الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 293الرجوع إلى "الرسالة"

البحث العلمى فى كلية العلوم، جولة فى معاملها

Share

" فى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول نهضة علمية يودها روح البحث والاكتشاف ويشرف عليها الأستاذ الرياضي الدكتور على مصطفى مشرفه بك عميد الكلية وقد آثرنا أن تقدم لقرائنا نبذة قصيرة عما يدور بين جدران هذا المعهد من أبحاث ترفع رؤوسنا وتشعرنا بأننا تقدم للهعلم نصيبا من البحث كأمة حية ناهضة "

معهد للبحث

فى الطابق الثاني من بناء كلية العلوم غرفة صغيرة هادئة ، تشاهد فيها دائمأ شخصين ، احدهما بواجه النافذة وينظر إلى مجهر يكبر له انسجة النبات فيرسمها على قطعة من الورق ؛ بينما اختار الثاني لنفسه ركن الغرفة بعيدا عن الأيدى وآل رجل ، فجهازه معقد طويل يتكون من عدة او ان زجاجية تتصل بالة كهربائية تسجل درجات الحموضة أو القلوية فى التربة أو النبات

الأول هو الدكتور جريس والثانى هو الدكتور عبد الحليم منتصر ، يبحث الاول فى النباتات المصرية القديمة ومنها يعرف تاريخ الامراض التى تصيب النباتات كما يعرف شيئا عن التطور الذى تناول النباتات المصرية الحديثة ، ويقوم الثاني بتجاربه ليبين للناس خواص التربة المصرية ونباتانها ، فقد صرف الدكتور منتصر كثيرا من وقته وعلمه حتى قدم عدة ابحاث عن تركيب التربة المصرية وعلاقتها بالنبات

وكلا الأستاذين من أعضاء هيئة التدريس في كلية العلوم فالأستاذ أو المدرس أو المعيد فى كلية العلوم لا يقصر همه على تلقين الطلاب بعض الدروس ؛ ولكنه مسئول أمام نفسه وأمام العلم أن يقدم للعالم بحثا يدل على انه يصرف وقته لمنفعة الانسانية ؛ ولذلك لا يكاد يمر شهر واحد حتى نرى بحثا جديدا تنشره مجلات العالم العلمية التى يدل النشر فيها على ان البحث جديد على الناس وان الباحث أضاف مادة جديدة تدعم مدنية المجتمع

الأدوات الاولية للبحث

وميمة الاستاذ فى كلية العلوم تختلف عنها فى الكليات الأخرى ؛ فقد يقتصر الاستاذ فى كلية الاداب مثلا على إلقاء المحاضرات وتلقين الطلاب مختلف اسالب البحث ، ولن استاذ كلية العلوم مطالب بان يجعل من ابناته علماء باحثين يخشفون أسرار الطبيعة ويظهرون للناس خواص المادة ، يهتمون بالمجهول أكثر مما يبتمون بالمعلوم . فعملهم هو إزاحة الستار عما غمض فهمه ، ولذلك قلما يهتم المدرس او الاستاذ بما حصله تلاميذه من قوانين معروفة او نظريات ثبت وجودها ، فإن هدين الشيئين يعتبران الأدوات التحضيرية للعمل فى كلية العلوم

ومقياس النجاح عند الأستاذ أن يرى طلبته يصلون إلى نتائج سريعة ، ولذلك يهتم بأن يدل كلا منهم على افضل المراجع التى يلم فيها الطالب بموضوعه . وإذا قلنا المراجع فليس معنى هذا أن الأستاذ مستعد لأن يرشد تلميذه فى أى موضوع بل إنه مستعد لأن يقدم له المعونة والإرشاد فى الناحية التى يخصص فى دراستها . فقد اتسع مجال العلم حتى قسم إلى أقسام بجزات إلى فروع والفروع إلى موضوعات . ولذلك يحتاج كثيرا ان يترك بلاده ومن فيها من اساتذة ليذهب إلى جهة معينة حيث يجد أستاذ اختص فى نفس البحث الذى يقوم بتحقيقه . وهناك جامعات بكافة فروعها اشتهرت بالبحث فى موضوع واحد كما هى الحال فى إحدى جامعات انجلترا العظيمة التى اصبحت قاعدة لدراسة مادة الراديوم وخواصه

