا يتواصل نزول الماء بهذه الطريقة الا اذا وجد

فى السحاب اكثر من بلور واحد فى كل صنتمتر مكعب - فوجوه هذا المقدار من قطع الجليد لازم لنزول المطر . غير ان هذا الشرط اللازم يصعب توفره في السحاب رغم انخفاض الطقس الى ما دون الصفر ، وسبب ذلك هو الحدث الفيزائي المسمى " بما فوق الذوبان " (surfusion) نعلم ان كل جامد خالص ينصهر في درجة معينة قارة تسمى بدرجة انصهاره او ذوبانه . فالجليد مثلا يصير ماء في الدرجة صفر مهما كانت كيفية التحمية - ونعلم ايضا ان كل مائع خالص بتجمد في درجة معينة قارة تسمى بدرجة تجمده ، وبالنسبة لجنس واحد من المادة الخالصة ؛ فدرجة الذوبان هي درجة التجمد . الجليد يذوب في الطقس صفر والماء تتجمد فى نفس الطقس ، غير ان التجمد قد لا يقع عند الوصول الى درجة التجمد المعتادة ، ففي بعض الاحوال يبقى المائع على حالة ولا يتجمد رغم النزول دون درجة التجمد ، وازالة هذا الحال غير الاعتيادى تقع بالخض العنيف او بإلقاء قطعة جامدة من نفس المادة فيتجمد المائع فجأة كأنه ييقظ من نعاس الغفلة وينتبه . فماء السحاب مثلا يبقى فى شكل تلك القطيرات النحيفة ولا يتجمد رغم نزول الطقس الى ما دون الصفر ، وكلما صغر حجم القطيرات صعب تجمدها 0 فنلاحظ مثلا ان طقس السحاب يبلغ في عدة احوال درجات منخفضة ( اربعون درجة تحت الصفر مثلا ( دون ان تتجمد القطيرات من تلقاء نفسها . وهذا ما جعل السحب الممطرة قليلة جدا بالنسبة للسحب الاخرى العقيمة .

٢ ) السحب السخنة : ان الامطار الغزيرة التي تنزل في نواحي خط الاستواء لا تنشأ عن وجود الجليد في السحاب اذ تبقى درجة حرارة الجو فوق الصفر . لكنها تنشأ عن وجود قطع نحيفة من بعض املحة بحرية كملح الطعام وصفر نيل المغانسان (chlorure de magnesium)  وكبريتات الجيرن (clorure de calcium)

ان وجود هذه الاملحة في جو مناطق ارضية يفوق بعدها عن ساحل البحر المائتي كيلو متر ، ناشئ عن انفجار الرغوة التي تحدثها الامواج ، فتلتقط الارياح شيئا منها وتحملها نحو هذه المناطق .

وقد اثبتت التجربة ان كمية الاملحة البحرية في الجو البر البرى اوفر منها في الجو البحري . وهذه القطع الجامدة تقوم بنفس وظيفة قطع الجليد في السحب الباردة .

فقطرات ماء السحاب تتكتل حولها وتنشىء قطرات جسيمة يسهل سقوطها على الارض .

إحداث المطر : يظهر من بسطتنا هذه ان السحاب لا يمطر الا اذا كان يحوي عددا كافيا من قطع نحيفة جامدة ( جليد او املحة بحرية ) نسميها بنوايا التقطر (noyaux de condensation) فاذا لم يتوفر هذا الشرط الحتمى فى سحاب كثير الماء هل يمكن للانسان ان يوفره بنفسه ؟ هل يمكن له ان يبعث فى السحاب نوايا تقطر تصيره ماطرا ؟ تساءل هكذا الباحثون طويلا ثم أجروا التجارب فى المخابر وفى الطبيعة حتى تحصلوا على نتائج شجعتهم على مواصلة اعمالهم الطرق التجريبية عديدة ومتنوعة ، لكنها ترجع كلها الى نثر قطع جامدة فى السحاب تقوم بدور نوايا التقطر الطبيعية - ونذكر من اهم هذه الطرق :

