الايمان والعلم :
لا حاجة بنا إلى إفاضة الفول فى أن العلم بمعناه الحالى - وهو اليقين والاثبات المبنى على التجربة والمشاهدة الحسية - إنما هو من ادوات الايمان بالخالق للدير . فلو فرضنا وقالت كل الفلسفات والجدليات إنه ليس هناك خالق للكون لظل العلم وحده يقول بوجود ذلك الخالق . لان كل ما فى الطبيعة يشير وبصبح بأن له خالقا عالما يقف أمامه العقل العلم جائزا دهشا من سر صنعته وتركيبه وإعداده الأشياء للحياة
" صح . واعتقادى ان اكبر خادم للايمان هو العلم الكونى ، وان المختبرات والمعامل لو أنصف الناس لعدوها من أقدس المحاريب التى يعبد فيها الاله وبنعت بما يليق بكماله وجلاله . والالحاد بين علماء الطبيعة الطبيعة اقل منه في أى طائفة من طوائف علماء العلوم او الفنون الاخرى . ولذلك قال القرآن إنما يخشى الله من عباده العلماء " وصدر الآية يدل على أن العلماء هنا مقصود بهم علماء الطبيعة والتأملون فيها إذ يقول " الم تر ان الله انزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها ، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغراييب سود ، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف الوانه كذلك . إنما يخشى الله من عباده العلماء "
ولو ان علماء الطبيعة الطبيعة يدخلون معاملهم ومختبراتهم مستحضرين روح العبادة كما يفعلون إذ دخلوا إلى المعابد إذا لتنزل عليهم إلهام وتوفيق ولدت لا تفنى .
١ - لJ - ما 1 N العلم لا سلطان له على البحث في ذات الخالق لانه ليس من مجاله مجال الحواس ، وإنما يستطيع ان يستنتج سفات الخالق . وهو فى هذا الاستنتاج يلتقي مع الفلسفة ، فأرسطو الفيلسوف وارسطو العالم الطبي النفيا فى إثبات السبب الأول "
وكذلك اسحق نيون الفيلوف والعالم النقيا فى قوله ) إن خالق هذا الكون على علم نام بعلم الميكانيكا ! " وقل مثل ذلك في بقية العلماء الالهيين كياستور وغيره من العلماء الذين إن الحدوا فى إله الكنيسة فان يلحدوا في إله الطبيعة الذي هم اقرب الناس إلى معرفته وتقدير صفاته .
ومن المؤسف أن إله الكنيسة فى أغلب الأديان غير الاله كما يدركه العلماء فى الطبيعة . هو إله بشرى يتشكل فى اجساد البشر فى بعض الاديان ، خاص بقبيل من الناس فى بعضها الآخر ، محب للدماء في البعض الثالث ، محب لعذاب الناس وفناء اجسادهم فى البس الراهن مد فيه ناسوت ولاهوت واقانم متعددة في البعض الخامس . وهكذا وهكذا مما يعذر العلماء السائرون مع الفطرة البسيطة إذا كفروا به وامنوا بمن يجدون يده فى الطبيعة
وهنا بماز الاسلام اميازا رائعا في تقديم صورة للاله هي أسمى ما يمكن أن يدركه عقل علمي عن الكمال الالهى مع بساطة واستيعاب هما سر الفطرة وطابعها الذي ياخذ بنواصي جميع الناس علمائهم المنتهين وجهالهم البتدئين ومن بينهما فى آفاق المعرفة والادراك في التطبيقين وفي خط الاستواء وفي الشرق والغرب .
1111 والواقع ان كل الاديان الالهية قدمت هذه الصورة التى يدرسها العقل . ولكن يد التحريف وحب التاويل وتزيدات الكهان وعوامل الفناء التى لحقت الاديان وتقلبات الحوادث بنصوصها الأصلية هي التى مسخت الصورة الرائعة الكاملة التى قدمها الرسل عن الاله كما أوحى إليهم .
لقد وصف الاسلام الاله بما يرضى جميع الناس ، فوصفه بأنه جبار قهار ، ورح لطيف ، ومنتقم ورؤوف ، إلى آخر الأسماء الحسنى حتى يرضى امثال زنوج افريقيا وبرارة التبت الدين لا يعبدون الاله إلا إذا كان جبارا ، ولذلك يصورون آلتهم كالقيلة بصور هائلة ذات عدة رؤوس وايد وارجل ، وليرضى امثال اليونانيين الدين كانوا يتخيلون الهة متعددة للرحمة والجمال والتناسق والقوة والحب والحرب وغيرها .
