الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

الجامعة والمجتمع، فى افريقيا الوسطى

Share

روديزيا ونيوسالاند

ان حالة المثقفين والعلماء باتحاد افريقيا الوسطى يختلف اختلافا كليا عن حالة اخوانهم فى الاقطار الافريقية الاخرى. ويرجع السبب فى ذلك الى قيام مبدأ التعاون والتئاخى بين جميع طبقات المواطنين السود منهم والبيض على حد سواء، ذلك المبدأ الذى انبنت على أساسه جامعة "روديزيا" و "نياسلاند" عندما برزت الى الوجود وأخذت تخطو طريقها السياسي وحياتها كدولة فتية شعارها التعاون والتئاخي لا تميز عنصرى بين مواطنيها، ولقد أقرت اللجنة البريطانية (لجنة كارسوندارس) هذا المبدأ واقترحت انشاء جامعة موحدة تفتح أبوابها الى كل الطلاب بقطع النظر عن جنسهم، ومنذ ذلك الحين، أى منذ خلق هذه الدولة، أخذ التطور السياسي والنمو الاقتصادى والنهضة الفكرية فى التقدم تقدما سريعا يتزايد مع الايام. وهكذا شعر المثقفون والعلماء منذ بدء نهضتهم أنهم مرتبطون ارتباطا وثيقا بأمتهم وأن أعمالهم ترمي الى تشييد مجتمع سياسى جديد هو منهم واليهم. مجتمع يستوحى أهدافه وجل قيمه من السياسة الديموقراطية التى يسلكها النظام البرلماني البريطاني القائم على العرف والتقاليد وهو النظام الذى اعتنقته روديزيا الجنوبية منذ خمسين سنة، كما يستوحى أهدافه وقيمه من الأنظمة الخاصة التى تختلف وتتناقض في أغلب الاوقات من قطر الى قطر وهى الانظمة القائمة فى روديزيا الشمالية وفي نياسالاند الخاضعين للنفوذ البريطانى والتبنى الاستعمارى. زد على ذلك جوار أقطار اتحاد جنوب افريقيا التى تسلك نظاما سياسيا خاصا ولها أساليب جامعية مختلفة اختلافا كليا عن الاساليب السائرة فى غيرها من الاقطار الافريقية

ميدان الصناعة وميدان التكوين المهنى وسائر أسباب التجديد تحتل شيئا فشيئا مكان التقاليد الموروثة وتزيل النظم القديمة التى كانت تقوم عليها حياة الافارقة الخاضعة للقبلية والانتساب الى عائلة الام او الاب

والناس ينظرون اليوم الى الحياة بمنظار جديد ولهم مفهوم غير المفهوم التقليدى للعلاقات التى تربط سكان المدن بسكان الارياف ولكنهم يتنازعون في المسائل الخاصة بالنمو الاقتصادى ورفع مستوى المعيشة اذ تختلف عقلياتهم ومشاربهم لما بين التفكير الافريقي من اختلاف وفروق متأصلة فى قرارة النفوس عند هؤلاء وهؤلاء مما يجبر المثقفين الجامعيين رغم حيادهم فى النزاع أن يبحثوا عن الطرق الودية الى التقدم مع الاحتفاظ بأثمن ما خلفه لهم تراثهم الثقافى

ويشتد النزاع فى الميدان السياسى والجامعة وان أقرت مبدأ اللاحزبية فى السياسة وهو رأى له مكانته ووجاهته بالنسبة اليها كجامعة فان وراء هذا الموقف الحيادى يختفى كما وراء ستار تأثيرات لنزعات سياسية ثلاث خاصة بالسلطة لكل نزعة معتنقين وأنصار، فمنهم من يتمنى أن يصبح الاتحاد رابطة شعوب مختلفة الاجناس يجد فيها الاسود والابيض على قدم المساواة مكانه وسعادته ويمسك بزمام السلطة فيها الاكثر كفاءة والاكثر اخلاصا بقطع النظر عن جنسه ولون بشرته وهذا هو الفريق الاوسط والى جانبة فريقان يؤمن أنصارهما في قرارة نفوسهم أن لا بد من تفوق جنس على الآخر، الابيض والاسود النزعة او يجاهرون بها ولكنهم فى كل الحالتين جد عاملون على الوصول الى هدفهم، ومن المعلوم ان هذين الفريقين متأثران سواء بمذهب قومية البيض وتفوقهم على السود الفاشى فى اتحاد جنوبى افريقيا او بمذهب قومية السود ومبدأ تفوقهم على البيض كما هو الحال فى بعض أقطار افريقيا كغانة والسودان.

انشاء جامعة ساليسبيرى وتقدمها

الحجر الاساسي الذي تنبنى عليه الجامعات هو التراث التقليدى الذى يتوقف عليه كل مجهود يرمي الى المحافظة على حرياتها وذاتيتها رغم كل العراقيل والقوى المضادة التى تعترض العالم الحاضر في تقدمه وهذا التراث التقليدى - الذى هو بمثابة قوة استقرار وتوازن - ينبعث من منابع شتى يرجع الفضل فى كشفها الى فريق المثقفين بمعهد ساليسبرى

فهذا المعهد كغيره من فروع جامعة لندن يعمل وفقا لتوصيات لجنة كارساو ندارس فيعتمد في كل اشغاله على تقاليد الجامعة البريطانية وتجاربها الى جانب سيره الحثيث نحو الهدف الذى يصبو اليه وهو ان يصبح بدوره جامعة لها شخصيتها وحريتها المطلقة وبموجب هذا الاتصال بجامعة لندن احرز المعهد على اعانة قدرها مليونان وربع مليون "ليفر سترلين" وأكبر دليل على هذا التعاون لوحة من البرنز معلقة على أحد الجدران فى بهو المعهد مكتوب عليها بأحرف بارزة "من شعب بريطانيا العظمى الى شعوب الاتحاد"

وللمعهد علاقات متينة فى البلاد نفسها وله أنصار كثيرون يسمون "احباء جامعة روديزيا" يسعون جهد طاقتهم الى جمع ربع مليون ليفر استرلينى فى مدة اثني عشر سنة والكثير من هؤلاء الاحباء قد زاولوا دراساتهم العليا فى جامعات افريقيا الجنوبية في عصر كانت تقاليد هذه الجامعات لا تختلف فى شئ عن تقاليد الجامعات الاروبية الغربية اذ أخذت عنها تلك التقاليد وطبعت بطابعها وان هذا العون المحلى قد خيب الجامعة ليست نتيجة لعطاء الحكومة وسخاءها أو صنيعة المبشرين المسيحيين ولكنها ثمرة جهودهم الجبارة ونتيجة لنخوتهم ونشاطهم ومساعداتهم.

وتتمتع الجامعة الافريقية بنفس الحريات الاساسية التى تتمتع بها الجامعات الغربية ولها في ذلك ضمان يسمى "الوثيقة الملكية للمعهد" ختمته الملكة سنة 5195 وتشير هذه الوثيقة فيما يخص نفقات المعهد أن الحكومة الاتحادية التى كانت تقدم الى المعهد فى كل خمس سنوات منحة تقدر حسب النفقات السائرة العادية يجب أن تقل من قيمة تلك المنحة وتطالب حكومات المناطق والبلديات والمنظمات الخاصة بتقديم قسط أوفر من المساعدة الى الجامعة، وقد قال الملك هنرى الثانى بخصوص الجامعات: "اعتقد ان ما من أرض فى انجلترا اسندت الى اقامة مشروع، افضل من الاراضى التى أسندت الى جامعتنا لان فى بقاء الجامعة وازدهارها ما يضمن لمملكتنا حكمة القيادة دهرا بعد أن نموت ونقبر "ولا شك أن آباء حي ساليسبيرى قد عملوا بهذا الرأى السعيد عند ما أهدوا للجامعة أكثر من مائتى هكتار من أحسن الاراضى الواقعة على سفح جبل "بليزانت" تسلمها المجلس التشريعي في روديزيا الجنوبية باسم الجامعة ومن جهة أخرى فان كل بلديات روديزيا الشمالية والجنوبية - وعددها يربو عن الاربعين - تشارك اليوم فى نفقات الجامعة مشاركة فعلية، زد على ذلك ما تقدمه أكثر التعاضديات الصناعية المزدهرة فى اتحاد افريقيا الوسطى من جليل المساعدات لتوفير مداخيل الجامعة تلك المداخيل التى تضمن للجامعة اليوم استقلالا ماليا لا يستهان به، ولاشك ان الاعانة المادية والمساعدة المالية التى تقدم الى الجامعة خاصة في بلد حديث فتئ بالمسؤوليات التى تنجر عن الحكم الذاتي.

المعهد الجامعى والاتصال بين الاجناس البشرية:

لقد نشأت روديزيا فى التاريخ على أثر قدوم معمرين من اتحاد جنوبى افريقيا ولم يقع بين سكان البلاد ومن طلعوا عليهم في بادئ الامر اتصال او تعاشر لكن تبدلت الحال بعد ذلك شيئا فشيئا وأصبح التعاشر الاجتماعى ممكنا، والجامعة اليوم عاملة على خلق هذا التعاشر وهذه الألفة البشرية بين الاجناس على اختلاف ألوانهم، فرئيس الجامعة واعضاده الاثنى عشر لا ينفكون عن خلق جو الحياة الجامعية فى المعهد وما يتبعه من "محلات السكنى" حيث يقيم الطلاب ويعيشون جنبا لجنب ماعدا من ترخص لهم الاقامة في منازلهم

الخاصة بساليسبيرى لاسباب معينة، وبذلك استطاع هؤلاء المثقفون أن يصلوا الى هدفهم رويدا رويدا بدون ان يفرضوا ارائهم او يطبقوها بصورة جافة او نظرية، ففي نهاية السنة الدراسية الثانية ضبط عدد سكان الحى الجامعى كما يلى:

101: ساكن أروبى - 19: افريقيا - 3: هنود - وطالب آسيوى ومن جهة اخرى فكل النساء يقمن فى جناح خاص الى جانب جناح معهد للطلبة الاروبيين وجناح آخر يسكنه الطلبة على اختلاف اجناسهم والوانهم ويبدو هذا الحل قد لاقى رضي الجميع وبدا يأتي بنتائج طيبة، فالطلبة اليوم رغم اختلافهم الجنسى يتحاكون ويتعاشرون بكل ارتياح وبصورة طبيعية سواء كان ذلك في قاعات الدراسة أو في دور التحليل أو في ساحات الرياضة والالعاب الجامعية فهم يعيشون جنبا لجنب على صعيد واحد ويتناولون طعامهم في قاعة واحدة ويلعبون ويمزحون معا وان سنحت لهم الفرص وفسحة الارجاء الخلوة والتباعد ونتج عن كل هذا جو اجتماعي وفكر جماعى وحياة جديدة يرتمي بين أحضانها الشباب ويستطيبون فيها لذة العيش الجماعى التى يجدونها عند مغادرة قاعات الدراسة وبعد الساعات المضنية التى يقضونها في الجد والبحث والتنقب الذي يتطلبه كل عمل جامعى والجامعة فى هذا الميدان - اى ميدان الالفة واتصال بين مختلف الاجناس - تسبق الفكر العام والعادات المعروفة في مجموع أقطار الاتحاد وهذه ولاشك بادرة طيبة وخطوة حميدة لازمة لان الجامعة كما لا يخفى تعمل على تهيئة الجيل الصاعد لخطط القيادة التى يتطلبها مجتمع يريد أن يكون مبنيا على مبدأ الالفة متشبعا بروح التعاون بين الاجناس فى جميع ميادين النشاط والحياة الاجتماعية.

الجامعة في جوها الاجتماعى:

تقوم الجامعة بخطط ثلاث: التعليم والبحث والتوجية الفكرى فى المجتمع الذي تعنى به وهذا النشاط بوجوهه الثلاثة تقوم به الجامعة فى ميدان العلوم النظرية والقيم المثلى او فى ميدان تطبيق النظريات ومن وراء ذلك جلب النفع للمجتمع فكل ما يطرق فى قاعات التدريس من مواضيع وبحوث أما خاص بالمواضيع نفسها وبطريقة تحليلها وطرقها واما له علاقة بحاجيات المجتمع كتكوين الاطارات من اداريين وأساتذة ومدربين فلاحيين ومهندسين الى غير ذلك ممن تحتاج اليهم البلاد وتتوقف عليهم نهضتها وعلى هذا الغرار تكون البحوث التي يقوم بها الطلاب أما نظرية بحتة تتعلق بمسألة نظرية صرفة كالبحث عن حقيقة الاشياء بدافع البحث والتنقيب على الحقيقة لا غير واما تكون البحوث تطبيقية ينتج عنها نفع مادى على المجتمع كالبحث عن وسيلة تمكن من فض مشكلة اجتماعية.

اما التوجية الفكرى ( أو القيادة الفكرية ) فاما أن يكون مباشرا كالوعظ لا يقبل مناقشة بل يفرض فرضا واما أن يكون نتيجة لاتصالات كثيرة واجتماعات عديدة تقوم بها الشخصيات الجامعية مع رؤساء الطبقات الاجتماعية المختلفة خارج الجامعة كما يقع ذلك فى القرى والارياف.

وبذلك استطاعت الجامعة فى افريقيا الوسطى أن تساير أغلب الجامعات الغربية وان تنجح مثلها فى توحيد الخطتين التى ينبني على أساسها النشاط الجامعى، خطة التعليم وخطة التوجيه والقيادة الفكرية - وكما تؤثر الجامعة على المحيط الاجتماعى فان حيوية الشعب الفتى والحركة التقدمية التى تقوم عليها نهضتها والنخوة الشعبية والنشاط الذي يتزايد مع الايام ويأتي بالانجازات الجديدة المثمرة كل هذه الحيوية التى تتصف بها اليوم شعوب اتحاد افريقيا الوسطى تأثر بدورها على الجامعة وتساعدها في مهمتها وبذلك تمت اللحمة وتمتنت الروابط منذ البداية بين أفراد مجتمع متيقظ موقن بتطوره عامل على توفير أسباب التقدم.

التعليم الجامعي:

ان أول قرار اتخذته جامعة روديزيا عندما شرعت فى تحوير نظام تعليمها هو تعديل نظام الدخول الى الجامعة وربطه بالقيود المفروضة في جامعات بريطانيا وبذلك أصبح الدخول الى الجامعة أعسر مما كان عليه وما هو عليه الآن فى كل جامعات افريقيا الجنوبية والشرقية والغربية.

