الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 185الرجوع إلى "الرسالة"

الدفاع المقدس

Share

قانون الحياة مادتان : هجوم على القوت , ودفاع عن الذات . وما كلمات النباهة والمجد والخلود إلا طعوم مغريات فى يد الطبيعة , تتذر ع بها إلى ضمان الحياه بالوفرة , كما تتذرع بالجال والشبوة واللذة إلى بقاء النوع بالولادة . فالحى الخليق بالبقاء تتوفر فيه ولا ريب قوة السعى لنفسه , وقوة الوقوف لغيره فاذا فقد هاتين القوتين أو إحداهما كان طفيليا على مائدة الحياة , وفضوليا فى ملكوت الطبيعة . وليست العزة التى تملك القاصر حين يرشد , أو التابع حين يستقل , إلايقظة الأنانية فى طبعه , وثورة الحيوية فى دمه . وهذا الذى تشهده اليوم فى مصر المستقلة من التسابق إلى إعداد القوة , والتنافس فى إنشاء الدفاع , إنما هو استكمال لاحدى وسيلتى العيش , واستشعار لأرقى طبيعتى الوجود . فقد كانت مصر قبل عهدها الجديد تجرى على قدر مجهول فى الغيب , وتعيش على خطر معلوم من العدو , ثم لا تجد فى واديها ولا فى ايديها ما يدفع الغارة ويمنع الحوزة , فهى كالمرأة حمايتها على الزوج , وكالقاصر تبعته على الوصي . لذلك

خشعت نفوسها أمام القوى الساطية خشوع الوحش الداجن إذا  حُطم نابه وقُلَّم ظفره ,فلا تدخل في شر , ولا تشارك في مراء,  ولا تملك من دون وليها المحتل نفعًا ولا ضرا .كان ذلك  وأكثر الدول السيدة الأيَّدة كالبلجيك واليونان والترك  لا يطولها أصلا ولا يكثرها نفرا ,ولا يفوقها ثروة .وكان ذلك  والقوة هي الدستور النافذ في الأرض؛ فالتسليح خطة السياسة ,والحرب عماد السلام ,والمنفعة حجة القانون ,وعصبة الامم والمعاهدات (منيكير) (1) لمخلب الأسد ؛ولكن الإحتلال  الذي غلَّ اليد وشلَّ الإرادة قد سلبنا فيما سلب الثقة بالقدرة , والاعتماد على النفس ,فكنا فقراء مع الغنى ,أذلاء على الكثرة , لا ندري على اليقين قيمة ما نملك ولا مدى ما نطيق

أما اليوم وقد تحطمت حلقات القيود على ضغط الجهاد المُلح والزعامة المخلصة , فها هي مصر طليقة على سجيتها , سافرة عن طويتها , قد عصفت فى رأسها النخوة ، وتمرد فى نفسها التاريخ ، فهى تتأهب لإعلان قوتها واعزازكلمتها وتحصين عزتها فى ميادين الحرب الثلاثة ! وهاهم أولاء أبناؤها الميامين البررة يتدفقون فى التبرع السخى لمشروع الدفاع الوطنى تدفق الدماء الحية فى قلوبهم الحرة ! وسيدهش العالم لهبتهم العاصفة , كما دهش من قبل لغفوتهم الثقيلة , فإن - مصر فى كل شىء فريدة عجيبة !

لقد هبوا أول الجهاد فسخُوا لها بالأنفس , وهم يهبُّون اليوم اول النصر ليسخوا لها بالأموال ! وعلى قدرالإخلاص والتضحية في الهبة الاولى , سيكون البذل والايثار ولا ريب فى الهبة الثانية

صحيح ان تلك النهضة بدأت من الشعب وانتهت إلى الحكومة , وان هذه النهضة إبتدأت من الحكومة وستنتهى إلى الشعب ! ولكن ذلك لا يقدح في حقيقتها , ولا يشكك فى نتيجتها , فإن حكومة اليوم هى شعب الأمس ,والذين ألبوا

الأنفس على ذل الاحتلال ، هم أنفسهم الذين يحمسون الأفئدة لعز الاستقلال ؛ و بين عرش المُلك , وكرسى الحكم , ومقعد البرلمان , ونام ناشئ من خلوص النية , وانسجام قائم على وحدة الغاية ولن يهلك على خلوص النية رأى , ولن يصل على وحدة الغاية سبيل

افتتح التبرع للدفاع المقدس الوزراء فتبعهم الموظفون ؛ فهل يفتتحه من الجانب الآخر الأمراء والأغنياء ليتبعهم الأهلون ؟ يريد الوطن الضعيف الأعزل من أولئك الذين ربَّبهم على دلال السرف , وقلَّبهم فى أعطاف النعيم ، فحشا أهبهم بخيره ، وأفعم خزائنهم بذهيه , وبسط ملكهم على أكثر أرضه , ومد نفوذهم على معظم بنيه , ان يعززوه ليُفى' عليهم , ويسلحوه ليدافع عنهم , ويبروه ليدوم عليهم بره وظله

ما الذى يحبس هذا الامير المترف ان ينفق على سلاح وطنه مثل ما ينفق على سلاح صيده , ويبذل فى سبيل أمته بعض ما يبذل فى سبيل شهوته ؟

وما لهذا الباشا البطين صاحب الهيل والهيلمان , وملك الثيران والأطيان , ورب النفوذ والسلطان , يقر أذنه عن نداء وطنه ، وإنما عظمته من فضله , وعزته من أهله , وثروته من ثراه ! أيتلكأ الباشا ويتباطأ الأمير حتى تنشا عدة الدفاع مما يرضخ به الفقير والأجير والعامل ؟ وهل ترك هذا أو ذاك لأحد من هؤلاء شيئا يعطيه ؟ وهل من المروءة أن يدعا الفقير أو الأجير يتبرع من قوته وهو لا يكفيه ؟

سادتى أصحاب السمو وأرباب السعادة ! إن الفقير يغذيكم طيلة العمر بعرقه , وسيدافع عنكم يوم الفزع بدمه , ولن يكلفكم هذا الصابرالمسكين إلا ان تشتروا له الفأس , وتقدموا له السلاح , فهل هذاكثير ؟

اشترك في نشرتنا البريدية