من حق التاريخ علينا - وقد مضى على وفاة الأمير خالد الجزائري عشرة أعوام كعوامل - أن نذكره، فتاريخه تاريخ للحركة الوطنية في الجزائر: كان أصول الأمير شيوخ العلم في الجزائر، وكان جده السيد عبد القادر أميرها وبطلها المشهور ، وقد جرى السليل على أعراق سلفه من الحمية الدينية والغيرة الوطنية والبطولة وثبات العزم وحب العلم والعلماء
حذق الفنون الحربية في أرقى كلياتها حتى أحرز أعلى شهاداتها ونال أرفع درجاتها، وتوفر على إتقان اللغة الفرنسية، حتى إنك لتخاله إذا خطب بها ميرابو خطيب الثورة الفرنسية، فأعانه ذلك في توجيه نهضة الجزائر الأدبية
قامت النهضة الجزائرية وتنبهت البلاد على حقوقها الطبيعية ؛ ما كانت معالجة الأمور بهينة، ولا استخلاص الحقوق بيسير، ولا توجيه العواطف الملتهبة في الوجهة الصالحة ليمكن إلا للرجل العالم بمسالك تلك الشؤون، فاستطاع أن يعالج ذلك ويرسم الطريق
فلم تكن إلا سنوات بين شد وجذب حتى بلغت الجزائر نهضتها.
كانت الجزائر في اضطرار إلى علمه وبصره وشجاعته وحسن تصريفه، حتى إذا ما كادت تصل إلى مبتغيها ومنتهى أملها، خشيت فرنسة مغبة ذلك عليها فنفوه. ولكن غيرته لم تفتر، فقام بما يجب عليه للإسلام والجزائر في غضون إقامته بمصر والشام
رحم الله الأمير خالداً، لقد كان حتى في - شيخوخته - تنبض الحيوية في حركاته، ويفيض الشباب في كلماته، ويتأجج العزم في نظراته
والميزة التي كان يتفرد بها - برد الله مضجعه - قوة إيمانه وشجاعته، ومن مفاخره في ذلك أنه لما نشر أحد الإفرنج من ذوي الدخلة الخبيثة مقالة مس بها شأن النبي محمد عليه صلوات الله وسلامه، هب الأسد قائلا له: المبارزة! المبارزة! بالسلاح الذي تريده! غضبة بطل طار خبرها في الآفاق، وروتها الصحف والجماعات، فارتاع النذل وانهتك حجاب قلبه من الفزع، فأعلن اعتذاره واستغفاره، والأمير بهذا العمل يقف وحده في طليعة الغير على الإسلام.
وهو إلى ذلك متواضع قائم بواجباته الدينية، محافظ على لباسه الإسلامي العربي. عوض الله الإسلام منه خير عوض، واجزل له المثوبة.