من نتائج هذا القرار ما اتخذته المعاهد الثانوية فى كل الاتحاد من قرارات تقضى بتمديد سنى الدراسة الثانوية عاما أو عامين وقد أجابت كل المعاهد الى هذه الرغبة الملحة التى أبدتها الجامعة وكان لهذا القرار تاثير بالغ على نظام التعليم فى جميع أقطار الاتحاد.

وقد شرعت الجامعة فى نفس الوقت فى توسيع نظامها الداخلى نفسه فأنشئت كليات الآداب وأخرى للعلوم كما فتحت أبوابها للتعليم المهنى لما رأته من ضرورة تكوين الاطارات تكوينا سريعا فى ميدانى التعليم والحسابات وقد ساعدت هذه الدروس على تكوين أساتذة محرزين على شهادة المعهد التحقوا بالمدارس الثانوية واحتلوا ما يربو عن ستين منصب استاذ كانت شاغرة كما ساعدت دروس ضبط الحسابات على تكوين طبقة من الشبان سيحتلون فى بلادهم الفتية مناصب القيادة فى ميادين الصناعة والتجارة والبنوك لما توفرت لديهم من الخبرة والكفاءة ويجدر أن نلاحظ ان هذه الدروس التكوينية ستتوج عن قريب بشهادة جامعية فى الحقوق والحسابات والعلوم

الاقتصادية ربما سميت شهادة " العلوم الاقتصادية التطبيقية " وهكذا تصبح الدروس التى لم يكن يرجى منها بادئ ذى بدء غير النفع وزيادة التكوين تعليما راقيا يتصل بالتعليم الجامعى يفتح آفاقا شاسعة جديدة فى وجه الكثير من الطلاب.

وقد انشأت الجامعة بعد مرور عام واحد على تكوينها مدرسة فلاحية كانت اول مدارسها الصناعية وقد دفعها الى ذلك ما تحتله الفلاحة من مكانة في الحياة الاقتصادية ولم يمض وقت طويل حتى قرر المزارعون والفلاحون داخل نقاباتهم أن يأخذوا على عاتقهم كل التكاليف والنفقات التى تنجم عن انشاء كلية فلاحية وقد شرعوا في جمع الاموال لانجاز هذا المشروع بعد خمس سنوات ولم تمض الا سنة واحدة ولكن الفلاحين جمعوا جل هذا المبلغ الهائل وهم يتاهبون الى قطع المراحل والشروع في انشاء كليتهم الفلاحية.

ومن المظنون ان تكون ثانى المدارس الصناعية من هذا القبيل مدرسة لتكوين المهندسين فصناعة المناجم من اهم موارد البلاد زد على ذلك ما ينتظر من تقدم صناعات جديدة مختلفة يرجى منها كل خير تستعمل فيها الطاقة المائية الكهربائية التى ما انفك المهندسون يوفرون لها الاسباب ويستكشفون لها مصادر جديدة والحكومة بصدد النظر فى مشروعين او لهما خاص باحداث كلية الطب والثاني بانشاء معهد لتكوين المهندسين ومن المحتمل ان يقع الاختيار في آخر الامر على انجاز المشروع الذى يتوفر المال اللازم لانجازه بقطع النظر عن حاجة البلاد اليه فالمسالة هنا مسالة اعتمادات مالية قبل كل شئ وهذا - ولا شك - أمر يؤسف له ولكن الجامعة مدفوعة اليه بدافع الضرورة اذ لا يخفى أن الجامعة لا يمكنها أن تنشئ مشروعا وتقيم مدرسة فنية من هذا القبيل اذا لم يتوفر لديها المال الكافي الذي يتطلبه انشاء تلك المدرسة والا اصبح الانجاز الجديد عالة على كاهلها يعيش على حساب المؤسسات القديمة فلا يفيد ولا ينفع.

البحوث فى الجامعة:

لقد أحسن معهد سالسبيرى فى جلب رؤساء الاثنى عشر قسما التى تتركب منها الجامعة، فبذلك تمكن الاستاذة من التعرف بالبلاد ومن اقامة عناصرها بحوثهم واعدادها وتسطير البرنامج لتطبيقها.

وقد لاحظ هؤلاء الباحثون ان كثيرا من المصالح الدولية قد سطرت من جهتها برامج بحوث متفرعة وان مثل هذا البرنامج قد قامت باعداده منظمات حرة كل في منهاجه وحسب مصالحة الخاصة المعينة، ومن هذه المؤسسات الخاصة معهد رودس ليفنكستون للبحوث الاجتماعية ومكتب البحوث الخاصة بنات التبغ وجمعية مقاومة السل كما لاحظ هؤلاء الاساتذة ان صناعة المناجم

وغيرها من الصناعات قد شرعت بدورها فى بحوث كثيرة تقوم بها لجانها المختصة المسماة " مصالح البحوث والتقدم " وان هذه البحوث تشمل ميادين شتى منها الجيولوجيا والمناجم والكيميا الصناعية وبصورة اجمالية فقد شرع فى بحوث شتى لها مساس بحاجيات المجتمع ومشاكله الخاصة وقام بهذه البحوث مصالح كثيرة ومؤسسات متنوعة مختصة فى الاحوال الجوية وفى الفلاحة بجميع فنونها من علم نبات وكيمياء فلاحية واقتصاد فلاحى وفى الشؤون الصحية وفى دراسة المناجم وطبقات الارض وفى علم الاحصاء والصناعة والرى والشغل والغابات والصيد البحرى والموارد الطبيعية وغير ذلك من الدراسات التى تشمل جميع ميادين النشاط