استقرار

وليس ايجاه جامعة من الجامعات إلى دراسة معينة من الامور المبينة فهو يحتاج إلى استقرار الحياة فى تلك الجامعة مدة طويلة كما يحتاج إلى أساتدة ثابتين يضمنون ممراكزهم إلى أن تأتي نهايتهم . فطبيعة البحث والاستقراء العلمي بطيئة يحد فيها العلماء على طول صبرهم . فهناك علماء قصوا طول حياتهم جادين وراء مبحث واحد . ولعلك تذكر ما ذكرناه فى عدد ماض من ان أحد أطبائنا صرف عشرين عاما ليكشف اسباب مرض تضخم الطحال

ودييع افندي يقوم باحدى التجارب للوصول إلى أسهل طرق الصباغة ويحتاج البحث العلمى إلى اجهزة خاصة بعضها دقيق وبعضها كثير التكاليف مما تعجز عن شرائه مالية الا فراد ، ولذلك لا مفر من هيئات قوية محمى تلك الا بحاث ونرعاها حتى يجد العلماء واسطه يقدمون عن طريقها ما فى رءوس وسهم من جدوات تنبر طريق المجتمع

وعدم الاستقرار هو الظاهرة السيئة المشاهدة فى كلية العلوم ، فإن اكثر اسانديها من الاجانب الذين يشتغلون بعقود محدودة الآجل . فلا يضمن الأستاذ بقاءه فى مصر أكثر من المدة التى نص عليها عقد استخدامه ، وهو لذلك ضنين بجهده ان يضيع فيما لا ينتج ، فقد يبدأ بحثه وينتهي عقد استخدامه وهو فى خطواه التمهيدية .

فمن الطبيعى لهذه الأسباب أن يقصر الأستاذ بحثه على موضوعات قصيرة سهلة التناول سريعة الفحص . ولا شك ان مجهود الاساتذة الاجانب مجهود مشكور ؛ إلا ان ابحاث كليتنا لن تتخصص إلا بعد ان ينعم كل اساتذتها بالاستقرار . وهذا لن يتحقق إلا إذا اصبح كل اساتدتها مصريين ، واملنا عظم

فى ان يحل ذلك اليوم سريعا . ففى كل معمل كيميائى او نبالى تشاهد الايدى المصرية تقوم بنصبها لتقرن الغاية العلمية بالفكرة الوطنية فيسيطر المصريون على جامعتنا لبوجهوها إلى الناحية المقصودة

هبة العلم

وتقوم الدراسات فى كلية العلوم على أساس البحث العلمى . فالطالب فى سنى الدراسة النظامية إلى ان يحصل على درجة الكالوربوس مطالب بان يحقق نظريات معروفة ويحتبر بنفسه عمليات فرغ منها سواه ليتدرب على طرق البحث العلمى ، ويطلع على اساليبه . فإذا جاز امتحان البكالوريوس فهى شهادة بأنه قادر على البحث العلمى بحث إشراف أستاذه . وبراقب أساتذة الكلية ابحاث خريجهم ، فيدون إليهم النصح ويدلوبهم على المراجع التى تسهل لهم الوصول إلى النتائج التى يبحثون عنها

وإن المشاهد ليدهشه أن يرى هيئة التدريس فى الكلية تعمل بنشاط مستمر فتتقدم بأبحاثها فى كل شهر وكل سنة ، فإن الموظف يبدأ فى الكلية معيدا بدرجة بكالوربوس ليرق بعد فترة فيحصل على درجة ماجستير ثم دكتور . فمن الظاهر البارزة هناك ان كل شخص مقيد ببحث يعمل ليله ونهاره لتحقيقه . وقد اتاحت لى الفرصة أن قضيت الصيف الماضى مع أحد معيدى الكلية فكان داما يجلس إلى شاطئ البحر فى اوقات فراغه ليقرا كتابا عن " الامتصاص السطحى وهو جزء من بحث يقوم به بين جدران الكلية .

