الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 334الرجوع إلى "الثقافة"

الجمعية الفلسفية المصرية، الأسرة والمجتمع

Share

بدأت الجمعية الفلسفية نشيطة فنية ، واخذت تغذي قراءها تباعا ، فلم نكد نفرغ من قراءة بحثها الاول عن فيلسوف العرب والمعلم الثاني " لمعالي مصطفى باشا عبد الرازق ، حتى وافتنا يبحث كان عن الأسرة والمجتمع " للدكتور على عبد الواحد ، وكم نود ان يطرد هذا النشاط ويستمر هذا الغداء في تنوعه وحسن اختياره .

ومكتبتنا العربية في مسيس الحاجة إلي شتي الدراسات الاجتماعية ، لا لم تتابع في شيء خطوات علم الاجتماع ، وما أكثرها في السنين سنة الأخيرة فقد تضافرت على إنهاضه وبسط آفاقه مدارس كبرى ، إن في فرنسا وانجلترا

او امريكا والمانيا ، فرسم منهجه وحدد موضوعه وكشف الكثير من قوانينه ونظرياته ، واضحت الظاهرة الاجتماعية مثار درس وبحث لا يقل عما نالته الظاهرة الطبيعية

ولقد شاء الدكتور علي عبد الواحد أن يبدأ دراساته في سلسلة الجمعية الفلسفية ببحث عن الأسرة ، فتخير موضوعا من اخصب موضوعات علم الاجتماع ، واغزرها مادة وأكثرها تباين آراء وتعدد مذاهب .

ومع هذا وفق كل التوفيق في عرضه للقاريء العادي فبسطه ، او بلفظة ادق بسطه في غير اسهاب ، وحصر نقطه وما مسائله في غير إخلال وناقش وجادل في غير ماتقيد ولا غموض

ويشتمل مؤلفه الواضح على مقدمة وثلاثة فصول ، او إن شئت على مقدمة وفصلين وخاتمة : فأما المقدمة فتضع مشكلة الأسرة ، وتبين طائفة من الفروض العلمية التي تتصل بها ، وتشير إلي الأهداف الرئيسية التي يرمي إليها

البحث جميعه وتمهد لها ! وهي بهذا ترتبط ارتباطا وثيقا بالخاتمة .

وأما الفصلان الأولان فهما صلب المؤلف ودعامته ، يلخص أولها تطور الأسرة من حيث نطاقها ووظائفها ومحور الغرابة فيها ، ويبسط الثاني الزواج في قيوده وطبقاته ومراسمه ووسائله ، وتعدد الازواج والزوجات ، الحقوق والواجبات المترتبة على علاقة الزوجية . ففيهما مادة مستوفاة واستيعاب كاف ، وقد عول الباحث فيهما على المنهج التاريخي تعويله على المنهج المقارن ، وأفاد من ملاحظات الرحالة وعلماء خصائص الشعوب .

وإذا كان هذان الفصلان قد اشتملا علي دراسة وصفية استعراضية ، فان الفصل الأخير يقوم على دراسة تحليلية استنتاجية مستمدة من الدراسة الوصفية السابقة ؛ لهذا كان أشبه بالخاتمة منه بأي شيء آخر ، وفي هذه الخاتمة يرفض المؤلف بعض الفروض التي سبق أن أثارها في مقدمته ، وينتهي إلى ثلاث حقائق  رئيسية يراها ثمرة لبحثه : أولاها أن الأسرة نظام اجتماعي يقوم على عرف وقواعد ترضاها المجتمعات دون أن يتأثر بالغرائز والطباع على اختلافها ، والثانية ان هذا النظام ليس من صنع الأفراد ولا يخضع لما يريده القادة والمشرعون ، وإنما يتطور وفق نواميس عمرانية ثابتة ، والأخيرة أن نظام الأسرة يرتبط ارتباطا وثيقا بمعتقدات الأمة وتقاليدها وعرفها الخلقي وشئونها السياسية والاقتصادية ؛ فمن العبث أن يفصل عن ذلك وينظر إليه على أنه مستقل بذاته لا يؤثر ولا يتأثر بشيء .

ولا نود أن نعرض هنا لمناقشة نظريات طال فيها الأخذ والرد ، وأضحت فيما نعتقد لا تحتمل ان نعود إليها ونكتفي بملاحظتين اثنتين قد يكون فيهما ما يقضي على كثير من أسباب الخلاف . فنلاحظ أولا أن الجدل العلمي كالجدل السياسي - يؤدي أحيانا إلى شئ من الغلو

والتطرف ، فينتهي بالمرء إلي أن يرفض كل ما خالف رأيه وإن لم يتعارض معه ؛ وإلا فهل القول بالعرف والتقاليد والاعتداد بالمجتمع وسلطانه يتنافي مع إثبات الغرائز والطبائع وتأثيرها في المجتمعات كما تؤثر في الأفراد ؟ وهل التسليم بما للمجتمع من وجود ومشخصات يستلزم إنكار الأفراد ؟ وعندي أن الخطأ كل الخطأ في أن نلتزم أحد هذين الطرفين ، ونحاول تفسير الظواهر الاجتماعية المعقدة بعامل متفرد وسبب وحيد

ومهما يكن من امر هذا التوفيق الذي قد لا يروق لدي تلاميذ دركايم وأتباعه من رجال المدرسة الفرنسية الاجتماعية ، فان هناك نقطة أخرى يجب ألا ندع أي مجال للبس او غموض . واعني بها ان القول بأن نظم الاسرة تلقائية تخضع لنواميس عمرانية ثابتة " لا يشل مطلقا يد القادة والمشرعين ، ولا يقف بحال حجر عثرة في سبيل التجديد والاصلاح . بل علي العكس كل نظام اجتماعي بين الجمود والحركة ، فهو جامد لتعلق العامة به وتشبثهم بأهدابه ومتحرك لأن ذوي الرأي يحرصون دائما على تهذيبه وتنقيحه ، وجامد ايضا تحت تأثير الإلف والعادة ، ولكنه متحرك كذلك بحكم سير الزمن وتقلباته .

ومن أخص خصائص المصلح بعد النظر وإعداد العدة للمستقبل وسبق الحوادث قبل أن تهاجمه بما لم يتدرع له . فلننهض إذا بأسرتنا ما استطعنا مادام النهوض يقوم على دعائم سليمة ، ولنغير من نظمها ما شئنا ما دام التغيير يجاري العصر ويتمشى معه .

وبعد فأخشى ما أخشاه أن يكون في هاتين الملاحظتين العابرتين ما يعكر على القارئ صفو بحوث أريد بها أن تكون هينة لينة . ولكن أليس من الطريف أن تجر أمثال هذه البحوث إلى مناقشات علمية بعيدة الآفاق فلتسر الجمعية الفلسفية إذا على طريقتها ، وليأخذ منها كل قارئ ما يشاء

اشترك في نشرتنا البريدية