ليس من الممكن معالجة موضوع الأثر العربي في الثقافة الإنجليزية بتفصيل واستيعاب في مقالة واحدة أو بضع مقالات. ولا من الممكن أيضاً ذكر الكثير من أسماء العلماء والمؤلفين والمترجمين الذين ساهموا بنصيب وافر في نقل الثقافة العربية إلى دائرة الفكر الإنجليزي أو الأدب الإنجليزي. ولذلك سأحاول معالجة هذا الموضوع في ثلاث مقالات فقط: هذه المقالة وموضوعها (في القرون الوسطى). والمقالة الثانية وموضوعها (في عصر النهضة). والمقالة الأخيرة وموضوعها (في القرنين الماضيين). وستكون معالجتي إجمالية عامة.
إن ما أعنيه بالأثر العربي هنا هو كل ما وصل إلى الثقافة الإنجليزية عن طريق اللغة العربية، سواء أكان ذلك من إنتاج العرب أنفسهم أم من إنتاج غيرهم من الأمم التي ترجمت فلسفتها وعلومها وآدابها إلى اللغة العربية. وأعني بالثقافة الإنجليزية ما أنتجته القريحة الإنجليزية من أدب وفلسفة وعلم وكتب حينئذ باللغة اللاتينية التي كانت لغة التأليف الآداب في إنجلترا وغيرها من ممالك أوربا في القرون الوسطى
لعلنا نذكر أن بغداد كانت مقر الخلافة العباسية، وأن خلفاء هذه الدولة قد انصرفوا بعد أن استتب لهم الحكم إلى تشجيع العلم والعلماء، فازدهرت العلوم على اختلاف أنواعها، وبدأ عصر جديد هو عصر الترجمة من اللغات الأجنبية كاليونانية والفارسية والهندية. وبلغ ذلك العصر أوجه في أيام الرشيد والمأمون. ووجد في اللغة العربية ما يسمى (بالعلوم الدخيلة) أي التي دخلت في اللغة العربية من لغات أخرى، كالطب والفلسفة والمنطق والفلك والرياضة. ويعزى أكثر الكتب التي ترجمت حينئذ إلى أرسطو طاليس وأفلاطون وبطليموس وأبقراط وأقليدس من علماء اليونان وفلاسفتهم. وكان أكثر المترجمين من غير العرب - كما نعلم - لأن العرب أصحاب السيادة كانوا منصرفين إذ ذاك إلى العناية بنظام الحكم والسياسة. ولأن من قاموا بالترجمة
من السريان والنصارى واليهود كانوا على علم كاف بالعربية واللغات الأخرى المترجم عنها. نمت هذه العلوم الدخيلة وعكف على دراستها وترقيتها كثير من العلماء حتى أصبحت بغداد مركزاً للثقافة العربية في الشرق
امتدت فتوح الإسلام إلى شمال أفريقيا وجزيرة صقلية وبلاد الأندلس، ووطد العرب سلطانهم هناك، وهاجر إلى تلك الممالك كثير من العلماء الذين تفقهوا في العلوم الإسلامية والدخيلة، ووجدوا من إكرام الخلفاء والأمراء لهم ما شجعهم على تنمية هذه العلوم ونشرها، وأقبل العلماء والطلبة من المسلمين واليهود والمسيحيين على دراسة الفلسفة وعلوم الطب والرياضة والفلك وغيرها في المعاهد الإسلامية والمكاتب العامة التي أسست في طليطلة وقرطبة وغرناطة وأشبيلية حتى أصبحت هذه المدن الأندلسية مراكز للثقافة العربية في الغرب كما كانت بغداد في الشرق
وإذا عرفنا أن أثر أية لغة في لغة أخرى إنما ينشأ عن الاتصال المباشر أو الغير مباشر بين متكلمي هاتين اللغتين وجب أن نبحث عن: (متى وكيف وجد الاتصال بين العرب والإنجليز في القرون الوسطى) وهنا نجد أمامنا ميدانين اتصل فيهما العرب بالأوربيين عامة ومن بينهم الإنجليز. الميدان الأول هو الميدان الشرقي في مصر وفلسطين والشام وآسيا الصغرى أيام الحروب الصليبية، والميدان الثاني هو الميدان الغربي في جزيرة صقلية وفي الأندلس. وفي كلا الميدانين كان تأثير العربية في كافة الثقافات الأوربية ومن بينها الإنجليزية. وربما كانت إنجلترا أقل الممالك تأثراً بالنفوذ العربي
بدأت الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي وتوالت ست مرات حتى أوائل القرن الثالث عشر. واشتركت في هذه الحروب الصليبية كل ممالك أوربا، كما قاد هنري الثاني ملك الإنجليز جنوده في الحرب الصليبية الثالثة ضد العرب. وكانت هذه أول مرة في التاريخ يلتقي فيها العرب والإنجليز وجهاً لوجه، ويرى الإنجليز ما كان عليه العرب من حضارة وتفوق في فن الحرب وتعبئة الجيوش وطرق الهجوم والدفاع. وكان لهذا الاتصال أثره المباشر في أن نقل الإنجليز عن العرب نظم الحرب والتحصين، ووسائل النقل، واستعمال النقود وتوزيع الضرائب وصنع الزجاج. ويرجع علماء اللغة أن بعض الكلمات قد تسرب من العربية إلى لغة الإنجليز (أعني اللاتينية) في ذلك العصر. وذلك مثل كلمة Cotton القطن، Sugar السكر، Zarget الدرقة
Guide القائد، وغير هذه الكلمات مما لا مجال لذكره الآن. ولم يترك هذا الاتصال أثراً قوياً في الأدب الإنجليزي لأنه كان اتصالاً حربياً ولم يكن اتصالاً علمياً
أما في الميدان الغربي فإن جزيرة صقلية كانت تحت حكم الأغالبة من العرب من أوائل القرن العاشر إلى أواخر القرن الحادي عشر. وبعد سقوط هذه الجزيرة في أيدي النرمانديين ظلت اللغة العربية لغة الكتابة والتأليف بجانب اللاتينية والإغريقية، ولقي العلماء من المسلمين واليهود كل تشجيع وعطف من الملوك المسيحيين، وبخاصة فردريك الثاني ملك صقلية الذي جمع بلاطه كثيراً من نخبة الفلاسفة والأطباء والمنجمين وعلماء الرياضة. وكذلك شجع الملك روجر الصقلي العلماء على التأليف والترجمة إلى اللغة اللاتينية، إما من العربية، وإما من الإغريقية. وكانت هناك علاقات صداقة قوية بين البلاط الإنجليزي، وبين بلاط الملك روجر الصقلي الذي عهد بمنصب ديوان الإنشاء في بلاطه إلى إنجليزي يسمى Robert of Selby وقد مهد هذا الإنجليزي لكثير من العلماء الإنجليز الإقامة في بلاط الملك روجر والاتصال بعلماء العرب، وترجمة بعض مؤلفاتهم، ونقل بعض الثقافة العربية إلى ثقافتهم. وكذلك نجد إنجليزياً أخر تشير إليه السجلات الصقلية العربية باسم (القائد برون)، واسمه بالإنجليزية Thomas Brown وقد شغل وظيفة القضاء في البلاط الصقلي، وعرف اللغة العربية، ثم عاد بعد ذلك إلى إنجلترا حيث اختاره الملك هنري الثاني وزيراً للمالية سنة ١١٥٨ م. وقد كان من نتيجة هذا الاتصال بين علماء الإنجليز وعلماء العرب في البلاط الصقلي أن أخذ الإنجليز عن العرب طرق البحث الفلسفية، وترجموا بعض الرسائل في الفلك والرياضة.
