دأب القراء المحدثون على أن يرتلوا كتاب الله بالأوجه التي تواترت في كتب القراءات كالشاطبية والطبية. يتلقونها تلقينا ويأخذونها مشافهة.
وأكثر القراء الآن مع الأسف لا يفهمون السر في أوجه التغيير التي قد تطرأ على الروايات ولا يدركون اختلاف الأعاريب وعللها، ذلك لأن مقصدهم عند تلقيهم إنما هو الإسماع والتطريب لا الدراسة والتحليل.
ومع أن القرآن الكريم - بأوجه قراءاته - هو أصل الأصول للدراسات العربية والمصدر الأول للتشريع فإننا لا نجد معهدا علميا خصص له دراسة مستقلة لقراءاته. ولا أعني بالدراسة المستقلة تلقين المدود ومذهب القراء في الإمالة مثلا، وإنما الذي أعنيه هو أن تخصص له دراسة في الكليات العربية كدار العلوم واللغة والآداب تتجه إلى أمثال ما يأتي:
١ - دراسة اللهجات العربية دراسة مستفيضة. - الإلمام بتاريخ القراء ومبلغ تأثرهم باللهجات.
٣ - أثر القراءات في التفسير. ٤ - أثر القراءات في النحو والبلاغة. ٥ - أثر القراءات في التشريع. إلى غير ذلك من الموضوعات التي كان
الموضوعات التي كان للقرات فيها أثر كبير. وليس من المعقول أن يلم بأمثال هذه الدراسة أولئك الذين حفظوا القرآن فحسب، وإنما يستطيع أن يتابعها من ألموا باللغة العربية والشريعة إلماما واسعا لا يقل عن شهادة الأزهر الثانوية، فهم الذين يمكنهم أن يفهموا ما يلقى عليهم من محاضرات علمية جامعة. وأمثال هذه الدراسات ليست من السهولة بمكان، ولا يكفي أن يقوم بتدريسها من حفظ الشاطبية والطبية والنشر مثلا، بل لابد من أن يلقيها أساتذة لهم من الدراسات العلمية، واللغوية ما يؤهلهم لفهمها وإفهامها. وكنت أحسب أن الأزهر الشريف حينما أنشا معهد القراءات التابع لكلية اللغة العربية أراد هذا اللون من الدراسات غير أنني حينما قرأت وسمعت عن الدارسين بهذا المعهد وجدته لا يشترط فيهم إلا ما يشترط في معلمي (المكاتب) بزيادة أن يجوزوا امتحانا في الشاطبية والدرة وأمثالهما، فكأن معهد القراءات (مكتب) منظم لتخريج مقرئين فقط. أما الغابة الكبرى فليست من منهج هذا المعهد. فه تجعل كليات دار العلوم واللغة والآداب للقراءات في مناهجها نصيبا، أو أن الأمر سيظل ضئيل الأهمية لا يجد من العناية ما يليق بكتاب الله وأوجه قراءاته؟ لعلي إن شاء الله أقدم أنموذجا لبعض هذه الدراسات إن وجدت - كما أعتقد - من أستاذنا الزيات ورسالته صدرا رحيباً