. - وكان الاسلام يقول لهؤلاء وعؤلاء : ربكم واحد فيه جميع ما تتصورون جميعا من السنات الحسنى ، فالتفوا جميعا فى رحابه بعبادة واحدة وأسلموا وجوهكم وقلوبكم إليه . " وقد المشرق
والمغرب فأينما تولوا فم وجه الله إن الله واسع عليم " وهو الذي فى السماء إليه الأرض إليه " ) هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر . سبحان الله عما يشركون ، هو الله الخالق البارىء المصور . له الأسماء الحسنى "
٠ . سر ولذلك حينما وصف الاسلام لنيتشه أوشوبنها وور - لا أذكر - قال لمحدثه " إذا كان الاسلام كما وصفت فنحن كلنا مسلمون : " مع أنه كان ملحدا متكرا لعقيدة الجماهير
ولبساطة العقيدة الاسلامية ووضوحها وقوتها وتمشها مع الفطرة لم يجد الالحاد طريقا إلى الذين اشتغلوا قديما بالفلسفة والعلم من المسلمين ؛ لأنهم كانوا مزودين بتلك الصور الواضحة البسيطة من قضايا الدين . وكانت الفروض التى تراوها فى الفلسفة اليونانية والهندية والفارسية فروضا ناقصة أو معقدة او مختلة لا تهض أمام ذلك اليقين الفطرى الذى يستطيع الفلاح والفيلسوف ان يفهما ويعتقداه بكل راحة وطمأنينة فى الاسلام
وعلى الكس عند غير المسلمين ، فقد كان كل فيلسوف لا بد ان يكون " هر طبقا " ولذلك كان كل من يدرس الفلسفة مطاردا من السلطة الدينية لانها تعلم ان العقيدة المورونة تهزم امام التفكير ؛ ولما خابت المطاردة ، نظرا إلى نزوع الناس وتطور الزمان وهجوم العلوم ، زعموا ان الدين قلى وجدانى فقط لا أثر فيه للتفكير ، وإنما يستند إلى ذلك الشعور ، ليقولوا بعد ذلك إن الانسان يستطيع أن يجمع بين متناقضين أحدهما يسكن فكره والآخر يسكن قلبه ؛ مع أن أساس الدين قائم على التفكير وإلا ما لزمت حجة الله احدا من خلقه مادام فكره لم يعقل ولم يفهم وهو منصف ، بل مادام فكره ينقض ما يأتي به الدين فى بعض الاحيان
11 - H : ومن المؤسف انلح ورتوا هذه الفكرة الباطل . وخرا من أرباب الأديان الأخرى ، مع ان الاسلام قاتم على التفكير ، وحجته العقل ، ومعجزته عقلية داعمة تسير مع رشد الانسان وتقول له لا تقف ما ليس لك به علم " والدين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ! "
ج سر وآفة الاسلام هى جول اكثر المسلمين باصوله وتفاصيله ، واتباعهم القضايا التى لم يمحص وتنطبق على بيئهم وما فيها ،
وتسليمهم بالنظريات الغربية كما يسلمون بالمسائل العلمية المادية واحسب ان اكثر قادة الفكر والمصلحين الغربيين لو اتيح لهم ان يطلعوا على الاسلام الصحيح لتغيرت احكابهم التى ارسلها فى مسائل الخلاف بين الدين والعلم . ويكفى دليلا على ذلك مقال فلتير فى مارتن لونر : " إنه لا يصلح ان يحل نسل محمد . مع ان فلتير لم ينصف محمدا للسيرة المشوهة التى لم ينهيا له ان يعرف عن محمد سواها
. سر ومن قرأ كتاب " الزيجية تبحث عن الله " لبرنارد شو يدرك ان " شو " ارتفع بمحمد والاسلام إلى قمة الأنبياء والنبوة . وسيرة " جوبه " يدل على انه افتن بالاسلام ، ولذلك شرع فى تعلم العربية وفي تاليف " رواية " عن محمد . وقد مدح اسلوب القرآن وطريقته ككتاب دين . وكلمة شوبنها ور او نيتشه التى أشرنا إليها سابقا تدل على أن أى عقل متمرد قد يجد سلامه وطيا نينته فى الاسلام . ومقال كارليل عن رسول الاسلام لا يغيب عن بال أحد
وهكذا وهكذا مما لا مجال لذكره الآن ، ومما يبين قوة غزو الاسلام للعقول المتمردة والآراء الفلسفية ، ومما لا يصح معه إدخاله مع غيره فى مسائل الخلاف بين العلم وادين واعتقادى ان الاسلام عز الذي يستطيع وحده أن يحمي الايمان من ان يجرفه تيارات المادية والالحاد ، وهو الذي يستطيع ان يقره فى كل نفس كما هو فى الطبيعة البشرية بجانب " نزعة الاثبات ( التى انتجت العلم و " نزعه التأمل " التى انتجت الفلسفة بحيث يعود الايمان باعث فخار بين الناس كما كان وكما يفتخرون الآن بالعلم والفلسفة ، لا كما يفضى بعضهم منه حياء إذا قيل عنه إنه مؤمن . وترجمة هذا القول عند الجهال بالعلم والدين معا : إنه محرف .
