هل للفلسفة قيمة العلم واعتبار اليقين في بحث الله وبحث ما وراء الطبيعة كقيمتها واعتبارها في بحث العقل الإنساني وفي بحث القيم الأخلاقية؟ هل للدين اعتبار فحسب فيما يحكيه عن الله وعن عالم ما وراء الطبيعة أم يتجاوز اعتباره في نظر العلم إلى دائرة الإنسان؟
أطال فيلسوف المذهب الألماني (كانت) في الإجابة عن هذين السؤالين، ولم يرتض مكس شلرMax Scheler من الفلاسفة العصريين ما ذهب إليه فيلسوف كونس برج Konsberg بشأن الدين.
هل الدين يعادي العلم أو يؤاخيه؟ وهل في طبيعة الدين ما يساعد أو يمنع الاستمرار في البحث والاسترسال في التفكير الحر؟. . .
تناول كثير من الكتاب علاقة الدين بالفلسفة على هذا النحو، وهي علاقة الدين بالعلم في نظرهم. ولم تخل الإجابة من تحيز لطرف منهما، أو من سوء تحديد لميدان كل منهما، أو عن سوء فهم لطبيعة الدين أو لحرية الفكر والبحث العلمي.
لا عن هذا ولا عن ذاك أريد الآن الكلام. بل أريد فحسب أن أضع أمام القارئ مادة للإجابة عن سؤال يتصل بعلاقة الدين بالفلسفة كذلك على نحو آخر وهو: هل من مصلحة الدين أن يجذب نحو الفلسفة؟ وهل من مصلحته أن يفلسف بأن تشرح حقائقه بآراء الفلاسفة؟
في العصر الحاضر يميل بعض العلماء الشرح القرآن بما عرف - وتستجد معرفته - لعلماء الطبيعة والكيمياء، وعلماء الهندسة الميكانيكية والكهربائية، وعلماء المعادن والأحياء؛ وبالجملة يميل إلى شرحه في ضوء العلم والفلسفة. ويذهب إلى
أبعد من هذا في وضع منطق ديني لمعرفة الصحيح والفاسد من الدين؛ وقوام هذا المنطق الديني الأقوال التي تذكر في استحضار الأرواح، وما يدور حول التنويم المغناطيسي، ونظرية الأثير و(التجارب الحسية) على إثبات الروح.
وقديماً مال فلاسفة المسلمين وبعض علماء الكلام إلى شرح العقيدة الإسلامية في الله وفي صفائه، وفي صدور العالم عن الله ونشأته عنه، وفي ملائكته ورسله، وفي الجنة والنار،وفي الإنسان: في روحه ونفسه، وفي صلة جسمه بروحه، وفي مستقرها ومستودعها، بما نقل عن فلاسفة الإغريق خاصاً بالمبدأ الأول للكون وبنشأة الكون عنه، وخاصا بالأفلاك وبالنفس الكلية التي هي نفس العالم وبفيضها على النفوس الجزئية، كما مال فريق آخر من هؤلاء القدماء إلى شرح الآيات الكونية بما عرف لبطليموس وأقليدس من فلاسفة اليونان الطبيعيين والرياضيين.
وكما ادعى فلاسفة المسلمين الأولون ممن فلسفوا العقيدة أن تفلسف العقيدة وشرح حقائقها بالآراء الفلسفية وسيلة من وسائل تقويتها وعنوان على تطابقها مع الفلسفة اليونانية، وفي ذلك إبراز لكمال العقيدة، لأن الحكمة اليونانية - هكذا ظن أو اعتقد هؤلاء الفلاسفة من المسلمين - تمثل أعلى درجة من المعرفة وارفع مرتبة من الفضائل. يدعي كذلك بعض العلماء المعاصرين المفلسفين للعقيدة أن تفلسف الدين إبراز له في ثوب ملائم للعصر وموافق لأهم مظاهره - وهو مظهر العلم - وبذا يقرب من نفوس الخاصة المثقفة من المسلمين، ويقرب كذلك من إفهام بعض العلماء الغربيين الذين أساءوا إليه عن (جهل بحقيقته) ، وفي الوقت نفسه يبرهن على (صلاحيته لكل جيل وزمان) .
والإنسان الحديث ربما يسر لهذا اللون من الشرح، بل ربما يتحيز له ويدعو إليه لما فيه من جدة لن تؤلف، ولأنه يدل على أن (الكتاب لا يفرط في شيء) ، كما هلل إنسان القرون الوسطى قبله، وبالأخص إنسان القرن الثالث والرابع الهجري، لخلط الدين بالفلسفة الإغريقية، وذهب في هذا الخلط إلى حد بعيد.
ولكن وراء سرور الفرد ووراء انفعاله وإكباره لهذا العمل
عبقة نقدمها لأبناء الإمبراطورية يوم يزف لهم النصر الأخير.
