الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد السادسالرجوع إلى "الرسالة"

الخجول

Share

خجول بطبعه، ضعيف الثقة بنفسه، إن تحدث ظن  حديثه مملولا فيقتضبه، أو معروفا فتحمر بالخجل وجنتاه،  ويبتل بالعرق جبينه. . ويحاول التخلص من موضوعه فلا  يعرف، فيتلعثم لسانه، ويموت على شفتيه كلامه.

إذا أراد شراء حاجة، كان كمن يحاول فعل شىء محرم،  فهو يخرج من شارع الى شارع، ويمر من أمام حانوت إِلى أمام  حانوت، دون أن يجرؤ على دخول واحد منها!! ولا يزال  كذلك حتى تكل رجلاه، فينكفئ راجعاا إلى بيته؛ فاذا  كانت الحاجة شديدة، نسى خجله لحين، ثم استجمع ما استطاع  من الشجاعة، ودخل رابع حانوت يقابله. فيطلب ما يشاء فى  صوت المسترحم، فاذا ما أحضر اليه، لم يفكر فى جودة الصنف  ولا فى غلاء الثمن. . بل يؤدى الثمن فورا. . ويغادر المحل  منتصرا. .!!

إذا قابل صديقا انضمت يمناه إلى يسراه وأخذتا تتحاكان!  فاذا كانت إحداهما مشغولة، ارتفعت الثانية إلى ذقنه. . أو  إلى طربوشه. . أو إلى أذنه. . . .

والسلام! أمر ما أشقه! فهو يبدأه والصديق على مسافة  طويلة، ثم يحيى بصوت خافت لا يكاد هو يسمعه.  هذا إذا كان الصديق بأزائه، ولا مفر له من لقائه، أما  إذا استطاع أن يهرب فهو يوفر على نفسه كل هذا العناء  فى خفة يحسده عليها اللص!

إذا دعوته إليك، اعتذر وبالغ فى الاعتذار، فاذا الححت  فى الدعوة، دفعه خجله إلى الإجابة، وكم تكون تضحيته  عظيمة فى هذه الحالة! فهو يتحمل ساعة ما أشقها على نفسه!  كلها عمل وإجهاد فكر. . . لا يكاد يدخل الحجرة حتى يصطدم  بأول كرسي يقابله، فاذا ما حاول إعادته إلى وضعه الأول  اصطدمت يده بالمنضدة. . . .

إذا قدمت اليه القهوة اعتذر عن شربها. . ولكنه يتناول  الفنجان عندما يقدمه اليه صديق، ولا يكاد يمسكه حتى  تقوم فى الفنجان عاصفة تدفع بالقهوة يمينا وشمالا، ولا

مفر لها من هذا الاضطراب، ما دام هو بعينه حال يده. .!!  إذا طلب اليه صديق أن يقرضه مبلغا من المال، امتدت  يده إلى جيبه فأخرج المطلوب دون وعى ولا تفكير!! وقد يحتاج هذا المال بعد أيام، وتضطره الحاجة إلى  الذهاب إلى صديقه، فإذا ما بلغ البيت  نسي سبب المجىء،  وكاد يعود أدراجه. . . ولكن الحاجة تلح عليه. . فتدفعه  إلى داخل المنزل. . فاذا ما قابل الصديق نسى كل شىء. . .!!  

وهو شاب مثقف، له غرام بالأدب الحديث، وله آراء  سديدة فيه، ولكنه عندما يعارض، ينسى آراءه ويعتقد  أنها خاطئة، وإن كان لا يعرف وجه الخطأ فيها. . .!!

قدر لى أن أسمع حديث حبه وغرامه. .، وقد كان هذا  منه غريبا، ولكن أغرب منه غرامه، فقد رأى حبيبته مارة  أمام بيته فى خفة الغزال، وجمال الزهرة، فأعجب بها، ووقع  فى شراك حبها. .، وكان يظفر منها كل يوم بنظرة فى هذا  المكان وفى هذا الوقت. . أما اسمها ومنزلها وأسرتها فذلك  ابعد شىء يفكر فيه. . .

أليس الخجل كالتردد (مرضا من الأمراض يصيب  المرء فى حياته العملية فيغل يده ويشل عقله) ويجعل الحياة فى  نظره عبثا لا يحتمل، ولغزا لا يحل؟

اشترك في نشرتنا البريدية