منذ ثلث قرن - فى سنة 1926 بالضبط - أصدرنا كتابنا " موجز التاريخ العام للجزائر " . وهو استعراض للحضارة الجزائرية أكثر منه تاريخ وقائع وسرد حوادث وتجارد ملوك . وقصدنا من تأليفه اثبات الشخصية الجزائرية الممتازة ، الشخصية الجزائرية السياسية والحضرية والثقافية والفنية . ويقيننا أن قارئ هذا الكتاب ينتهى منه وقد استقر في نفسه الايمان بوجود الشخصية الجزائرية كدولة وكحكومة وكشعب وكأمة وكثقافة وكأدب وكفن ، وبجملة مختصرة كحضارة قائمة بذاتها لها اشعاعها على حضارات البحر المتوسط .
كتبناه يوم كان الكثيرون يعتقدون أن الجزائر " مصطنع سياسى " و " خلق فرنسى " وانه بلد لم تكن له حدود خاصة ولا تسكنه أمة وليس به شعب وما له حضارة خاصة ولم تقم به دولة ولم تنظم فيه حكومة . هذه فكرة استعمارية وارجوفة ابتدعتها مدرسة الجزائر التاريخية لغاية فى نفس يعقوب .
وقد قرأنا يومئذ مئات الكتب الفرنسية عن تاريخ الجزائر فكانت كلها تثبت أو تحاول أن تثبت على الاقل - أن الجزائر انشاء فرنسى أنشاه الفرنسيون " من البيضة " أو " من العدم " .
وكنا نطالع المئات من المصادر العربية فنراها تثبت العكس .
ويعسر التسليم جدا بأن قطرا من الاقطار يعيش ستين قرنا بدون حدود ولا دولة ولا حكومة ولا قانون ولا نظام ولا حضارة ولا أدب ولا فن ولا ثقافة الواقع ينفى ذلك والمنطق يأباه والمشاهد يقيم الدليل على نقيضه . ولا يعشش مثل هذا التفكير الملتوى المنحرف الا فى أدمغة مريضة عمياء البصر عشواء البصيرة .
ونلخص فى هذه العجالة تاريخ الادب الجزائرى لا على معنى الاستفاضة والاستيعاب ولكن كنماذج صالحة لتحصل منها صورة نقية في الذهن
1 الادب البربرى بالجزائر : البربر أقدم سكان القطر الجزائرى ونظامهم هو من أقدم النظم الجمهورية فى العالم . وخطهم سابق للخط الهيروغليفي
المصرى ، وأدبهم سابق للادب اليونانى والادب الاغريقى . فمسرحهم يرجع الى فجر التاريخ . وقد أسس الملك الجزائرى يوبا الثانى أول معهد للتمثيل والموسيقى والنحت والتصوير وذلك بمدينة شرشال فى القرن الثاني قبل المسيح قبل أن تؤسس باريس بقرنين . ودون بربر الجزائر أخبارهم بالصور والخطوط على صخور الجبال طوال مئات الاميال قبل أن يحرر الفراعنة أخبارهم على المصاطب والمسلات وشيدوا أهرامهم قبل أهرام سقارة والجيزة . وألف يوبا الثاني أول دائرة معارف عامة عرفها البشر وصنف جغرافية لبلاد العرب
وصنف ماسينسا ويوغرطه كتبا فى أنساب البربر وتواريخهم نقلت الى العربية في بيت الحكمة بالقيروان واعتمدها ابن خلدون لوضع كتابه عن البربر
وبين المؤرخ البربرى يوبا الثاني وأول مؤرخ فرنسى أربعة عشر قرنا . وبين أول دائرة معارف جزائرية . وهى التى وضعها يوبا الثانى . وأول دائرة معارف فرنسية ، تسعة عشر قرنا .
2 - الادب الروماني بالجزائر : أنجبت الجزائر البلد الثقافي الخصيب مئات الرجال في العصر الروماني ألفوا باللغة اللاطينية يشار اليهم بالبنان . ويكفيها فخرا انها موطن أكبر روائى لاطينى . وهو أبوليوس الذي ولد بمدينة مداوروش وتعلم بقرطاجنة ودرس الحقوق برومية ورافع بطرابلس وألقى المحاضرات الفلسفية بقرنى ( سيرين - الشحات ) العاصمة اليونانية الكبرى ببرقة وبجامعة الاسكندرية . وألف روايته الحمار الذهبى وصنف كتاب ازهار الفلسفة وفصوص الحكم وكتاب النوادر والحكايات الذى استقى منه لا فونتين الكثير من حكاياته منها الغراب والثعلب والذئب والخروف . ويكفى الجزائر فخرا أنها أنجبت القديس أوغوستينس أكبر مفكر عالمى فى أعالى القرون الوسطى وأكبر خطيب كنائسى وواضع الكثلكة . ولد بمدينة تاغاست ( سوق اهراس ) ، ودرس بقرطاجنة وولى اسقفية عنابة ( بونة ) وألف كتاب البوح وكتاب مدينة الله ) يقارن بجمهورية افلاطون والمدينة الفاضلة للفارابى ( وله رسائل من الاهمية بمكان وهو المصدر الاول للتصوف المغربى
3 - الادب العربي : بدأ الادب العربى على عهد الدولة الرستمية التى نشأت فى القرن الثالث الهجرى وعاصرت الطولونيين بمصر والاغالبة بتونس والادارسة بالمغرب والامويين بالاندلس
وقد كان الكثير من الائمة الرستمين شعراء وأدباء وخطباء وفقهاء . وأكبر شاعر جزائرى في هذا العصر هو أبو بكر بن حماد .