أما في الأندلس فإن تعاون المسلمين واليهود والمسيحيين في البحث والتأليف، وتسامح الولاة من المسلمين، وازدهار الحركة العلمية والأدبية قد فتح الطريق أمام طلاب العلم من ممالك أوربا المختلفة فوفدوا إلى المعاهد الإسلامية الأندلسية للدراسة والترجمة إلى لغاتهم. ونذكر من بين هؤلاء ادلار الباجى الإنجليزي Adlar of Bath الذي سافر كثيراً في الشام وفلسطين وصقلية ثم درس في طليطلة، وحين عاد إلى إنجلترا أدهشه ما وجد عليه القوم من جهل بعلوم العرب وفلسفتهم (كما يقول هو) فأدخل في الثقافة الإنجليزية والفلسفة طريقة التفكير الحر في البحث وكذلك ترجم من العربية رسالة في الفلك اسمها (الأزياج) واستبقى
كثيراً من الكلمات العربية في ترجمته، وألف كتاباً سماه (المعضلات الطبيعية) اعترف فيه بفضل الدراسة العربية، وذكر فيه كروية الأرض، وأن المادة لا تفنى، وشرح أسباب الزلازل، وكان يعتمد في كل ما كتب على الأدلة العقلية أو التجربة.
وممن تتلمذ من الإنجليز على العرب Robert of Chester فقد درس في الأندلس وهو أول من ترجم القرآن من العربية إلى اللاتينية، كما ترجم كثيراً من الكتب في علم الجبر والكيمياء. ولا تزال هاتان الكلمتان في الإنجليزية حتى الآن: Algebra وChemistry وهناك أيضاً تلميذ أخر يسمى ألفرد الإنجليزي Alfred the Englishman درس في الأندلس وترجم من العربية كتاب النباتات لارسطو طاليس.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا ميخائيل الاسكتلندي Micheal de Scott فقد زار صقلية ودرس في طليطلة ثم ترجم من العربية رسالة في علم الفلك لمؤلفها نور الدين أبي إسحاق البتروجي، ونقل فلسفة ابن رشد، وعلق على كتب ابن سينا وترجم من العربية كتاب الحيوان لأرسطو طاليس.
وكذلك عرف الإنجليز طب العرب، وكيفية استعمال الإسطرلاب، واستبقوا فيه بعض الكلمات العربية كالمغرب، والمري، والقنطرة، كما اقتبسوا الطرق العربية في الحساب
ولما كانت الفلسفة والعلوم والآداب في القرون الوسطى قوية الارتباط بعضها ببعض تأثر الأدب الإنجليزي مباشرة بكل ما ترجم من العربية إلى اللاتينية من فلسفة أو علم أو أدب. ويذكر علماء الأدب أن تشوسر الشاعر الإنجليزي القديم اقتبس في أشعاره بعض المعاني من كتاب اسمه (أمثال الفلاسفة)، وكان قد ترجم هذا الكتاب أولاً من العربية إلى اللاتينية ثم ترجم بعد ذلك من اللاتينية إلى الإنجليزية، وهو أول كتاب إنجليزي طبع بمطبعة كاكستون. وكذلك كتب تشوسر رسالة في الإسطرلاب اعتمد فيها على كتاب (الإسطرلاب) للمؤلف العربي (ما شاء الله) وعلى كتاب للقبيسي اسمه (مقدمة في علم الفلك). وكتب أيضاً رسالة سماها (الخبز واللبن للأطفال) تجلت فيها الروح العربية.
