الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 981الرجوع إلى "الرسالة"

البلبل الذبيح

Share

أخي الأستاذ الزيات:  أرجو أن تكون بخير وعافية، وأن تجد فى المنصورة  الغناء ظلالا أجده فى مصر الجديدة . وأرجو أن تكون تناسبت  حزنك على البلبل الذبيح وهو الشاعر على محمود طه

آخر العهد به يوم كان وكيلا لدار الكتب المصرية وكتب  زميله هناك، وكنت أفرح بلقائه فرح الحبيب بلقاء المحبوب  أظلت الدار من ب عده ، فنقلنى معالي الدكتور طه حسين  إلى منصبي الأول وهو تفتيش المدارس الأجنبية فاسترحت من  رؤية مكتب على محمود طه خالياً، فقد ذوى الورد الذى كان  يضعه فى مكتبه كل صباح

ومع أن الأعمار بيد الله فأنا أذكر أن الشاعر مات بالمرض  الذى مات به أبي وهو ضغط الدم، فقد كان أبي لحميا لا يسيغ  الطعام بدون لحم، وكذلك كان الشاعر على محمود طه فقد كان  لحميا بصورة تفوق الوصف

دخلت دار الكتب فوجدت قنديل بك يبكي، وسألت عن  السبب فعرفت أن شقيق الفقيد حضر ليخبر مدير الدار أن  الشاعر مات، فبكيت أنا أيضاً حتى شرقت بدموعي  أعطانا المدير إجازة لنشهد جنازته، ولكن أخاه نقله بسيارة  إلى المنصورة وطنه الأول

بين الكفر والايمان

من حق الشاعر أن يكفر بالله، وإن كان من واجبه أن  يؤمن بالله، ولا أدري كيف كنت حين نظمت القصيدة الآتية  وأنا أخاطب البلبل الذبيح:

يا ماضياً لبلاد ليس يشهدها ... من يرتئيها وجفن العين وسنان

جميع من يرتئيها كلهم نفر ... حجوا إليها وهم بالموت عميان

إن الحياة وهذا الموت يطلبها ... في شرعه الصدق تزوير وبهتان

قالوا سنلقي غداً ما سوف يفرحنا ... في جنة عندها البواب (رضوان)

فيها الفواكه من تين ومن عنب ... وفي جوانبها حور وولدان

هذا جميل، ولكني بلا أمل ... ففي حياتي ضلالات وكفران

إن الذي أسكت الغريد أسكته ... وفي مشيئته جور وطغيان

إني إلى النار ماض خالد أبداً ... ففي مسالكها للشعر ميدان

قالوا اسينصب في يوم الحساب لنا ... عند المهيمن قسطاس وميزان

الموت نوم فلا صوت ولا خبر ... خلوا فؤادي فإن النوم سلطان

هذا (علي) مضى لم يبكه أحد ... ولا أفاض عليه الحزن فنان

أوحى إلى الشعر ما أوحى ومن عجب

                            أن يصدر الشعر وحياً وهو شيطان

أما بعد فهذه قصيدتي في رثاء البلبل الذبيح الذي لم يرثه  أحد من الشعراء، وكان يجب أن يرثيه زميله أحمد رامي.

كان البلبل يمر بالقهوة مرور الطيف ليتحدث معي،وكان يأنس بلقائي، وكنت أتحداه أن يساجلني فلا يستطيع، لأنه  لا يقوى على الارتجال، فقد كان يتأنق في شعره كما يتأنق في هندامه، والشعر في ذاته تأنق.

في سهرة بمنزل توحيد بك السلحدار ومعنا الأستاذ الزيات أخذ البلبل بنشد أشعاره ، وكان قوى الذاكرة ، فقلت أنا  أخذت راية الشعر من أيديكم، فيقول: لن تستطيع يا دكتور. أخرجت من جيبي ورقة وقرأت الأبيات الآتية:

عجب الناس من بقاء أديب ... رغم بغي الخطوب والأيام

أنا أيضاً عجيب من طول عيشي ... في زمان مجنح بالظلام

إن يوماً يمر من غير غم ... هو طيف يمر في الأحلام

لا صديق يرد ديني عليه ... لا حبيب بقي بعهد الغرام

قد سئمت الحياة أو سئمتني ... فرمتني بكيدها الهدام

قال لي صاحبي: نراضع قليلا ... تجد الرزق صافياً كالمدام

قلت: رزق من الرياء يوافي ... هو هندي من الطعام الحرام

اشترك في نشرتنا البريدية