لم تخش هذه الآنسة على جمال يديها أن تشوهه المواد الكيارية هى تقدم عن المرأة نصيبها فى سجل البحث العلمى

وتنصب أكثر ابحاث الكلية على موضوعات مصرية ، فنجد موريس افندى يبحث فى الامتصاص السطحى للقطن ، ووديع افندى

يبحث فى تركيب أنواع الأصباغ . وقد تمكن بعض الأساتذة المصريين من اكتشاف عائلات من النباتات والحيوانات المصرية التى لم تكن معروفة من قبل . ونظرة واحدة فى تقارير الكلية تبين لنا ضخامة العمل الذى يقوم به اولئك الباحثون فى غرفهم

ففي كل قسم عشرات من الإبحاث . وتصدر الكلية نشرة صدر منها حتى الآن ثمانية عشر عددا ، ومحتوى على ابحاث قومية جديدة على العلم . هذا خلاف ما ينشر فى المجلات العلمية الأجنبية التى تشعر العالم الخارجي بوجود العلماء المصريين أكثر مما نشعر محن بوجودهم . فما زلت أذكر ما أصاب ذراعى من " تنميل " أصابه لثقل مجموعة النشرات التى حملتها إلى دارى لأعرف بعض ما يفعل اولئك الناس . ففي الكلية ثمانية أقسام لا يقل عدد الموضوعات التى تبحث فى كل منها عن عشرين بحثا ، إلى أن انتاج الكلية لا يقل عن مائة بحث فى السنة

وتعتمد هذه الأبحاث هيئات علمية أجنبية محترمة فيرسل البحث إليها لمراجعته ومحقيقه وإبداء الراي فيه ؛ فإذا وافقت الهيئة المنتدبة على اعتباره بحثا جديدا صحيحا منح صاحبه الدرجة التى يستحقها إذا كان الغرض من تقديمها الحصول على درجة . والدرجات ثلاث : البكالوربوس وقد تكلمنا عنه ، ودرجة الماجستير وهى اعتراف بأن حائزها يمكنه أن يقوم بأبحاثه مستقلا تمام الاستقلال وتؤهله للحصول على درجة دكتور التى يجب للحصول عليها ان تقرر لجنة الامتحان انها تضيف مادة مبتكرة إلى الإنتاج العلمي .

نسيج العلم الحى

وقلما تجد فى كلية العلوم طالبا لا يطمع فى الحصول على إجازة الدكتوراة ويسمى إليها . فإن روح الكلية لا تفهم إلا معنى واحدا وهو إضافة مادة جديدة إلى نسيج العلم الحي . وقد يعجب الناس ويقولون : وما لنا لا نسمع عن هذه الابحاث ولا نراها ؟ والجواب على ذلك سهل بسيط ، فان الباحث العلمي يضع الحجر الأول للاستغلال الاقتصادى والصناعى فهو يضع النظرية اليوم استغلالها بعد عشرات السنين . وما زال كثير من النظريات التى تحقق وجودها علميا بعيدة عن التطبيق فى الحياة العامة فهل تمكن العالم بعد من الاستفادة من محطيم الذرة ؟ إنهم يعرفون ما فيها ولكن هل وصلوا إليه ؟

وثمة سبب آخر حجب أعمال هذه الكلية عن الشعب حتى اختلط على الناس اسمها واسم دار العلوم ، فقد حكى لى احد الأسئذة أن أحد الوزراء السابقين كان يجهل الفرق بين كلية العلوم ودار العلوم ! ويرجع هذا الجهل إلى اعتزال الكلية وعدم اهتمامها بالدعاية اللازمة لها . فان الدكتور مشرفة عميد الكلية من ألمع الشخصيات العلمية فى الخارج وخصوصا لأبحاثه عن العلاقات بين المادة والإشعاع التى علق عليها عظماء العلماء فى اوربا كالسير أليفلوودج والسير جيمس جينز . ولكن هذه الأبحاث ما زالت مجهولة من أكثر المصريين

وللكلية مكتبة كبيرة يشرف عليها برهان الدين افندي وهي مكتبة خاصة بالكتب العلمية التى يحتاج إليها الطلبة والاساتذة فى دراساتهم . ومن اهم اقسامها المجلات فانها الرباط الوحيد بين الباحثين ومها يعرف الإنسان ما يدور فى المعاهد الاخرى وقد يصل بعض اعداد هذه المجلات إلى عدة جنيهات . ويصرف على المجلات وحدها

٥٠٠ جنيه وعلى الكتب ٨٠٠ جنيه فى السنة

اشترك في نشرتنا البريدية