وظهرت شخصية الادب الجزائرى على عهد الحمادين ملوك بجاية من القرن الرابع الى القرن السادس . ونحن نتعرف الحياة الثقافية فى هذا العصر سوى
فى حلقات التدريس أو فى نوادى العلم والادب أو فى أشخاص نبغاء الادب والعلم والفن من كتاب عنوان الدراسية فى تاريخ علماء بجاية للغبريني أو من كتاب تعريف الخلف برجال السلف للحفناوى وهو كتاب جليل جدا . وفي
بجاية ظهرت الارقام العربية فى الحساب وظهر الجبر وانتقلا من هنالك الى مدينة جنوة بايطاليا فعرفهما الاوروبيون من هناك . وكانت بجاية عاصمة علم عالمية فقصدها الاوروبيون للتعلم بها ومنهم الفيلسوف الاسبانى ومجدد العلوم الاوروبية رامون لول . ومن أشهر الكتاب فى ذلك العصر ابن مخشرة أكبر كتاب رسائلى ظهر بالمغرب ، وقد انتدبه الموحدون لدواوينهم فكان نابغة الكتاب ومدير قوانين الدواوين . وقد نشر رسائله القيمة لاوى بروفنسال .
وانتهت دولة بني حماد ببجاية بظهور دولة الموحدين التى وحدت المغرب .
فقامت يومئذ دولة بنى زيان أو دولة بني عبد الوادى بتلمسان ودامت من القرن السادس الى القرن الحادى عشر عند ظهور الاتراك . وقد أنجبت المئات من الشعراء والادباء والكتاب والمؤرخين والعلماء والفلاسفة والمفسرين والمحدثين
فأشهر شعرائها ابن خميس والطلاسى وأبو حمو موسى الثاني الذى ألف كتابا جليلا فى السياسة قبل أن يكتب ماكيافيل الايطالى كتابه السياسى " الامير " بقرن . وأكبر كاتب وشاعر ومؤرخ في هذا العصر أحمد المقري ( انظر تأليفنا عنه ) وهو من أكبر كتاب الاسلام على الاطلاق . ومن أكبر المتصوفين الغوث أبو مدين ، ومن اكبر المفسرين عبد الرحمان الثعالبى ، ومن أكبر الفقهاء ابن مرزوق ومن اكبر النوازلين الونشريسى ، ومن أكبر الحسابين البونى ، ومن أراد معرفة ذلك فليراجع أنوار نيسان للمقرى أو البستان لابن مريم أو بغية الرواد ليحي ابن خلدون أو الدر والعقيان للتنسى.
ثم ظهرت دولة الاتراك فى القرن العاشر . ونبغ خلالها جماعة ، منهم عبد الرحمان الاخضرى الفيلسوف الكبير ، ومنهم محمد السنوسي مؤرخ العقانه وواضعها ، ومنهم محمد بن على السنوسى الكبير واضع السنوسية كطريقة ودولة ومنقذ الصحراء وليبيا من الاستعمار الاوروبي ، ومنهم على الخصوص الامير عبد القادر بن محى الدين مقاوم الاحتلال الفرنسى والشاعر الوطني والمصلح الاسلامي الذي سبق بتصانيفه الاصلاحية جمال الدين الافغاني ومحمد عبده فقرر اول برنامج منهاجى لاصلاح العالم الاسلامى واستئناف نهوضه وتبيين معالم حضارته وتنقية تعاليمه السمحة وبعثه كدولة وحضارة
وفى العصر الحاضر قامت دولة العلم والادب منذ انتهت دولة السياسة
بالاحتلال والى ان قامت دولة السياسة الجديدة بالانقلاب الجزائرى التاريخي الكبير .
فنبغ خلالها محمد بن أبى شنب الشاعر الاديب المؤرخ . ونبغ من المؤرخين الاستاذ المجاهد أحمد توفيق المدنى والشيخ مبارك الميلى والاستاذ الجيلالي يصنف كتابه شعراء الجزائر فى العصر الحاضر
على أن جمهرة من الشعراء الوطنيين أججوا نار الثورة وغذوها وقد جمع ديوانهم فكان لهيبا مستعرا .
ومن كتاب العصر ومفكريه المرحوم عبد الحميد بن باديس والاستاذ الكبير البشير الابراهيمي الخطيب والكاتب والمفكر والشاعر والمؤرخ والاديب والعالم ممن لا تحصى مزاياه ولا تدرك سجاياه .
4 - مراجع :
1- ابن الصغير : تاريخ بنى رستم
2 - سليمان الباروني : الازهار الرياضية .
3 - الغبرينى : عنوان الدراية
4 - ابن مريم : البستان .
5 - الحفناوى : تعريف الخلف .
6 - ابن فرحون : الديباج المذهب
7 - البونى : الدرة المصونة فى علماء بونة
8 - القاضى عياض : كتاب المدارك
9-ع . ك . : بلاغة العرب فى الجزائر
10 - ع . ك . : موجز التاريخ العام للجزائر .
1 - ع . ك . : أحمد المقرى
12 - البغدادى : ابن خميس
13 - أحمد توفيق المدني : كتاب الجزائر
14 - مبارك الميلي : تاريخ الجزائر
15 - الجيلالي : تاريخ الجزائر .