وبذلك استطاع اساتذة الجامعة ان يوجهوا عنايتهم الى المسائل التى لم تطرق قبل ولم يقع البحث في شأنها فسطروا برامجهم على ضوء ما شاهدوه من الاعمال وفتحت امامهم السبل فلم يضيعوا الوقت سدى

ولم تقم الجامعة بادئ الامر بمثل هذه البحوث لخروجها عن النطاق الدراسي كالبحث فى الايزوتوب والمواد الذرية والنووية او البحث فى النباتات الافريقية ولكن لم تلبث الجامعة ان سخرت اقسامها الى خدمة المجتمع الذي تعيش فيه وان خرجت فى برامج البحوث لكامل اقطار الاتحاد.

وبهذه الصورة قام أساتذة الجامعة الملحقين بالبحوث العلمية فيها باعداد ما يقرب من أربعة وثلاثين بحثا ودراسة وان المساعدة التى قدمتها الجامعة للمجتمع وخدمتها للصالح العام وتفانيها فى العمل أفضل مساعدة وأنفع خدمة وان رجال الحكومة وأرباب الصناعة لم يقتصروا على الشكر والثناء بل ساعدوا الجامعة بالمنح الكثيرة وبما أبدوه من التفهم واللين نحوها فيما يخص مطالبتها بالحرية والاستقلال الذاتي والتمتع بكامل حقها فى تسيير شؤونها.

ويجدر ان نلاحظ ايضا ان الجامعة فى ميدان البحوث وخاصة فى البحوث المتعلقة بالعلوم الاجتماعية قد بذلت جهودا جبارة الى جانب الجهود التى بذلتها الحكومة في نفس الميدان وقد انشا مجلس الجامعة لجنة خاصة للبحوث فى العلوم الاجتماعية، وتقوم هذه اللجنة بمناقشة المواضيع والنظر فى الوثائق والمشاريع واستخلاص خط الوصل بين مختلف البحوث، كما تقوم اللجنة باستدعاء الاختصاصيين المنتمين الى الادارة او الصناعة او المكلفين ببحوث خارجة عن نطاق الجامعة لحضور جلساتها والمشاركة فى مناقشاتها ليتم التعاون وتعم الفائدة

وقد اعدت اللجنة برنامجا لاعمال افرادها فيه تفصيل للاهداف ويتضمن هذا البرنامج من جهة أخرى اتجاهات عامة وأبوابا وفصولا تحتوى على أنواع النشاط الخاصة بالبحوث الاجتماعية تحت العنوان العام " التقدم الاجتماعى فى الاتحاد " وقد قامت اللجنة في نطاق هذا البرنامج العام ببحوث شتى تناولت مواضيع مختلفة كالتاريخ الاقتصادى لاتحاد شعوب افريقيا الوسطى ومظاهر الحياة الاقتصادية فى الاقطار الافريقية بجنوب الصحراء واستعمال رأس المال في التجارة والصناعة - ومسألة الانتاج فى الاقطار الافريقية - وتعديل هيكل سكان البوادى - والتقدم فى ميدان التعليم الفني - كما اعدت الجامعة في نطاق لجنتها الخاصة بالبحوث الاجتماعية دراسة مفصلة بعنوان " العلاقات البشرية بين الاجناس وموقف شعوب اتحاد افريقيا الوسطى ازاء مشكلة التمييز العنصرى "

وتقع هذه البحوث فى نطاق البرنامج العام للجنة الاجتماعية التى تعقد حلقات دراسية تشارك فيها اعضاء سلك التعليم بالجامعة والملحقون بالبحوث الاجتماعية فيها وشخصيات رسمية من الحكومة واصحاب المصانع الكبرى وهكذا يقع الخوض في المشاكل الاجتماعية التى تعرض على مجتمع فى حالة انتقالية سريعة وتقدم الحلول العلمية والمنطقية لتلك المشاكل فى نطاق هذه الحلقات الدراسية الهامة.

الجامعة والقيادة الفكرية:

ليست الجامعة هيكلا صناعيا او سياسيا او دينيا ويجدر بها ان تترك هذه المسائل لمن يهمهم الامر - أى لارباب الصناعة ورجال السياسة ورجال الدين - ولكن الجامعة تؤمن بأن الذكاء أفضل ما يتحلى به العقل البشرى وهو اقرب السبل للوصول الى الحقيقة ورجال الجامعة اذ يستعملون ذاك الذكاء للتعرف على حقيقة الاشياء فانما يخدمون فى نفس الوقت المجتمع الذي خرجت الجامعة من صلبه واذا كانت أشغالهم مجانية لا طمع ولا كسب وراءها فانما ذلك لان أشغالها ترجع بالنفع على المجتمع.