وأنتم أيها الجرحى فلتهنأوا بما متعكم الله به من أوسمة لا تخلع وبما حمدته لكم البلاد من بلاء لا يجحد. إذ أنكم أقمتم الدليل على أنكم لم تهابوا الموت ولم ترحموا العدو حتى تقاكم بما عطلكم عنه أياماً نرجو ألا تطول لتتمكنوا من العودة إلى حيث تسهرون عينه وتطيرون لبه؛ فلا يقوى على حمل السلاح ليتقيكم به، بل يتقيكم بما يكف أيديكم عنه (وهو الاستسلام) لأنكم لم تقصدوا تعذيب بني البشر وإنما قصدتم أن تهزموا الشر الذي كان قد استحوذ على النفوس فأغواها وأضلها عن السبيل السوي والخير المشترك.
(الخرطوم)
جريدة (الإصلاح) في عامها الخامس
دخلت جريدة (الإصلاح) التي يصدرها بالسنبلاوين الأستاذ عبد الفتاح قنصوه في عامها الخامس، وهي أتم ما كانت استعداداً، وأصدق ما تكون اجتهاداً، وأبصر بالغاية التي تتوخاها منذ أنشئت، وهي علاج الأدواء الاجتماعية بالحكمة الهادية والموعظة الحسنة،حتى غدت في إقليمي الدقهلية والشرقية وحدة اجتماعية وأدبية لها أثرها الظاهر ومكانها المعروف. و (الرسالة) تقدم إلى زميلتها العاملة اخلص التهنئات بعامها الجديد، وتدعو الله أن يديم عليها التوفيق في خدمة الله والوطن.
(مكتوب على الجبين)
بعث إلى الأستاذ محمود تيمور بسفره القيم (مكتوب على الجبين) فأنست إليه وقتاً غمرني فيه بألوان اللذة والمتاع فكان من أسعد الأوقات لنفسي، سعادة العقل بإحساس الجمال، وإرهاف الحس بتذوق الفن، وإمتاع النفس برائع التصوير، وهو إذ يطالع العربية بمكتوب على الجبين يضيف إلى القصة تحفة فنية من الأدب العالي، وصفحات خصبة من القصص السامي، وعالم جديد يظفر بالفكر إلى لحياة الرقيقة، ويشير إلى المثل العليا من العاطفة.
مكتوب على الجبين مجهر ينفذ إلى الأعماق فيظهر وراءه ما دق من خلجات النفوس، ودنيا زاخرة بألوان العواطف. ولم ينهج الفنان فيه نهجه في مؤلفاته الأولى وإنما تجلت في مؤلفه الأخير دقة تعبير، وسلامة نظر، وهدوء طبع، ساعد المؤلف على كشف نواحي مغمورة في أدب القصة. ومكتوب على الجبين مجموعة تنتظم من قصص صغيرة تتناول نواحي حيوية مختلفة بالبحث الدقيق والتحليل العميق، فهو يستلهم فنه من الأعماق 16:27
كما يتصيد الغواص أثمن اللآلئ من أعماق البحر، وهو الآن لا يكتب عن حوادث واقعية وكلها من ابتكار الخيال المحض، فهو إذ يبتكر صورة تكون شخصاً أقرب إليك من أشخاص الحياة، يمتعك الفنان إذ تشهد حوادث القصة وهي تسير سيراً مألوفاً ينفذ إلى النفس حقيقة تتسم بمبسم الواقع ولا يخطر ببال أنها من عمل الخيال الفني البارع في تشبيهاته ومعانيه بالغاً غاية الطرافة والإبداع ما يستهوي النفس ويأخذ بمجامع القلوب قد تأمل أن أذكر لك ما هذه القصص، وفي ذلك عبث بجمالها وسحرها.
صدر الأستاذ كتابه بموضوع فريد عن كتابة القصة الفنية تتلوه أربع عشرة قصة منها: (كان في غابر الزمان - العيون الخضر - ذات مساء - ابتسامة - قلب كبير - و. . . كلها من روائع القصص، وشعاع الحس المرهف، والخيال البديع الذي يخلع على الفن آيات الجمال؛ وللأستاذ أسلوب سهل لين يحاكي النسيم رقة، وأنت إذ تطالع قصصه، سرعان ما تحلق بك إلى سماء الفن، إلى أعالي لبنان وجبالها الشامخة، وبين ربوعها الجميلة وأنسامها العاطرة، إلى الصحراء الواسعة وبين صخورها، إلى المجتمع الصاخب، إلى الموسيقى البديعة، إلى. . . إلى. . . ومكتوب على الجبين هو عاشر مجلد أخرجه الأستاذ محمود تيمور في العربية، وله في الفرنسية، وله في الألمانية مجموعة ترجمها واختارها المستشرق السويسري الدكتور(ديودمار)؛ ولا غنى لمثقف عن مطالعة مؤلفات الأستاذ تيمور عامة، ومكتوب على الجبين خاصة: ففيها غذاء العقل والروح وتعتبر بحق أثمن وأجل ما ظهر في أدب القصة وذلك ما يشهد للأستاذ بالإبداع، ويكتب لآثاره الفنية الخلود. فإلى الفنان أبعث آيات الإعجاب والتقدير. . . والى القصة تهنئتي بأميرها الأستاذ تيمور.
