الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 330الرجوع إلى "الثقافة"

الخرافات، ماضيها وحاضرها

Share

المعروف أن العادات الخرافية تستعصى على الدثور ، وأن من الحقائق التى لا تقبل الشك أن حياة الأمم المتمدنة ما زالت تتعثر فى عادات واعتقادات يرجع أصلها إلى ما كان يمارسه أسلافهم الأولون من سحر وخرافة وهذا ما يبعث اليأس والقنوط لدى الذين يترقبون اليوم الذى تزول فيه أصفاد تلك العادات وأغلالها .

والتطور - على أية حال - يمشى وئيدا . وهذا سر بقاء الكثرة العظمى من تلك العادات فى صورها المهذبة المصقولة .

وللحد من بأس البائسين وتشاؤم المتشائمين يذكرنا العالم السير جيمس فريزر بما اندثر من الخرافات .

ومع هذا فان مما يثير العجب إصرارنا على التمسك ببقايا عادات السلف . ونحن وان كنا قد تركنا عادة قراءة البخت بوساطة أمعاء دجاجة كما يفعل أهل جزائر الهند الشرقية ، فان من الناس من لا يزال يعتقد أن المستقبل يمكن أن يقرأ بادمان النظر فى كرة من البلور . ومنهم من لا يزال يعتقد أن مصيرنا تقرره خطوط راحة الكف .

ونحن إن كنا لا ندفن اليوم أناسا أحياء تحت أسس بناية من البنايات كما كانت المادة متبعة إلى زمن قريب بين أهالى بلاد غرب الباسفيكى ، فقد أصبحنا ندفن بدلا من الرجال الأحياء قطعا من النقود . . .

وقد انقضى العهد الغابر السعيد يوم كان العريس يضع قدمه فوق رأس عروسه ليؤكد ماله عليها من سلطان .

واليوم يربط العرائس الخبيثات حذاء فوق العربة التى يستقلها العروسان لتذكر العروس بما كسبت ولتذكر العريس بما خسر . . .

وكم من الآلاف الذين يشاهدون حفلة تعويم احدى السفن الكبرى من يعرف دلالة النبيذ الذى يسكب فوق مقدم السفينة وهي تنزل إلى الماء ؟

فالى زمن قريب نسبيا كان سكان جزر غرب الباسفيكى يسحبون قواربهم الحربية وهى تنزل إلى الماء فوق أجساد ضحاياهم حتى ينبجس الدم فوق جوانب السفينة .

وكان جرانت من أوائل من افتوا النظر إلى العلاقة المباشرة بين النبيذ الأحمر الذى يسكب اليوم عند تدشين السفن وبين الدم . . .

وبعد فليس يصيب الضر أحدا من الناس إذا اعتقد أن حدوة حصان تبعد الشر وان سكب الملح مجلبة للشر .

ولكن مثل هذه الصبيانيات تحمل في ثناياها الدلالة على أن العقلية الهمجية التى كانت مهدا لمثل هذه العادات لم تستأصل جذورها بعد .

ففى جزيرة سوماطره لخمسين سنة خلت أو أقل كانوا ينتخبون الملاك الحارس للقبيلة بطريقة فى منتهى الوحشية : فهم يختارون صبيا طيب السيرة ثم يأخذون عليه عهدا بأن يحمى القبيلة من الأخطار بعد موته . ثم يرمى به فى حفرة ويصب الرصاص الذائب فى حلقه . وبعد هذه الميتة الشنيعة يؤكل لحم هذا الشهيد الصغير المسكين بإحتفال ثم تحرق عظامه ثم يؤخذ الرماد وتؤخذ بضع شعرات من شعره وتوضع فى جرة فتصبح هذه المخلفات ملاك القبيلة الحارس . .

وهذه بالطبع عادة من أشنع العادات ، ولكنها هل

تختلف فى جوهرها من عادة حمل بضع شعرات من شعر الفيل أو عن عادة لمس الخشب . وهي عند المؤمنين بها تذود الشر وتمنع وقوع المصائب . .!

ومن العادات البشعة التى كانت منتشرة فى نيوزلندا فى الزمن القديم أن لا تصبح الفتاة زوجة إلا إذا جىء بها وبعريسها ليلة الزفاف وشد وثاق كليهما وأجلسا ظهرا إلى ظهر وحرم عليهما النوم أربع ليال سويا ، وإذا بدا عليهما أي ميل إلى الاغفاء تولى الحراس الأشداء عملية الايقاظ . وفى صباح اليوم الخامس يسمح لهما أن يريا وجوه بعضهما ويصبحا من تلك الساعة زوجين . . .

ومن العادات الشنيعة التى كانت سائدة في الأزمان الغابرة ما يمت إلى عادة من العادات المستحبة فى زماننا الحاضر .

فاليوم يعلق السيدات فى نحورهن علبة صغيرة من ذهب أو فضة وفى هذه العلبة صورة مصغرة لطفل أو

خصلة من شعر حبيب ، ويرجع أصل هذه المادة إلى ما كان يتبعه بعض الأقوام .

فقد كانت تذهب الأم إلى قبر وليدها بعد أن يمر عليه فى القبر بعض الزمن وتخرج الجثة ثم تنظف الجمجمة وتعلقها فى رقبتها ثم تصنع من عظام طفلها عقودا تهدى إلى الأقربين من أهله . . . .

وفى اوستراليا الوسطى ينبطح الأب على جثة ابنه ثم يتولى نساء القرية ضرب الوالد بلا هوادة ولا رحمة .

وفى بعض جزر المحيط الهادى كانت الزوجة إذا مات زوجها نامت إلى جانبه مائة يوم . . .

وفى بعض الجزر الأخرى إذا كان الميت زعيم قومه أدخل قريباته عليه وهو مسجى وبقين إلى جانبه يؤتى اليهن بالطعام حيث هن ولا يبرحن مكانهن حتى تبلى جثة ذلك السيد .

عن الانجليزية

اشترك في نشرتنا البريدية