لقد كلفت الجامعة في سنيها الاولى - معهد التربية القومية - المتفرعة عنها بالاتصالات الخارجية مع شعوب الاتحاد ويتمتع هذا المعهد بحرية نسبية في ادارة شؤونه فله مديره الخاص مثلا لكن جامعة سالسبيرى مسؤولة على ادارته المالية وتنفق الجامعة عليه من المال المتأتي من العطايا والمنح التى تدرها عليها مؤسسة كارنيجي وفي مقال للجريدة السياسية الاسبوعية " ذى سانترال أفريكان أكزاميز " بحث موجز عن سير هذا المعهد وعن المكانة التى يحتلها في نظر لفيف الشعب في اقطار اتحاد افريقيا الوسطى وقد جاء في المقال ما يلى:

" انه لمن المحقق ان الدور التى تلعبه هيئة التعليم الجامعى فى حياة اتحاد أقطار افريقيا الوسطى أهم بكثير من الدور الذى يقوم به الطلاب وان أكبر عمل قامت به الجامعة ليتمثل فى ثلاث سنوات قضاها "معهد التربية القومية" فى جهد متواصل وبحوث مستفيضة - والمعاهد التربوية نادرة في افريقيا وعددهم خمسة بينما عدد الجامعات ثمانية وعشرون، وهذا ما يزيد فى أهمية الاعمال التى قام بها معهد التربية الملحق بجامعة ساليزيبيرى وهو عمل يهدف الى ثلاثة اشياء اولا توحيد اربع جامعات من الثمانية والخمسين الموجودة وجعلها جامعات مركزية - ثانيا رفع مستوى التعليم بتعليم المحاضرات والاكثار منها وبتوسيع نطاق البحوث وادخال تحوير جوهرى على نظام الامتحانات. ثالثا العمل على نشر التربية الاساسية للكهول بتوسيع نطاق المحاضرات ".

وقد قام المعهد فى سنته الاولى بخمسة اجتماعات بحث أثناءها المسائل المتعلقة بتكوين الاساتذة والمحاضرين كما طرقت مواضيع شتى تتعلق بمشكلة التربية وقد عقدت هذه الاجتماعات بين فريق من اساتذة الجامعة وفريق من سامى موظفى الادارة، ولذلك كانت البحوث التى وقع الاختيار عليها تتعلق بمصالح الفريقين الخاصة. وقد حضر هذه الاجتماعات لاول مرة فى تاريخ الجامعة انصار مذهب تفريق التعليم وادارته بين اوروبيين وافارقة كما حضرها جمع من الاساتذة المتربصين بالجامعة والوزير الاول لرود يزيا الجنوبية ومدير الجامعة نفسه وتبودلت النظريات اثناء هذه الاجتماعات ثم شرعت اللجنة في تنسيق برنامج عملها وتسطير المشاريع المبدئية للبحوث المزمع طرقها ومن هذه البحوث بحث قام بطرقه معهد التربية القومية تحت عنوان " المدرسة كاداة للتقدم الاجتماعى والثقافى " وموضوع اخر تحت عنوان " بحث المشاكل التى يواجهها التقدم السريع فى ميدان التكوين الفني باقطار اتحاد افريقيا الوسطى " - ولقد عين الفنيون الذين أخذوا على عاتقهم طرق هذه المواضيع على اثر الاجتماعات وبعد ان سطرت اللجنة البرامج المفصلة لتطبيق تلك المشاريع.

وفى سنة 1957 انكبت الجامعة على مشكلة ذات أهمية بالغة أصبح من الضرورى فضها بكامل اقطار الاتحاد وهي مشكلة تكوين الاساتذة فاعدت المشاريع لحل هذه المشكلة وتبودلت الآراء وأيقن الناس بضرورة تحوير الوضع الحالي وتدعيم أسس النهضة والتقدم المنتظر، وقد أحدث لهذا الغرض " حزب الشغل " على نطاق ضيق ليس لاعضائه القلائل أن يعقدوا الاجتماعات ويتشاوروا من حين لاخر، ولكن هذا الحزب رغم قلة اعضائه يمثل خير تمثيل الحكومة والمنظمات وهو خير دليل على الجهود المبذولة وعلى الطرق المسلوكة وعلى نية الجميع وعزمهم الراسخ على أن تكون الاعمال منظمة والسبل واضحة وعلى أن ترجع هذه الاعمال بالنفع على كل المؤسسات الثقافية وجامعات اتحاد اقطار افريقيا الوسطى، وقد تتابعت اعمال الحزب سنة كاملة قدم خلالها اعضاؤه

العشرة الكثير من التقارير الى مدير المعهد ليقع النظر فيها ثم نشرت هذه التقارير فى شكل تقرير جامع اصدره معهد التربية القومية بعنوان " تكوين الاساتذة بافريقيا الوسطى "