١ ) الثلج الفحمني : (neige earbonique) هو المحمض الفحمني (co2) المتجمد ، وله مظهر الثلج غير ان درجة تبخره منخفضة ( ثمانون درجة ماثوية تحت الصفر ) - فاذا نثرناه فى سحاب تبخر فجأة وأحدث تبردا قويا سريعا يجمد شيئا من ماء السحاب ويكون حينئذ عددا كبيرا من نوايا التقطر اللازمة لاحداث المطر . وهذا لا يمكن الا اذا كان السحاب باردا نوعا ما بحيث لا يفوق طقسه فى اعلاه الدرجة صفر - وهناك طرق مختلفة لنثر هذا الثلج فى السحاب ، ومنها القاء مفرقعات صغيرة فوق السحاب تطلقها طائرة وتنفجر عند وصولها داخل السحاب - ومن التجارب التى نجحت بهذه الوسيلة نذكر احداث المطر بتونس فوق سد الواد الكبير ( ٦ مارس ١٩٤٨ ) : تثرت طائرة خمسين كيلو من الثلج الفحمني فوق سحاب كان ارتفاعه ( ٣٤٠٠ مترا ) وطقسه سبع درجات تحت الصفر - فامطر هذا السحاب مساحة قدرها مائة كيلو متر مربع بما يقرب من مليون طن من الماء .

٢ ) بنفسنيل الفضة : (iodure d,argent) - البخار السخن من هذا الملح يصير بطريقة التبرد الفاجئ غبارا نحيفا يحوي الملفرام الواحد منه ما يفوق الف مليار من قطعه - وهذه القطع تصلح ان تكون نوايا تفطر داخل السحب لكن بشرط ان يكون طقس الجو دون خمس درجات تحت الصفر - وطرق نثر هذا الغبار عديدة ومنها :

أ ) احراق فتائل قطنية تحوى هذا الغبار تطلقها طائرة بعد اشعالها او تحملها كور صاعدة توجه نحو السحاب

ب ) إحداث دخان من هذا الغبار ينطلق من الارض ويصعد نحو السحاب وذلك باحراق فحم يحوي كمية معينة من هذا الملح . وبهذه الطريقة تحصل النتيجة باقل مصاريف ولذا فهي تفضل غالبا على الطرق الاخرى .

٣ ) النوايا الماصة للرطوبة : الطرق السابق ذكرها خاصة بالسحب الباردة ونعني بذلك انها تحدث تجمد شئ من ماء السحاب وتنزل منه مطرا او ثلجا - اما بالنسبة للسحب السخنة التي يفوق طقسها الصفر فهي تمطر بواسطة أملحة متعطشة الى ابتلاع الماء كملح الطعام مثلا - ونبعث هذه الاملحة في السحاب إما في شكل غبار ننثره واما كما يقع غالبا فى شكل محلول مشبع من هذا الملح يقع ايضا نثره - وقد جربت هذه الطريقة بتونس بواسطة طائرة نثرت محلولا مشبعا من صفر نيل الجيرن وكانت النتائج مرضية في جملتها ، لكن السحب التي وقع علاجها كانت قليلة الاهمية وما نزل منها الا شئ قليل من المطر .

النتائج : ان المفتشين جربوا طرقا عديدة ومختلفة ولا يمكن ان نقول ان احداها نجحت على الاطلاق وامتازت عن بقية الطرق امتيازا حاسما - والاختصاصون في علم الاحداث الجوية لا يزالون منقسمين : فمنهم من يعتقد ان علاج السحب يحدث اضطرابات لا تكون الا محلية وزائلة ، ولا يمكن ان نامل زيادة في المطر باكثر من اربعة او خمسة في المائة - ومنهم من يرى ان الاضطرابات الجوية غير قارة فى بدايتها - فادا وقع نثر نوايا التقطر في ابانه امكن ان ينشأ عنه عدة احداث متوالية تزيد في المطر زيادة محسوسة - وعلى كل فالتجارب ما زالت تتواصل وتتنوع والنتائج الحقيقية لا يمكن ظهورها الا بعد أجل بعيد - فلا يمكن ان تقارن بين ما ينزل بناحية بدون علاج السحب وما ينزل بها بعد هذا العلاج الا بعد عدة سنين وامر السحاب معقد في الحقيقة اكثر مما بسطناه ومشاكل علاجه اكثر واعوص مما ذكرناه - لكننا لا نشك اليوم اننا مهما طالت مدة التفتيش سنتحصل على النتائج المنشودة . واملنا هو ان تمد الحكومات المخابر بما يلزمها من منح كي تتوفر لديها وسائل العمل . وان يهتم بالموضوع عدد اوفر من الباحثين والمفتشين .

اشترك في نشرتنا البريدية