وقد ترا تمت عقد خنية فى نفوس إنسانية هذا العصر حول الدين لان كثيرا من الذين يتسبون إليه حملوا عليه ميرانا كبيرا من الخرافات ومن تضيبق الواسع ومن غباوة بعض رجاله الذين لا يعرفون للهمة الاصلية فيه ، ومن يحويل التدين إلى نوع من الهتريا المنفعلة المغفلة عن حكمة الله فى اختلاف الانسانية فى الآراء والمعتقدات . وكم هى كبيرة جناية الرموز الترص وثياب رجال الدين
وشاراتهم وسماتهم التى تميزوا بها من غيرهم ! إنها جناية بحويل الملكية العامة إلى احتكار وجناية اقامة السدود والفيود على الطريق الواسع الذي يوصل كل شخص إلى الله وجناية تحديد أبواب معينة لا يحل لاحد ان يجتاز إليه من غيرها ، وجناية إقامة حراسة وخفارة عليها من فئة معينة ربيت تربية خاصة منفصلة عن تربية بقية الناس لا يدخل أحد إليه إلا باإذنها . وجناية تحديد بقع ضيفة من الأرض لا يحل التعبد له إلا فيها ، بعد بخور وعطور وطبول وزمور . كامهم يستحضرون عفريتا من الجن إلى حفلة زار : "
وقد أطلق الاسلام الدين من كل هذا الذي الصفه به الأطفال والمجسمة والمشبهة ، وجرد محيط العبادة من التمانيل ، والصور والرموز ، وجعل الأرض كلها مكان عبادة فأعاد إلى الطبيعة قيمتها كمراب دائم للصلاة . وجعل روح الدين فى الشارع والسوق كروحه فى المسجد : ففي السوق والشارع عبادة عملية ، وفي المسجد عبادة نظرية هي موقف نصفية وجرد لشئون الحياة كلها !
- سر ولم يجعل طبقة معينة محتكر شئون الدين وتلببس زبا خاصا بها بل حتم على جميع متنفيه ان يكونوا علماء به ما امكهم العلم ، ورأى لانمته الا يتزيوا بزي خاص بهم حتى لا يشعر الناس بانفصال حياة الدين عن حياة الدنيا .
ولو فهم الناس ان الدين فى الشارع والسوق اهم منه فى المعبد لتغير وجه الحياة وسير التاريخ ، ولحت المشكلة التقليدية الموروثة العنونة " الدين واك نيا "
من هنا يتبين لنا ان عبء المسلمين فادح وحسابهم عسير امام الله والحق والبر بالانسانية ، لأن إهمالهم اصلاح نفوسهم وتثقيفها وإعدادها بما في الاسلام لاداء رسالته العالمية هو الذى يجر على الناس كل الشقات والمصائب والحيرة والضباع ، وهو الذي يخرج من حظيرة الايمان كل عقل غربي كبير بما يفرؤه من الفروض الفلسفية وبما يلمسه من وجوه الخلاف بين قضايا العلم وبعض نصوص دينه المتهافتة التى تدل أول نظرة صحيحة إليها انها من غير المنبع الالهى .
ومن الثريب المؤسف ان الفائمين على الشيوعية او الفوضوية مثلا يجاهدون في سبيلها جهدا مستميتا لينشروها ويجعلها دين الناس ويحسبون انفسهم اصحاب رسالة يجب ان تتم وتشمل الارض جميعها . . بينما المسلمون الذين عندهم علاج كل نكبة فى العقل او فى النفس او فى المال يجهلون مهمتهم ولا يؤدون رسالتهم كما كان أجدادهم الأقدمون يؤدونها ويموتون فى سبيلها على ضفاف الكنج وأسوار السين وشواطئ بحر الظلمات ، وهم معتقدون انهم يؤدون إلى الناس اعظم خدمة وأكبر منة تطيب بها نفوسهم عن اقتحام ديارهم وثل عروشهم وهدم استاءهم الحسية والمعنوية !
إن إنسانية الشرق والغرب لا تزال حائرة ترسل روادها وارسادها " للبحث عن غد " يشرق عليها فحاه وهى فى واحة الهلام والطمأنينة . لا تزال " زنجية تبحث عن الله " ! والمسلمون الذين اسيدهم الله بمعرفته وبالطمان نينة والهدى لا يشعرون بنبه انهم الثقيلة مجوها ، ولا يزالون يعيشون لاجسادهم وانفسهم فقط . بل إن الثقة بما عندهم قد ذهبت عنهم . وقائل الله الجهل وحياة الفسولة ) الرسمية (
