أستاذي الكبير قرأت كتابكم الأخير ( في ييتى» ، وأنا أقرأ كتبكم لأفيد منها علماً بالحياة وبالنفس الإنسانية ، ومتعة فنية عظيمة وقد وجدت العلم والمتعة في كتابكم هذا كما وبجلتهما في كتبكم الأخرى
ولكن ليسمح لى الأستاذ أن أخالف رأيه الذي جاء في الكتاب عن القصة ، فقد جاء في ص ٢٧ ما يأتي : ثم راح ( الصديق ) يجول ببصره ( في رفوف المكتبة) وهو يقول : ما أصفر نصيب القصص من هذه الرفوف ! لا قلت : نعم . وإنه لو نقص بعد هذا لا أحسست نقصه ، . لأنني - ولا اكتمك الحق - لا أقرأ قصة حيث يسمنى أن أقرأ كتاباً أو ديوان شعر، ولست أحسبها من خيرة ثمار العقول
ولا شك عندى فى أن الشعر من أرقى من القصة ، لأنه تعبير جميل عن النفس الإنسانية في أصفى حالاتها ، بل أنا أحب أن أزيد بقينا بذلك ، لا إيمانا بالفن الرفيع فحسب، ولكن اعتزازاً كذلك بما أكتبه من الشعر بين الحين والحين !
ولكني أخالف الأستاذ في قوله : إنه لو - نقص ما نقروه من القصة لما أحنا بهذا النقص ، فالقصة دراسة نفسية لا غنى عنها في فهم سرائر النفوس ، وليس الشعر أو النقد أو البيان المنثور بمنن عنها ، لأنها في ذاتها أحد العناصر التي يحتاج إليها قارى الحياة »
وقد قرأت لا سارة » ، وقرأت في الديوان ما يقابلها من شعر ، وهو شعر جيد رفيع ، ولكني لا أستطيع مع ذلك أن أقول إننى استغنيت به عن قراءة ( سارة ) ، أو إن ( سارة ) ليس فيها جديد مفيد من الدراسات النفسية العميقة فوق أنها من خيرة ما أخرجه الأستاذ ، ولكني أقول إن هذا طعم وذلك طعم آخر ، وكلاهما جيد مفيد
ويقول الأستاذ - في تقليل شأن القصة - فكلما قلت . الأداة ، وزاد المحصول ، ارتفعت طبقة الفن والأدب أو كلما زادت الأداة وقل المحصول مال إلى النزول والإسفاف
وما أكثر الأداة وأقل المحصول فى القصص والروايات ! إن خمسين صفيحة من القصة لا تعطيك المحصول الذي يعطيكه بنت كهذا البيت
وتلفتت عيني فيذ بعدت عنى الطلول تلفت القلب .
ثم أورد الأستاذ أمثلة أخرى من الشعر ولكني أحسب أن التركيز » ليس في كل الحالات خير ما في الأدب ، وأنه لا يننى في كل حالة عن التفصيل والتطويل ، وليست التفاصيل الدقيقة التى تعرضها القصة لقوا باطلا يمكن الاستغناء عنه ، أو أنها كالخرنوب الذي فيه قنطار خشب ودرهم حلاوة ؟ ! فهى تؤدى مهمة فنية كبيرة ، هي إعطاء صورة حية - مفصلة من الحياة الإنسانية
والعقل يشبه الجسم في تمثيلة للغذاء واستفادته منه ، والجسم حين يقدم له من الطعام ما يمضغه ، ثم يبتلعه ، ثم يهضمه ، ثم
يمثله ، ثم ينق ما فيه من فضلات غير نافعة ، يكون أنشط وأكثر استفادة مما لو أخذ مادة هذا الطعام بعينها ( مركزة مافي قرض سفير والأستاذ يشير إلى مثل هذا المعنى حين يقول :
لیست خلاصة كل شيء غنية عنه ولو كانت خلاصة ماهر
ولكن الشيوعيين قد استغلوا كل أنواع الأدب ومن بينها الشعر ، وهذا شاعرهم الكبير « يوشكين » شاهد على ذلك ، فلا يقال إن الشعر أو القصة فن غير رفيع لأن الشيوعيين قد استغلوه، وإنما يقال يحق إن القصة في إنتاج ما بعد الثورة قد هبطت كثيراً عما كانت عليه أيام تولستوى ودستيوفسكى لأنها اتخذت مظهر الدعاية وحادث عن الأدب الرفيع
ولا شك في أن القصة تستطيع أن تسف أكثر مما يستطيع الشعر أو غيره من الفنون الرفيعة ، ولكن ذلك لا يعني أن القصة الجيدة ليست فناً رفيعاً ، أو أنها لا تحتل مكانة عالية بين الفنون الإنسانية الكبيرة
وليس دفاعى عن القصة ومكانها اندفاعاً مع العصر الحديث ، فإن هذا العصر قد بالغ في شأنها أكثر مما ينبغى ، ولكن إذا كانت مهمة القراءة كما قال الأستاذ في كتابه هى الاستزادة من الحياة ) ، فإن القصة الجيدة كالشعر الجيد والفنون الأخرى ضرورية لتلك الاستزادة لا يغنى عنها. وغيرها من الفنون
