الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 297الرجوع إلى "الثقافة"

التلقيح عند النبات

Share

كل حي يتميز بالتكاثر ليترك من بعده أفرادا تعهد تاريخ حياته ، وهذا مبدأ عام لا شذوذ فيه ، ومن شذ عن ذلك كان مصيره الانقراض ومن الطبيعي ان يكون للنبات الراقي طريقه إلى التكاثر ، فمن ازهاره تتكون ثماره ، وفي ثماره نجد البذور التى إن أنبتت نمت وأعطت نباتا يمتد جذره في الأرض وسوقه في الهواء

وامتازت الزهرة بجاذبيتها منذ ظهورها ، بين جذبت الحشرات وغيرها ، فلا عجب أن تجذب الإنسان الذي يقدر الجمال ! نعم ، إن نظرة الإنسان في أول الأمر كانت نظرة إلي جمال شكلها وطيب روائحها ، ولكنها الآن نظرة تتوقف عليها حياة الشعوب ؛ وهي نظرة تختلف عن نظرة حشرة تزور زهرة لتتلمس من رحيقها غذاء شهيا ؛ وهي إذ تغترف هذا الغذاء ، تؤدي للنبات صنيعا هو الحياة كل الحياة له .

 على أن من يفحص الزهرة يجد في تركبها وتناسق أجزائها ، نظاما بديعا يحقق غرضا خاصا ، يؤدي في النهاية إلي تكوين ثمار وبذور ، فهذه زهرة امامنا لما تتفتح بعد ، ظهرت في شكل كمتري تكدست أجزاؤها فوق بعضها فحفظت دقيق تركيبها من ان تعبث بها يد الفساد ؟ من برد قارس ، أو حر لافح ، أو حشرة تتطفل ، او قط يترمم . وما هو إلا يوم او بعض يوم حتى تتفتح الزهرة فيظهر منها جزء ملون يميزها عن مختلف اجزاء النبات ، ورائحته تقوي بالقرب منها . ولون الزهرة عامل مهم في ظهورها وتمييز الحشرة لها عن بعد . فنحن نميز الزهرة بلونها وشكلها ورائحتها وليس من الضروري أن تميز الحشرة لون

الزهرة كما هو الحال عند الإنسان ، إذ يتوقف ذلك على إحساسها باللون . وقد أجريت تجارب عدة لمعرفة العلاقة بين لون الزهرة والحشرات التي تزورها ، وكانت هذه التجارب علي النحل ، فوجد أنه ينجذب نحو الأزهار الزرقاء والبنفسجية وكذا الصفراء . ووجد أن الفراش ينجذب نحو مختلف الألوان ، ولكن الأحمر والقرنفلي والبنفسجي ألوان محببة إليه . وقد أجري فون فريش " تجارب تبين مدى حساسية النحل لمختلف الألوان ، فاستخدم قطعا من الورق الملون ، منها الرمادي والأزرق والبنفسجي والأصفر ، ووضع على كل زجاجة ساعة بها محلول سكري ، وتركت الأوراق يومين ؛ ثم قدم للنحل أوراق ملونة وبدون تركيب خاص ، كما أنه لم يوضع عليها محلول سكري ، فوجد أن النحل يحط على جميع الألوان إلا الرمادي . وكان نصيب اللون الأحمر كالرمادي لا يحس النحل بوجوده . ووجد " فون فريش " أن النحل لا يميز بين اللون الأصفر والبرتقالي ، وبين الأصفر والأخضر ، كما انه لا يميز بين الأزرق والبنفسجيء وعلى ذلك نجد أن النحل يميز أي لون أزرق أو أصفر ، والألوان التي يدخل فيها أحد هذين اللونين . وعلى هذا الأساس نجد أن النحل ينجذب أو يميز الأزرق والبنفسجي ، وهذه الألوان تميز الأزهار العسلية وما قيل عن النحلة يمكن أن يقال عن الحشرات الأخرى ، ولكن هذا يحتاج إلي تجارب كثيرة تبين العلاقة بين الحشرة والزهرة .

فلون الزهرة يكون بمثابة إعلان عن وجودها . وهذا اللون يميز عادة غلافها الذي يسمي بالتويج ، ويكون أكبر أجزائها غالبا . أما إذا صغر ، فإن الأزهار تتجمع في نورة ) ١٩ ( متكاتفة فتعلن عن وجودها متعاونة

يلى الجزء الملون من الزهرة ) ش ١ إلي اليمين ( أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث ، حيث تتكون الخلايا المذكرة والخلايا المؤنثة . وعضو التذكبر يتكون عادة من خيط رفيع ينتهي بانتفاخ يسمي " المنك " وهذا يتكون من فصين بكل فجوتان . وتحتوي كل فجوة على مسحوق دقيق أصفر اللون يسمي حبوب اللقاح ، وهذه تتبينها بالمجهر . وتختلف اشكالها واحجامها في مختلف النباتات : فقد تكون ناعمة الملمس صغيرة إلي حد يساعد الرياح على حملها من مكان لآخر ؛ وفي البعض يكبر حجمها فلا تستطيع الرياح أن تحملها ، فيكون لها من الحشرات وغيرها واسطة لنقلها ، كما يكون لها من التعاريج ما يساعدها على أن تتعلق بجسم ناقلها

