الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 83الرجوع إلى "الرسالة"

الاسلام والحضارة العربية

Share

أصدرت لجنة التأليف والترجمة والنشر الجزء الأول من  كتاب الاسلام والحضارة العربية، وقد طبع في دار الكتب  ويقع في نحو ثلثمائة وستين صفحة

أوحت فكرة هذا الكتاب إلى مؤلفه الجليل الأستاذ  كرد علي، أريحية عربية نبيلة، تتبينها في مثل قوله (وسبيل هذا  الموجز الآن تصحيح هفوات من أساءوا وما برحوا يسيئون  للعرب ودينهم ورسولهم ومدنيتهم وذكر ما أثرته الحضارة العربية  في أمم الغرب والشرق، وما مني به الاسلام، لما غير أهله ما بأنفسهم،  من خصماء غير رحماء، نالوا من روحه وجسمه فالتاثت أحواله  وتنكرت معالمه والألماع إلى ما قام به المسلمون بعد طول الهجعة،  يلبون على استعارة مجد أضاعوه، وعلقوا اليوم يقطعون إليه  أشواطاً، حتى لم يبق أمامهم غير مراحل لبلوغ الغاية)

وما أحسب تسمية هذا الكتاب بالموجز إلا تواضعاً من صاحبه،  فهو من الكتب الحافلة بشتى المسائل والبحوث. ثلثه الأول  يدور حول الرد على مخالفي الاسلام وتفنيد مزاعمهم وبيان  منازعهم في الخلاف، فتقرأ فيه كثيراً من التهم التي ألصقها  المتعبون بالاسلام والرد عليها في قوة حجة وسلامة منطق،  يصحبهما الهدوء والرزانة، كما يدعمهما سعة الاطلاع ونفاذ البصيرة،  ومن أمثلة المسائل التي يتوق كل مسلم بل كل منصف إلى  الوقوف على حقيقتها، والتي شرحها الأستاذ أحس شرح وفندها  خير تفنيد، ما نسب إلى الاسلام من مذابح دينية وما اتهم به  المسلمون من إحراق مكتبة الاسندرية، ومن بغضهم حرية  الفكر وتعصبهم ضد العلم، وما يردده الشعوبيون من أباطيل وتهم  كمسألة صدق الرسول في دعوته، والقضاء والقدر وتعدد الزوجات  والطلاق والحجاب والاسترقاق والربا والتصوير والنقش. . . الخ. ولم يقتصر الأستاذ المؤلف على ما ساق من براهين، بل لقد مكنته  سعة اطلاعه من عرض أقوال المبطلين، مشيراً إلى ما ينهض منها

حجة على أصحابها وما ينسخ منها بعضه بعضاً، كما أنه كان موفقاً  غاية التوفيق في بيان العوامل التي أدت الى جفاء الغربيين في  موقفهم من الاسلام، وفي بيان ما يقعون فيه من أخطاء  وأسباب تلك الأخطاء، التاريخي منها والديني والثقافي، مما يعد  بحق من أجل الخدمات التي يؤديها رجل نحو دينه ويضطلع بها  عالم ابتغاء الحقيقة

وفي ثلثي الكتاب الباقيين، يستعرض الأستاذ كرد علي أحوال  العرب منذ جاهليتهم، فيتكلم عن العرب قبل الاسلام وديانتهم  وأثر المدنيتين اليهودية والنصرانية فيهم، ثم عن العرب في الاسلام،  مبتدئاً بشرح عاداتهم وأخلاقهم وأثر الاسلام فيهم مورداً رأى  لبون ودوزى في الفتوح العربية، ولقد عني ببيان ما عرفه العرب  من علوم ومبلغ عناية خلفائهم بالعلم وتشجيع العلماء، وبين مواطن  اللغة العربية وأثرها في اللغات الشرقية والغربية

وكان طبيعياً بعد ذل أن يتعرض لوصف حال الغرب في  شباب الاسلام، فيقابل بين ما كان يتمتع به العرب من نور  ونظام، وما كان يتخبط فيه الأفرنج من فوضى وظلام، وأشهد  لقد كان معتدلاً منصفاً في هذا الباب، فلم يجر على سنن غيره من  متعصبي الغرب، ولن تحس له حقداُ او تتبين في نقده سخيمة او  ضغناً بل كان رائده الدليل والحجج التاريخية

ولقد قدم هذا الباب توطئة لبيان أثر العرب ومدينتهم في  الغرب، فن له من هذا الوضع الطبيعي وهذا الترتيب المنطقي  خير مساعد، وراح يعرض لنا ما كشفه العرب وما ابتكروه  وما نقلته عنهم أوربا عن طريق اسبانيا وصقلية وجنوبي إيطاليا،  ثم عقد في خاتمة هذا الجزء أربعة فصول هامة، قارن في أحدها  بين موقف المسلمين وأعدائهم في الحروب الصليبية، وبين في  فصلين منها غارات المغول والأتراك والمستعمرين من الغربيين على  بلاد المسلمين وغيرهم، وشرح في الفصل الأخير اثر المدينة الغربية  في البلاد العربية وما تخللها من خير وشر

وإني لأتقدم بجزيل الثناء إى الأستاذ كرد علي، موقناً أن  من يطالعون هذا الكتاب من أبناء العربية سيشكرون له شدة  إخلاصه وحسن بلائه

اشترك في نشرتنا البريدية