وقد ترجمت مجموعة من القصص العربية إلى اللاتينية ومن بين هذه القصص بعض حكايات من كتاب كليلة ودمنة، وظهرت هذه القصص في الآداب الأوربية عامة كما ظهرت في الأدب
الإنجليزي. وقد ضمن الشاعر الإنجليزي Vohn Lydgate بعض أشعاره كثيراً من هذه القصص والحكايات العربية
ويعزو بعض علماء الأدب انتشار الأشعار الغرامية الشعبية التي كان ينشدها الموسيقيون المتجولون في القرى الإنجليزية في القرون الوسطى إلى نفوذ عربي لمشابهتها كثيراً للأشعار الغرامية الأندلسية، وبخاصة الزجل، ويذكرون أيضاً كتابين كان لهما الأثر في انتشار هذا النوع من الشعر الغرامي وهي كتاب (الزهرة) لابن داود وكتاب (طوق الحمام) لابن حزم وموضوعهما الحب العذري، وقد ترجما إلى اللاتينية(1)
هذه فكرة إجمالية عن (أثر اللغة العربية في الثقافة الإنجليزية في القرون الوسطى) وسأعالج ذلك الأمر (في عصر النهضة) في العدد القادم إن شاء الله. عبد العزيز أمين عبد المجيد
نفسه رددها وراح يهتف بها وقد راقته اغانى تسبيز فكان يقلدها وينظر المقامات على نسقها، ثم فرغ لنظم الدرامة الطويلة ثم ثار فيها على العرف فكتب له التوفيق حتى اذا انبثق فجر القرن الخامس قبل الميلاد، وبلغ الفتى السادسة والعشرين من عمره استطاع ان يشهد الناس فنه فى اكبر مسارح اثينا حبث مثلت اولى روايتها فبهرت الاثينيين وعرضت عليهم لونا جديدا من ادب الدرام كان ثوره عنيفة على الماضى ودعامة وطيدة لمسرح المستقبل
ولما نشبت الحرب بين فارس واليونان ألقى الشاعر يراعه وامتشق سيفه وأسرع إلى مرثون الخالدة هو وأخوه فأبليا بلاءً حسناً ترك في نفس إسخيلوس أثراً عظيماً من الزهو والاعتداد لم يمحه نصف قرن عاشه بعد ذلك
ثم تلت موقعة مرتون التي استشهد فيها أخوه (٤٩٠ ق. م) فترة من السلام فرغ فيها إسخيلوس إلى أدبه واستطاع خلالها أن يحرز النصر على جميع منافسيه في حلبة الشعر للمرة الأولى في المسابقة العامة عام ٤٨٤ ق. م
ثم دعا داعي الوطن بعد ذلك بأربعة أعوام فترك أثينا مع جميع أهلها ليشترك في موقعة سلاميس، وليناضل فوق صفحة البحر في تلك المجزرة المروعة التي ذابت فيها جيوش كسرى وحطمت أساطيله وفر أثناءها إلى بلاده بعد أن شهد الهزيمة بعينيه، فسلمت اليونان وسلمت أوربا إلى الأبد من التبربر
وقد اشترك بعد ذلك في حروب تراقية عام ٤٧٦ كما تدل عليه جذاذات من ثلاثيته المفقودة المسماة (ليكورجوس)
وفي سنة ٤٧٥ نظم مأساته (نساء إطنة) وكان إذا ذاك في سفارة سياسية إلى سيراكوزا
وقد رحل إلى سيراكوزا مرة أخرى، ونظم فيها درامته (الفرس) التي حازت الجائزة الأولى عام ٤٧٢.
وفي سنة ٤٦٨ ظهر منافسه العظيم سوفوكليس في ميدان المسرح فجأة ففاز على إسخيلوس بالجائزة الأولى، وكان لفوزه أثر بليغ في نفس إسخيلوس لم يمحه أن فاز (إسخيلوس) بعد ذاك بجوائز عدة كان يسيل لها لعاب الشاعر الشاب
وقد عاش إسخيلوس عشر سنوات لا ينسى هزيمته سنة ٤٨٦ حتى أن بعض المؤرخين يظن أنه هاجر إلى صقلية بسبب ذلك، ويقول بعضهم إنه كان كلما ذكر تلك الهزيمة الأدبية دمعت عيناه ونقم على الشاعر الشاب.