أما أعضاء التأنيث فيتكون كل من جزء علوي منتفخ يسمي الميسم ، يظهر من بين أجزاء الزهرة لتلتصق به حبوب اللقاح ، ويساعده على ذلك ما انتشر عليه من مادة لزجة ؟ ويتصل هذا الانتفاخ بجزء بيضي الشكل يحتوي على اجزاء تسمى البويضات إن اخصبت كونت بذورا . ويتم الإخصاب بعد التصاق اللقاح بالميسم . وعلي ذلك

فالتلقيح عملية هامة بالنسبة للنبات ، ونجد دائما ملاءمة في الزهرة تعينها على تمام هذه العملية ؛ ففي ازهار القمح

والأذرة حيث يتم التلقيح بمساعدة الرياح نجد اعضاء التذكير ذات خيوط طويلة لا تقوي على حمل المنك ، فتتدلي ) ش ١ إلي اليسار ( وتصبح تحت رحمة الرياح ، تحركها كلما هبت ، وتهز ما فيها من حبوب اللقاح الدقيقة فتتناثر من ثقوب جانبية في نهايتها ، ويحملها الريح من نبات لآخر . ومن الطبيعي ان هذه الآزهار لا تحتاج إلي لون أو رائحة أو رحيق ؛ فما الريح بحاجة إلي شئ من ذلك اما في زهرة أعدت لزيارة الحشرات فنجد في تركيبها ما يؤدي بالحشرة إلي ) إ تمام عملية التلقيح مقابل اجر تتقاضاه ، إذ تتغذي على سائل حلو المذاق يسمي الرحيق ، وكذا على حب اللقاح الغني بما فيه من غذاء

فزهرة السلفيا الحمراء أو البنفسجية " ش ٢ " التي كثيرا ما نشاهدها في المتنزهات ، نجد غلافها ذا لون جذاب ، كما تجمعت أزهارها في شكل عنقودي . والجزء الملون يكون أنبوبة مفتوحة من أحد طرفيها ؛ وفي الطرف الآخر نجد رحيقا تفرزه غدد خاصة . ولهذه الأنبوبة الملونة شفتان : السفلي . بمثابة قاعدة تقف عليها الحشرة ، بينما تظل العليا المنك والميسم . ولو فحصنا عضو التذكير لتبين لنا تركيب غريب ، أشبه برافعة بسيطة " ش ٢ إلى اليمين " ، استطال أحد ذراعيها وحمل المنك في نهايته ، أما الذراع الآخر

فهو قصير لا يحمل منكا ؛ واستندت الرافعة علي محور يتصل بالزهرة ، ويتركز الرحيق قرب الطرف القصير من الرافعة . فإذا دخلت حشرة وحاولت ان تصل إلى الرحيق ، دفعت الطرف القصير من الرافعة ، فيتحرك الطرف الطويل إلي اسفل ويصطدم بظهر الحشرة ، فيقع اللقاح عليها ويتعلق بجسمها ؛ فإذا ما انتقلت إلي زهرة اخري ، وحاولت الوصول سلكت نفس الطريق ، وعند دخولها في الزهرة فإن مياسمها تلمس ظهر الحشرة ، فيلتصق بها اللقاح الذي حملته من زهرة إلي اخري ، وبهذا يتم التلقيح

ولعل الملاءمة لهذه العملية تبلغ حدا كبيرا في نورة تشبه نورة القلقاس ومن عائلته ) ش ٣ ( فيتوسط النورة محورها ، وعليه ازهار مذكرة وأخري مؤنثة ، يحيط كل هذه الأجزاء غلاف ملون يقترب من المحور وعند اعلاه ، مكونا اختناقا تحرسه شعيرات مالت إلى اسفل ، وهذه تسمح للحشرات بالدخول إلي النورة ويمنعها من الخروج . وبعد هذه الشعبرات نجد على محور النورة ازهارا مذكرة ، تكون متراصة ولما يتم نضجها ، ويليها ازهار مؤنثة قد نضجت . ولما كانت الحشرات تنتقل من زهرة لاخرى ،

فالغالب أنها تكون محملة باللقاح ، ولذا تتلقح الأزهار المؤنثة نتيجة لحركة الحشرات عليها . وتبقى الحشرات في سجنها تتغذي على ما في السجن من رحيق ، حتى يتم نضج الازهار المذكرة الذي يتم متأخرا ، لضمان التلقيح بين ازهار تنتمي لنبات اخر من نفس النوع ، ولمنع التلقيح من الازهار المذكرة في نفس النورة . وعند ما يتم نضج هذه الازهار تذبل الشعيرات المائلة التى قابلناها عند اختناق الغلاف وتتساقط ، وعند ذلك تجد الحشرات مخرجا من سجنها ، بعد ان تكون قد حملت باللقاح لنقله إلي نبات آخر .

ولقد فطن العالم إلي اهمية الحشرات في التلقيح ، فعملوا على تربية النحل في البساتين ، وادي ذلك إلى زيادة في الثمار ، كما أفادنا النحل بشهد فيه شفاء للناس .

اشترك في نشرتنا البريدية