وقد قام المعهد الى جانب ذلك بدور استشارى فبذل الجهود فى عقد المحاضرات واقامة حلقات دراسية واستدعاء المجموعات البشرية والشخصيات التى يهمها الامر لحضور هذه المحاضرات والدراسات ولولا المعهد وهذه البادرة الطيبة لما تمكن هؤلاء الناس من التعارف والتلاقى ففي بداية السنة دعى الفني المكلف بالتكوين الصناعى التطبيقى الى عقد ندوة يجتمع فيها أصحاب معامل النسيج بروديزيا ليطرق على مسامعهم موضوع " الادارة والاجور وعلاقتها بالانتاج " وفى شهر أفريل من سنة 1958 دعى الفنى المختص بتعليم الانجليزية كلغة أجنبية الى عقد ندوة يحضرها الاساتذة ومتفقدو التعليم والمتصرفون بالادارة والاختصاصيون فى تعليم الكهول ويكون موضوع الندوة النظر فى مجموعة من المقالات التى اعدها في مواضيع شتى تتعلق بتعليم اللغة الانجليزية وفي نفس السنة عقدت ندوة اخرى فتحت ابوابها لكل من يهمهم امر التعليم الفني بأقطار الاتحاد ومن تعنيهم الزيادة في تعميمه وجلب الناس اليه وخاصة فى المناجم والنقل والبناء وغيرها من الصناعات المزدهرة او فيما يخص اطارات مصالح الشغل وموظفى الداخلية وأعوان الامن.

وقد وقعت هذه الندوة تحت عنوان " دراسات موجزة عن الشؤون الافريقية وافتتحت في ديسمبر سنة تر 7195، وكان ما جلب اهتمام بعض الصناعيين بالخصوص التقرير المتعلق بتعيين العملة وتكوين الاطارات وتعميم النفع والرخاء فكل هذه المواضيع قد احدثت رجة في اوساط اصحاب مناجم روديزيا الجنوبية والبلديات اعتراف الخواص والكثير من الشخصيات الرسمية التابعين لمصلحتين او ثلاث مصالح حكومية فطالبوا بعقد ندوات مماثلة على أن يتوسع نطاقها لكى يحضرها مختلف الاعراف ليعم النفع وقد عقدت فعلا فى نفس السنة ندوة اخرى على نطاق أوسع تشمل لا روديزيا الجنوبية فقط بل كل اقطار الاتحاد وقد تناولت هذه الندوة مواضيع مختلفة باختلاف حاجات كل قطر ومصلحة عدد كبير من رجال الصناعة والدوائر الحكومية.

وفي سنتى 1944 و 1947 أقرت لجنتا اسكيت واليوت رأيا جديدا وهو أن جامعة ما وراء البحار اذا أرادت أن تؤدى رسالتها على أكمل وجه تكون مجبورة على ترأس الحركة الثقافية الداعية الى تعليم الكهول لا بالصورة المزرية التى تقع عندما يلتقط بعض البؤساء قطعا من الخبز سقطت من مائدة حافلة بالاطعمة بل بصورة أفضل ترمي الى ان تكون الجامعة نفسها تستمد قوتها وفتوتها المتجددة وحيويتها من المجموعة التى تستمد منها حياتها فهى منها واليها "

وفى سنة 5195 القيت محاضرة بجامعة اكسفورد في نطاق ندوة مكتب المستعمرات لتعليم الكهول اقترح فيها المحاضر امكانية ادخال هذه الرسالة

التثقيفية للكهول فى صميم الرسالة التثقيفية المناطة بعهدة المعاهد الجامعية، وقد وقع الخوض فى هذا المقترح أثناء ندوة حكومية عقدها معهد روديزيا للدراسات العليا وجامعة نياسالاند في جوان 1958 وقد حضر هذه الندوة ما يقرب من ثمانين نائبا شاركوا فى المناقشات الخاصة بمسألة تعليم الكهول وقد حضر بعض النواب من اقصى جهات أقطار الاتحاد ومن نياسالاند وكان بينهم المحافظون والاساتذة الشبان المنتمون الى الحزب التقدمي الرادكالى ورجال الادارة المتعنتون ورجال البعثات الدينية الناشطون والمرشدات الاجتماعيات الافريقيات وربات المنازل الاوروبيات ومديروا البحوث والنقابيون المتعصبون، وهكذا اجتمع الافارقة والاسياويون والاوروبيون فى ندوة دامت اسبوعا كاملا وتفاوضوا وتناقشوا واتخذوا قرارات فيا يخص الكثير من المشاكل، وقد قام بجل اعمال الندوة وتحضير مواضيعها واعداد المواد التى ستناقش فى الندوة وتعديل هذه المواد لتكون مطابقة لمقررات الجلسة العامة، قام بهذه الاعمال التحضرية خمس لجان قدموا تقريرا فى عشرين صفحة وافق عليه الحاضرون بالاجماع، والفكرة الاساسية التى اتى بها هذا التقرير الجامع هو ان الجامعة اذا أرادت تعميم النفع والافادة وجب عليها انشاء معهد لتعليم الكهول يكون تابعا للجامعة عوض أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تعليمهم رأسا بواسطة دروس تقع خارج الجامعة ويكون دور الجامعة فى هذه الصورة: مراقبة العمل الذى يجرى فى نفس الغرض بجميع اقطار الاتحاد والداعى الى تثقيف الكهول وتوسيع نطاقه وجلب انتباه السلط والفكر العام لتقويته والزيادة فيه، ومن دور الجامعة أيضا تشجيع الجهود الرامية الى انشاء مصالح معتدلة قوية تكون فى متناول جميع سكان الاتحاد وتعمل على تسديد حاجتهم الى طلب العلم والمعرفة، وتلعب الجامعة هذا الدور بانشاء مصلحة استشارية وتنظيم حلقات من المحاضرات ومن الدارسات لتكوين القادة والاطارات والمرشدين والمنظمين، ومن دور الجامعة فى هذا الميدان نفسه تشجيع البحوث والتجارب الخاصة بتثقيف الكهول وبوسائل هذا التثقيف واهدافه والنتائج الناجمة عن تلك البحوث وتلك التجارب ومن دور الجامعة أخيرا تقديم مساعدات ونصائح للمعاهد المختصة بتثقيف الكهول.

