استقبال عضوين في المجمع
أحتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الاثنين الماضي باستقبال عضوين جديدين، هما الأستاذ عبد الحميد العبادي بك والدكتور أحمد عمار، فألقي الأستاذ إبراهيم مصطفى بك كلمة المجمع في استقبال العبادي بك، فبدأ بالحديث عن الشاب عبد الحميد العبادي الذي كان يلقاه في الجامعة الأهلية القديمة ، وقال إن الشباب الذين كانوا يلتقون في الدراسة بتلك الجامعة، إما ممن تلقوا ثقافة إسلامية عربية بحتة، وهؤلاء كانوا يدلون بمعرفتهم للغة العربية وقواعدها وأدبها، أو ممن في المدارس المدينة؛ وهؤلاء كانوا يزهون بتعلم اللغات الأجنبية، وكان كل من الفريقين يسعى إلى التكمل بالثقافة التي تنقصه. وكان عبد الحميد العبادي من الفريق الثاني، وقد جد في تحصيل اللغة العربية، وحفظ الأشعار، وبلغ جده في هذا السبيل أن حفظ القرآن الكريم. ثم تحدث الأستاذ إبراهيم مصطفى بك عن العبادي في حياته العملية منذ أن بدأها مدرسا بمدرسة ثانوية حتى صار عميدا لكلية الآداب بجامعة فاروق الأول وأستاذا للتاريخ الإسلامي بها، وكان فيما بين ذلك أستاذ للتاريخ الإسلامي بدار العلوم، وكانت دراسة التاريخ في هذه المدرسة تتصل باللغة العربية وأدبها وبالشريعة الإسلامية وتعني بالموجات الاجتماعية في العصور الإسلامية فأهتم العبادي بك ذلك ودرسه وأداه أحسن أداء.
ثم قال إن العبادي مدرسة وحده في التاريخ؛ يتخذ المنهج الحديث ويعتمد على النص القديم، وهو ضنين بالنشر وقليل التأليف على شدة الحاجة إلى رأيه وانتظار الباحثين كلمته على أن الأستاذ إبراهيم بك لم يطل في الحديث عن العبادي بك من
ناحية اختصاصه بالتاريخ وجهوده فيه، وعلل ذلك بأن المجمع أختار لاستقباله نحويا (يعني نفسه) لا مؤرخاً، وأستطرد من هذا إلى قدرة العبادي بك وبراعته في النحو مستدلا على ذلك بما جاء في تحقيقه كتاب (نقد النثر) لقدامة، إذ يناقش كثيرا من المسائل على أساس الإعراب.
ثم أعقب ذلك الأستاذ عبد الحميد العبادي، فعبر عن شكره أعضاء المجمع وحياهم تحية طيبة، ثم قال إن حلوله محل المرحوم الدكتور محمد شرف بك في عضوية المجمع يعد فرصة للحديث عن الطب عند العرب، وبدأ هذا البحث بقوله إن العرب عرفوا الطب علماً إنسانياً بعيداً عن الهوى والغرض من أي نوع خالصاً من الاعتبارات الدينية والجنسية وما إليها، يدل على ذلك اتخاذ الخلفاء أطباء ومترجمين لعلوم الطب من مختلف الديانات والأجناس. وتحدث عن طائفة من الأطباء والمؤلفين في الطب، وبين أتساع اللغة العربية لمصطلحات الطب في القديم، وتحدث عن الجهود الموفقة لتي بذلت، أوائل عصر النهضة العلمية المصرية، في وضع المصطلحات الطبية، وتأليف معاجم في ذلك باللغة العربية، حتى بلغ الحديث عن معجم الدكتور شرف بك فبين خصائصه وأغراضه وأوجز تاريخ حياة سلفه وإبراز جهوده العلمية.
وكانت كلمة المجمع في استقبال الدكتور أحمد عمار للدكتور منصور فهمي باشا فأعتذر في أول كلمته عما عساه يقع في كلامه من أخطاء نحوية لأنه سيرتجل. . على أن الكلام استقام له فلم أسمع منه خطأ إلا مرة واحدة عندما قال (لست لغوى) وما كنت أعني بهذا لولا اعتذاره. . قال الدكتور منصور باشا: لست طبيباً ولست لغوياً حتى أستطيع أن أبرز مكانة الدكتور عمار في الطب واللغة. والدكتور منصور فهمي باشا من أساتذة الفلسفة فلا بد أن يجنح إليها في حديثه عن الدكتور عمار، قال: فلا أقل من التحدث عن ناحية أحسها في الدكتور عمار، وهي العصبية في اللغة التي تعتمد على نوع من الحب هو في نظري ضرب من ضروب القومية الوطنية. وأفاض متفلسفاً في ماهية هذه الصبية وكيف نشأت حتى وصل إلى هبة من الله. وأوجز الدكتور منصور باشا تاريخ حياة الدكتور عمار
منذ حفظ القرآن الكريم في المكتب بالقرية، ذاهباً إلى أن هذا اليوم الذي يستقبل فيه المجمع عضوين حفظاً القرآن الكريم هو يوم البركة التي حلت به. .
ومما قاله أن الدكتور عمار وجه إلى الدراسة العلمية الطبية على رغم شغفه باللغة والأدب، فبرع فيها براعته في اللغة والأدب، وهذا يجلنا نعود إلى تاريخ الحضارة الإسلامية العربية، إذ كان يقال إن العالم أو الطبيب فلان ثبت في اللغة، فالعضو الجديد يذكرنا بذلك الماضي ويحملنا على الأمل في أن يستفيد المجمع من هؤلاء العلماء الذين يتذوقون اللغة العربية.
وبعد ذلك وقف الدكتور أحمد عمار فألقي كلمته، وكان يعني فيها بالإعراب وصحة النطق عناية ظاهرة إلى مافي أسلوبه من قوة وجزالة. شكر المجمع على اختياره واستقباله، وأعرب عن شعوره المتواضع إزاء اختياره خلفاً للمغفور له الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني، وتحدث عن سلفه بما هو أهله من الإكبار وخص فنه في كتابة المقالة قائلاً إن مقالات المازني مجد أدبي عريق. واقترح
الدكتور عمار في - ختام كلمته - على المجمع أن ينسج في ترجمة المصطلحات الطبية المنحوتة على نفس المنوال، أي يترجمها إلى كلمة منحوتة من كلمات غربية ذات دلالة كدلالة الكلمات التي نحت منها الأصل، ووعد بأن يبسط هذا المقترح في بحث جديد.
أتينا في الأسبوع الماضي بأربعة وعشرين لفظاً من الألفاظ التي أستعملها المحدثون في معان لم تسمع عن العرب الأولين، وأقرها أخيراً مجمع فؤاد الأول للغة العربية بعد أن عرضها عليه الأستاذ أحمد حسن الزيات طبقاً لما أرتاه من حق المحدثين في الوضع اللغوي وقبول السماع منهم وهو حق بعد إقراره، كما تعد الألفاظ التي أقرت، حدثاً في تاريخ اللغة العربية، وطالما اشتجرت الأفلام في هذه الألفاظ، وطالما حمي الوطيس بين الناقدين والمنقودين بشأنها وقد هدأت تلك الحرب ثم جاء إقرار المجمع بمثابة عقد الصلح فوضحت الحدود اللغوية وصار لكل كلمة اعتبارها الذي لا يجوز الطعن فيه
وهاك بقية تلك الكلمات:

