-٣- أسس فضل الله الاسترابادى مذهبه فى نهاية القرن الثامن للهجرة وأدخل هذا المذهب إلى تركيا أحد خلفائه « خليفة » ( على العلاء ) . بعد أن أصبحت إقامة الحروفيين غير ممكنة فى إيران بالنظر إلى تشكيل الحكومة المغولية بهم . (1) وقد اندمج هؤلاء فى البكتاشية ، وظهر من بينهم بضعة شعراء نظموا بالتركية والفارسية (2) .
وقد استفاد فضل الله الحروفى من النظرية الإسماعيلية بالنسبة إلى قيم الحروف العددية ، إذ نجد بين افكار الإسماعيليين بالنسبة إلى هذا الباب تشابهاً كبيراً مع أفكار الحروفيين ، و عند الحروفية تكتم شديد بالنسبة إلى التعاليم الدينية وبالنسبة إلى نشر تلك التعاليم ، لاسيما إلى الأجانب . ونجد مثل هذا التكتم عند الحروفية كذلك (3) .
ونجد تعاليم الحروفية فى الكتاب الكبير « كتاب جاويدان كبير » وهو كتاب كتبت بعض فصوله باللغة العربية وبعض فصوله الأخرى باللغة الفارسية . وتنتهى عناوين فصوله عادة بلفظة « نامه » ) كتاب ( « حقيقت نامه » « استواء نامه » « هدايت نامه » « محرم نامه » ولغته الفارسية هى بلهجة أهل استراباد (٤) . وعدد هذه الكتب ستة ، وقد كتب أحد هذه الكتب فضل الله الحروفي نفسه . وأما الكتب الخمسة الباقية فالظاهر أنها من تآليف « خلفائه » (٥) . وتوجد نسخ من « جاويدان كبير » فى المكتبات الأوربية ( مثل مكتبات لايدن
ومكتبة المتحف البريطانى ومكتبة كامبردج ) وقد اعتنى بعض المستشرقين بهذه الكتب مثل المستشرق الإنكليزي براون والمستشرق الإنكليزي جب " Gibb " والمستشرق الإفرنسي كليمان هوارت وأمثالهم (١) .
وسيرة مؤسس هذه الفرقة سيرة غامضة ومعلوماتنا عنه قليلة جداً ، ولم يتعرض الكتاب الذين عاصروه إلى ترجمة حياته . ما خلا ما جاء فى كتاب « مجمل فصيحى » (٢ ) للخوالي فى حوادث سنة ٨٢٩ للهجرة ( ١٤٢٦ م ) وما جاء بصورة اوسع فى كتاب « حبيب السير » (٣) . الذى يتكلم عنه بعد سنة . وقد ذكره ابن حجر العسقلاني فى « أنباء » ( المتوفى سنة ٨٥٢ هـ ) بصورة مجملة (٤ ) . فقال عنه : إنه فضل الله بن ابى محمد التبريزى الحروفى . وكان يعتقد بالحروف ، وهو من الهراطقة فى الإسلام ، وكان من المقربين عند تيمورلنك إلا أنه تآمر على اغتياله ، فعلم بذلك ميرانشاه بن تيمورلنك وكان الحروفى قد التجأ إليه . فقطع رأسه بيده ، ولما سمع تيمور بالخبر أمر بإحراق جسد فضل الله ورأسه سنة ٨٠٤ للهجرة (٥) .
( ١٤٠١ - ١٤٠٢ م ) وقد عمد اتباع فضل على ما يظهر إلى طريقة الاغتيال وإثارة الرعب فى الفرس على طريقة القتلى كما فعل الحشاشون حاول « أحمدي لود » أحد أتباع فضل الله الاسترابادي ومريديه اغتيال « شاه رخ بن تيمور » فى ٢٣ ربيع الثانى من سنة ( ٨٢٩ ) للهجرة أو سنة ( ٨٣٠ هـ ) فطعنه فى بطنه فى مدينة هرات أثناء خروج شاه رخ من الجامع ، إلا أنه لم يصبه إصابة مميتة (١ ) . أما الحالي فقد قتل لساعته وفي نفس المكان الذي
حاول فيه قتل السلطان ، قتله أحد خدم الأمير . وقد عثر بعد التفتيش فى جيوبه على « مفاتيح » أسماء بعض الأشخاص الذين تآمروا معه . فقبض عليهم وقتل بعضهم وسجن البعض الآخر ولقبت جماعة . وكان ممن أصابهم الاضطهاد « مولانا معروف » أحد العلماء الذين كانوا فى خدمة السلطان أحمد الجلائرى (١) ، وميرزا اسكندر الشيرازي الذى جاء به شاه رخ إلى شيراز (٢) ، وخواجا عضد الدين حفيد مؤسس هذه الفرقة ، والشاعر المشهور ( قاسمى أنوار ) الذى نفى من هرات (٢) .
ولد فضل الله الحروفى - على ما يظهر من بعض المخطوطات التى ألفها الحروفيون - فى عام ( ٧٤٠ ) للهجرة ( ١٣٣٩ - ١٣٤٠ م ) . وفي عام ( ٧٧٥ ) للهجرة غادر وعنه حاجاً إلى بيت الله الحرام وقد نشر مبادئه فى الحروف فى عام ٧٨٨ للهجرة ( ١٣٨٦-١٣٨٧ م ) وكان مقرباً فى بلاط المغول . إلى أن حاول اغتيال تيمورلنك سلطان المغول الشهير ، فقتل عام ٨٢٢ للهجرة ( ١٤١٩ م ) (٤) . اعتقد بالحروفية خلفاؤه بعد مقتله ، وقد توفى خليفته الأول « حضرة على الأعلى » فى سنة ٨٢٢ للهجرة (١٤١٩ م) .
وانتقل الحروفيون بعد اضطهاد حكومة المغول لهم إلى تركيا وهنالك إشارات وردت فى بعض كتب الحروفين تشير إلى أن الاعتقاد بالحروف كان شائعا فى الإمبراطورية العثمانية منذ زمن محمد السلطان الثاني الفاتح ، وأن مفتي القسطنطينية كان قد حرم تعاليمهم وأمر بتقتيلهم وإحراقهم في النار (٥) . على أننا نسمع من مصادر موثوق بها أن الحكومة العثمانية قتلت شاعراً من شعراء الحروفية اسمه « ثمانى » (Tamannei) مع جماعة من أبناء مذهبه فى عهد السلطان بابزيد الذى أسره تيمور فى معركة أنقره سنة
٨٠٤ هـ ( ١٤٠٢ م ) والذى نوفى بعد ذلك بمدة قليلة (١) وربما فى نفس السنة التى قتل فيها فضل الله الحروفى .
والظاهر أن تنكيل السلطان بابزيد ومن جاء من بعده بالحروفين أوقف دعوة الحروفيين وجعلهم يتكتمون ويتظاهرون بزى الدراويش البكتاشية ، على أن البكتاشية نفسها لم تنج من اضطهاد السلاطبن العثمانبين مثل السلطان محمود (١٢٤١ هـ) ( ١٨٢٥-١٨٢٦ ) . وقد ترك هؤلاء الحروفيون آثاراً فى الأدب التركى بما ألقوه فى هذه اللغة من كتب وبما نظمه شعراؤهم من أشعار (٢) . وقد بحث المستشرق الإنكليزى « جب » فى كتابه تاريخ الشعر العثماني (٣) عن أثر شاعرين تركبين كانا من معتنقى مذهب الحروفية هما « نسيعى »و « رفيعى » كما بحث عن مخطوطات أخرى تتعلق بهذه الفرقة (٤) وقد نشر اسحاق افندى بعض كتبهم مثل كتاب « عشقى نامه » لفرشتازاده عبد الحميد بن فرشتا عز الدين (٥) .