فالثقافة تؤثر على حياة الرجال والنساء فى كثير من الوجوه وهى التى تطبع تلك الحياة منذ الطفولة ويمتد تأثيرها على البشر وان تقدم بهم السن والثقافة تهم بيئة البشر ونظام مجتمعهم وتؤثر على أعمالهم ومسراتهم وملاهيهم

تأثيرها فى تركيز شخصيتهم وفى حياتهم الجماعية، والثقافة اذا نظرنا لها هذه النظرة تخص الكثير من طبقات الامة على حد سواء فهى من مشمولات المربى والادارى والسياسي ومن ينتمي للتجارة والصناعة كما هى من مشمولات كل مواطن من سكان المدن او من سكان الارياف مهما كان شأنه ومهما كانت قيمته - ولذلك فان الجامعة اذ تهتم بمشكلة التعليم وتعميمه خارج نطاقها وخارج بوتقتها التى تقتصر عادة على التعليم العالى - فانما تقوم بعمل انشائى واسع وتخوض غمار مشروع لا نهاية له ولكن هذا العمل بما كان أنفع للشعب من غيره واكثر افادة واجل مساعدة.

دور المثقف فى المجتمع:

ان الجامعة اذا قامت ببحوث من هذا القبيل تشمل ميادين العلم والعلوم الاجتماعية وميدان التعليم في معناه المتسع فانها تقدم المجتمع من جهة وتنفع نفسها من جهة اخرى ولكن ثمة طرق اخرى توصل الى خدمة المجتمع والى الاستفادة الروحية، فالجامعة بواسطة اساتذتها الذين يقومون بالبحوث الادبية والفنية تبرز قيمة المواقف النفسية التى يقفها البشر ازاء الحياة، كما تبرز قيمة الامانة والحرية التى تهدف اليها كل نفس بشرية وقيمة الجهود الخلاقة التى ترتاح لها تلك النفوس البشرية وان لم يتم كمالها تلك الجهود التى لها الحق فى التقدم والاستمرار والنمو فى جو الحرية المطلقة

ففي هذا الميدان الفلسفي يمكن للجامعة ان تشجع كل اشكال الفكر وانواع العقل المنطقي الحر، وبهذه الصورة تنهار المعتقدات الخرقاء التى خلقها عالمنا الحاضر كما تنهار الالهة فى القبيلة وفي الساحات العمومية وهكذا يمكن خلق تيار جديد غني بالافكار الحية يخترق الحياة العقلية فى الشعب، وهكذا تمكن المحافظة على نوع جديد من الامل فى حياة أفضل مجردة عن الاهواء والاندفاعات العاطفية وهكذا يقوى أمل الناس فى الاحتفاظ ببعض القيم التى لا يمكن للعقل ان يصل اليها الا اذا نزع عنها غبار المادة وفتش عنها وراء حجابها، وهكذا تمتزج فكرة الصلاح والخير بمظاهر الحقيقة السرمدية وتذوب هذه في تلك ويلتحق الخير بحقيقة هى وراء الحاجات اليومية وطبيعة الناس فى حياتهم المادية حياة يغطى عليها الهواء من حب وحقد وفزع وشواغل، وهكذا يستطيع الانسان - اذا خلف وراء ظهره كل هذه الاهواء وكل هذه الشواغل المادية اليومية - ان يشعر بمعزل عن الشواغل والماسى التى يتخبط فيها قرننا الى العنق، واذ ذاك يستطيع الانسان أن ينشر هذه العدوى الطيبة وان يصبح داعية الى حياة قوامها التفاهم والتالف وهو قوام الطبيعة متأصل فيها منذ بدء الخليقة

اشترك في نشرتنا البريدية