الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

التعليم في لبنان

Share

اشتهر لبنان على مر الازمنة بكونه مصفاة للحضارات والثقافات العالمية ، وعرف اللبنانى بمرونته وقدرته على التكيف لاستيعاب ما يصفو ، حتى اذا تزود بالقليل المثير من عصارة الدماغ البشرى تجرد من انانيته ، وانطلق يشرك الغير من جيرانه واصدقائه فى متعته وثروته . ومنذ عهد قد موس الى كلية الحقوق الرومانية فى بيروت ، الى الامام الاوزاعى ، الى نهضة القرن التاسع عشر ، لم يتغير ما اشتهر به هذا الوطن النشيط انه صغير بمساحته وبعدد سكانه ، ولكنه كبير بما قدر له ان يلعب من دور في كل مسرحيات التاريخ . فليس بدعا بعد هذا ان يشتمل فى عاصمته على خمس جامعات مختلفة المشارب والقيمة ، وان تنصب عليه الانظار لانشاء جامعات جديدة فيه . وليس عجبا كذلك ان تناهز نسبة المتعلمين فيه التسعين بالمائة

على ان القارى . التونسى الكريم يريد منى تفصيلا وتدقيقا حول ما يخطر له من تساءل عن حالة التعليم في لبنان . وهو وان كان يود تركيز النور على التعليم العالي الا انه يسمح بالقاء بعض الاضواء على التعليم الابتدائى والثانوي تمهيدا لفهم النظام التعليمي اللبنانى بمجمله .

ليس بين القوانين النافذة فى لبنان ما يلزم الوالدين بارسال اطفالهم الى المدرسة الا ان العرف غالبا ما يكون اقوى من القانون ، ويا لخجلة من يتوانى فى تعليم اولاده ؛ وكيف يتخلى الوالدون عن هذا الواجب الاجتماعي وهم المشبعون بالتقليد التعليمي العريق ؟ وفوق ذاك فهم يرون ما يخلق العلم والشهادات من ظروف للنجاح والثروة وما تحققه المدرسية لروادها من كرامة وافتخار . وهاهم اصبحوا يعتقدون ان العلم هو خير ميراث يخلفونه لاولادهم ، فليسرعوا بهم اذن الى حدائق الاطفال والمدارس الابتدائيه لكى " يتاسوا " ويصنعوا لانفسهم " مستقبلا " ولن يصعب عليهم الخيار بين المؤسسات التعليمية الكثيرة ، لان الميسور في دنياه يشتري العلم مباشرة في مدارس

خاصة تكاد لا تخلو منها مدينة او قرية لبنانية . ومن قات ذات يدهم ، يودعون فلذات اكبادهم فى حسرة - المدرسة الرسمية ؛ اي مدرسة الحكومة التى وان ضعفت الثقة العامة بها فى بلد يعتمد اساسا على المجهود الفردي ويفهم الحرية نكرانا للدولة والقانون - تبقى المجال الرئيسى لتعليم الطبقة الشعبية . وقد حاولت حكومات الانتداب بين ١٩٣٠ و ١٩٣٥ ان تلغي المدرسة الرسمية ، فلم تفلح . وجاء الاستقلال فلقيت هذه المؤسسة عناية جدية من السلطات والاهلين ، وارتفع عدد المدارس الرسمية الى ثلاثة اضعاف ما كان عليه عهد الانتداب

واغلب الوالدين يساعدون ابناءهم في البيت على اتمام الواجبات المدرسية . وما اكثر المعلمين الذين يعطون الدروس الخصوصية في المنازل . ونتيجة هذا كله ان نسبة الاميين بين الجيل الجديد تكاد تكون صفرا وان كانت نسبة الاميات اعلى بقليل من الصفر لاستمرار بعض الوالدين على ذهنية الزراية بالمرأة ؛ لكن التيار العام الكاسح يؤيد تعليم المرأة الى اقصى الحدود

بيد ان التعليم الابتدائى فى لبنان يشكو الغلو في طابعه النظري والتقليدي فالمختبر قليل ، والاعتماد على التجربة والمعرفة الحسية ليس قاعدة عامة . ويتمادى بعض المديرين والمعلمين فى تقليد الاجداد السالفين او الجيران الناصحين . لكن انتشار التعليم التربوى ، ويقظة الشعور القومى والاجتماعى تخفف من جمود الاساليب وتلين ما تحجر من الفلسفة التعليمية

يقضى الطفل في المدرسة الابتدائية خمسة اعوام او ستة يتلقى بعدها شهادة الدروس الابتدائية اثر امتحان واحد عام تنظمه وزارة التربية الوطنية لجميع الراغبين في الانتقال الى المرحلة الثانوية ، ويتناول مسابقات خطية في الانشاء العربي والحساب والتاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية والفيزية والكيمية ، والتصوير ) وكله باللغة العربية ( مع املاء واسئلة تطبيقية باحدى اللغتين الفرنسية او الانكليرية .

وهنا تبدا المرحلة التكميلية والثانوية . فبعد اربعة اعوام تقع الشهادة التكميلية وبعد ثلاثة اخرى يقع القسم الثاني من البكالوريا . ومنذ سنة ١٩٥٦ صار من حق المرشح ان يختار اللغة الانكليزية مكان الفرنسية . وان شهادتى البكالوريا والتكميلية

وكذلك سائر امتحانات الاقسام الجامعية بلبنان تشتمل على امتحانات خطية ينتقل الفائزون فيها الى امتحانات شفهية نهائية .

اما المدارس الثانوية والتكميلية فمتوفرة بصورة لا بأس بها . وتنتشر المدارس الرسمية التكميلية في اكثر المدن والقرى الكبيرة ، وتملك الدولة عشر مدارس ثانوية نصفها فى بيروت ، وتسد النقص المدارس الخاصة ، التى عرفت حتى الآن نجاحا لا باس به يرجع الى انتظام العمل فيها وثقة الشعب اللبنانى بالمجهود الفردي ، وتقصير المدرسة الحكومية كما ونوعا .

قليلون هم الطلاب الذين يذهبون الى اوروبا او امريكا بعد حصولهم على البكالوريا اللبنانية لان الجامعات الخمس القائمة فى لبنان تستوعب القسم الاكبر منهم ويمضي آخرون إلى سوريا ومصر حيث يتخلصون من عقبة اللغة الاجنبية . والى القارئ تفصيل عن نشاط كل من جامعات لبنان .

١ - جامعة بيروت الامريكية ، وتضم كليات : للطب وطب الاسنان ، والصيدلة ، والهندسة المدنية ، والهندسة الزراعية ، والعلوم ، والآداب ، والعلوم السياسية . وهى لا تملك معهد حقوق لسببين الاول ان القانون اللبنانى مقتبس عن التشريع الفرنسي وبعيد نسبيا عن القانوني الامريكى والانكليري . ثانيا حصل الفرنسيون في العهد العثمانى ) نحو سنة ١٩٠٣ ( على امتياز بتدريس الحقوق فى لبنان كانت دروس هذه الجامعة تعطى بالعربية في القرن التاسع عشر . ولكنها تبنت اللغة الانكليرية منذ مطلع القرن العشرين لاسباب فنية وسياسية تأسست الجامعة الامريكية في منتصف القرن الماضى حيث تحتل اجمل بقعة في بيروت وحديقتها اجمل حدائق بيروت . رئيسها امريكى ونائبه لبنانى هو فؤاد صروف

٢ - جامعة القديس يوسف ، تابعة للاباء اليسوعيين ، هيئتها التعليمية كزميلتها الامريكية مختلطة من وطنيين واجانب ومن ممثلين لمختلف المذاهب وطلابها في اكثريتهم لبنانيون بينما طلاب الجامعة الامريكية في قسم كبير منهم سعوديون وعراقيون وسوريون واردنيون ) بسبب اللغة الانكليزية وجو الحرية النسبية المتوفر فيها ( وتضم جامعة القديس يوسف اليسوعية الكليات التالية : الحقوق والعلوم السياسية

الهندسة المدنية ، الطب وطب الاسنان ، الصيدلة ، التمريض والتوليد ، الآداب الشرقية واللغات . والتدريس فيها بالفرنسية ، باستثناء القانون اللبناني الذي يعطى في كلية الحقوق باللغة القومية

٢ - مركز الدراسات العليا وفيه كليات للعلوم والآداب ويتبع مباشرة جامعة ليون بفرنسة والتدريس فيه يتم باللغة الفرنسية

٤ - الاكادمية اللبنانية وهي مؤسسة اهلية صاحبها المهندس والموسيقار اللبناني الكسى بطرس وتضم كلية للحقوق واخرى للعلوم السياسية والاقتصادية ويجري التدريس فيهما باللغة القومية ، وكلية للفنون الجميلة من هندسة معمارية وتصوير وموسيقى ونحت ) باللغة الفرنسية ( وكلية للاداب

5-الجامعة اللبنانية وهى مؤسسة حكومية لها نظام مستقل يرأسها فؤاد افرام البستانى صاحب دائرة المعارف اللبنانية ، ويجري التدريس فيها باللغتين العربية والفرنسية وتضم الكليات التالية : معهد المعلمين العالي ويشتمل على فروع للفلسفة والتاريخ والجغرافيا والآداب العرية والفرنسية والعلوم الطبيعية والرياضيات ، ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات منهجية تختتم بسنة رابعة تربوية مسلكية ومعهد ، للعلوم المالية والدراسية ؛ ومعهد للاحصاء وآخر للغات الحية والقديمة ؛ وقد تقرر ان يفتح فى العام القادم بالجامعة اللبنانية كليتان للحقوق والصحافة . كما ينشا مركز للعلوم البحرية والاسماك

تاسست الجامعة اللبنانية سنة ١٩٥١ والتعليم فيها مجانى ويتقاضى طلاب معهد المعلمين العالي منحا مالية تناهز المائة وستين الف فرنك في السنة . وبافتتاح كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية تقفل الكليتان المماثلتان فى الاكادمية وفي جامعة القديس يوسف وينضم طلابهما الى الجامعة اللبنانية ويصير التدريس في جزء صغير منه بالفرنسية وفي القسم الآخر بالعربية ويفسح المجال للغة الانكليرية تسهيلا لخريجي المدارس ذات اللغة الانكليزية

ان اللغة الانكليزية كانت ضعيفة جدا خلال عهد الانتداب الفرنسي في لبنان . ولكن نهاية الحرب العالمية الثانية حملت الى الشرق الاوسط زوال الانتداب الفرنسي وتغلغل النفوذ الانكتو امريكى وازدهار شركاته البترولية فاشتد اقبال الناس على

اللغة الانكليزية فاحتلت مكان اللغة الفرنسية في كثير من المدارس الخاصة والرسمية ونظام التعليم اللبنانى يقضى بلغتين الزاميتين الاولى هى العربية ، والثانية احدى اللغتين الفرنسية او الانكلترية . وتحظى اللغة الاجنبية بمعاملة فى الامتحانات شبيهة بمعاملة اللغة القومية . ويقع تدريس العلوم الطبيعية والفلسفية والرياضية ، بوجه الاجمال ، باحدي اللغتين الاجنبيتين ، اما مواد التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية فهى بالعربية الزاميا بعد هذا العرض لمجمل احوال التعليم في لبنان نسجل الملاحظات التالية : ١ - ان اجهزة التعليم في لبنان حسنة الاعداد بوجه عام كما وكيفا وهي تبعد عن هذا الوطن شبح الامية ، وتؤلف لاقتصاده موردا لا باس به ٢ - ان التعليم في لبنان يعتمد كثيرا على المؤسسات الخاصة . وهذه هي اما اهلية تابعة فى الاغلب لرهبانيات او جمعيات خيرية ذات طابع طائفى ، كالمقاصد الخبرية الاسلامية واتحاد المدارس الكاثوليكية وما اشبه

واما اجنبية تابعة لرهبانيات وبعثات تعليمية اجنبية مثل رهبانيات اليسوعيين ، واخوة القلب الاقدس ، والجمعية الانجيلية ، الخ . وقد فكر اخواننا المصريون بانشاء جامعة مصرية فى بيروت بمساعدة جمعية المقاصد الاسلامية وبرئاسة الدكتور طه حسين تكون فرعا لجامعة القاهرة . ولحد الآن لم يتم شئ من هذا القبيل . وتسعى المانيا الغريبة لانشاء . جامعة المانية فى بيروت ، كما ان الحكومة البريطانية آخذة فى تشييد نواة لجامعة بريطانية فى لبنان . ينتج عن هذا كله ان مصير الثقافة فى لبنان مرتبط الى حد ما بجهود وتوجيهات اجنبية والى حد كبير بجهود فردية وطنية . فاذا ما تعززت الجامعة اللبنانية وفرضت رقابة فعلية على المؤسسات التعليمية الاجنبية ، استقامت الاسباب اللازمة لاستقلال ثقافى فعلى . اما المدرسة الرسمية فهى خشبة الخلاص للوحدة الوطنية لانها تصهر الاتجاهات المتباينة فى بوتقة واحدة خلافا للمدارس الخاصة المتنافرة المشارب اما تعريب التدريس فلا يصطدم بعقبات فنية او قانونية وكل ما ينقص لا تمامه هو شجاعة وتصميم كافيان .

فاذا ما وقعت سيطرة كاملة للدولة اللبنانية على مقدرات الثقافة في لبنان ، فعندئذ تستكمل هذه الثقافة طابعها القومى العربى الاصيل ، وتصير نافعة للبنان وسائر أقطار العروبة . ولن يغير تاميم الثقافة فى لبنان جوهرها من الحرية والنفحة الانسانية ، بل سيؤكد هذا الجوهر الاصيل فى رسالة لبنان العربى بعد ان يحرر هذه الرسالة من شوائب النفوذ الاجنبي والانقسام المفتعل

اشترك في نشرتنا البريدية