نشبت الحرب الكبرى الماضية ، فقابلت الشعوب الأوربية المشتركة فيها نبأ شبوبها بعاصفة من الطرب الهاتف الراقص ، وتعددت أساليب التعبير عن الحماسة الوطنية ، فجرت أشهر الصحف والمجلات بفصول تستثير الغيرة القومية ، وتفيض زهوا بالمجد القومى الطارف والتليد . وآذى الخطباء حناجرهم بصيحات التوعد والتهديد . وغصت شوارع باريس بالجند الذين لم يكفوا عن ترديد صياحهم : (( إلى برلين )) . وجاوبتهم الكتائب الألمانية من ناحيتها بذلك الهتاف الذى ترددت أصداؤه فى طرقات برلين (( إلى باريس )) . وعبرت النجدات الانجليزية مضيق المانش ، واندفعت إلى العاصمة الفرنسية تشارك أهاليها فى الهتاف ، وتغتبط بما تسمع من عبارات الترحيب ، وكأنما مست أوربا جنة الحرب ، ولم يبق بها عقلاء يستهجنون مثل هذا الجنون .
وعجز المحيط الأطلسى - على رحبه - عن الحيلولة بين حمى تلك الحماسة الضاربة وبين عبورها إلى الشاطى الأميركى . ودب دبيب الفتوة فى شباب القارة الجديدة ، وانطلقت حناجره بصيحات مماثلة لصيحات الشباب الأوربى ، واشتط شعب الولايات المتحدة فى فورته السياسية ، فطالب رئيسه ملحا باعلان الحرب على ألمانيا ، والمبادرة إلى نجدة الحلفاء . وكان عهد هذه الشعوب بالحروب بعيدا . ولم تكن لتلك الحروب البعيدة العهد القسوة التى انفردت بها الحرب الكبرى . فلا غرو إذا
لم يفهم الشباب فى تلك الآونة معنى للحرب يخرج عن كونها محك البطولة وسبيل المجد .
ولكن (( وودرو ولسون )) رئيس الولايات المتحدة فى ذلك العهد لم يصب بالحمى التى أصابت شعبه ، ولم يستسغ نزعته إلى الحرب ، لأنه كان حكيما عليما ، يطل من علياء حكمته وعلمه على الشعوب المتناحرة فى سبيل متاع الدنيا الفانى ؛ فيربأ بأمته عن الاشتباك فى مثل هذا الصراع ؛ وقضى ثلاثة أعوام يقاوم بمفرده نزوة تلك الأمة الفتية الجبارة ، ويقابل قيامها وقعودها فى سبيل تحقيق رغبتها بحزم وعناد ، فلا يتزحزح عن موقفه قيد شعرة .
ولكن أحداثا جدت لبلاده فجعلت تحاشى الحرب مستحيلا . فقد انبثت الغواصات الألمانية إزاء ساحل أميركا الشرقى . وقطعت خطوط الملاحة بين القارتين القديمة والجديدة ، وجرؤت على اللواء المنمم بالنجوم ، فأرسلت السفن التى تحمله إلى قاع المحيط ، وكبرت خسارة أرباب المصانع والمتاجر الأميركية بعد ابتلاع اليم سفنهم وبضائعهم ، وهاج هياجهم لتلك الكوارث التى أخذت تستفحل ، وقد تغض الدول الطرف عن غنم بقوتها أو غرم يصيبها . إلا ما يمس منهما تجارتها وصناعتها بسوء .
ولم يعد فى الإمكان السكوت على هذا العدوان ، ووصلت إلى مسامع ولسون ضجة غضب شعبه ؛ ولكن دويا آخر كان يدوى فى آذانه فيفض مضجعه . كانت جاليات الدول التى اجتاحتها الجيوش الألمانية وأذلتها ، وجاليات الدول التى ضمتها إليها الدولة الألمانية منذ أجيال واستعبدتها ، تهيب بضمير الشعب الأميركى الحر متضرعة مستنجدة ، معلقة أملها فى استرجاع حريتها على معونته .
ولما وجد الرئيس ولسون ألا مناص من الحرب لحماية تجارة بلاده وصناعتها ، حمله ضميره الانسانى ، وتعلقه
بالمثل الأعلى ، على انتحال أسباب لامتشاق الحسام ، أشرف وأسمى من أسباب المكسب والخسران . فزعم أنه مقبل على الحرب لنصرة أمانى الانسانية العانية ، وتحقيق ما تصبو إليه من حرية وعدل .
وأعلن الحرب ، وأرسل كتائبه إلى ميدانها ، واغتبط الخلفاء بالنصير المؤبد ، واغتم الألمان لظهور خصم جديد ، وقبل أن يبلى جيشه فى ساحة القتال بلاءه ، حضر إلى أوربا وأعلن شروطه الشهيرة التى اشترطها لعقد الصلح .
جعل (( الحرية )) من هذه الشروط حجر زوايتها ، فلم يعن بالتجارة والملاحة من ناحية المغانم والمغارم المادية ؛ ولكنه انتصر لحرية التجارة وحرية البحار ، وأبى أن يعين - بدخوله الحرب - أمة على أمة . فانتصر لحرية الأمم وأيد حق كل منها فى تقرير مصيرها ، وغلبت شروطه لب أصدقائه وأعدائه على السواء ، وانحسم بينهما النزاع وزال العداء .
لم يجىء إنسان قبل ولسون برسالة كان لها هذا الذيوع السريع ، وهذا التأثير فى الجماهير ؛ فقد خفق لها قلب الانسانية بأسرها ، لأن صاحبها لم يأت بدين جديد أراد أن يبث تعاليمه فى قلوب الكافرين به ؛ ولكنه نادى بالمبادئ التى نبض لها كل عرق ، وصبت إليها كل نفس . ووثقت الدنيا باخلاصه ، وآمنت بقدرته على تحقيق ما وعد به . فناطت به رجاءها ، وأولته مطلق ثقتها ، ونادت به منقذا لها ونصيرا .
وغمرت الأفراح - بعد أن وضعت الحرب أوزارها - نجاد الأرض ووهادها . وكلما طافت بذهن الانسانية هموم الحرب وويلاتها ، واطمأنت إلى نجاتها منها ، وطالعها المستقبل من خلال شروط ولسون مشرقا سعيدا ، نهلت من الطرب حتى انتشت .
زعم ولسون أنه لم يجىء إلى أوربا ليضع حدا للحرب
الكبرى ، ولكن ليضع حدا للحرب على الاطلاق ، ومتى امتنعت الحرب امتنعت وسائل الغلبة والقهر ؛ فلن تعرف الأمم غالبا ومغلوبا ، ولن تبلو مذلة وعبودية ؛ فما أسعد الحياة التى يبشر بها ولسون ، وما أشبهها بجنة الخلد !
وكانت لشروط ولسون لذاذة الأحلام ، فما تناولها المفاوضون فى مؤتمر فرسابل بالبحث والتمحيص ، حتى وضح أنها كذلك من معدن الأحلام ، ومن نسج الأوهام ؛ وأفاقت أوربا من غفوتها ، فما آبت إلى عالم الحقيقة حتى عاودها إحساسها بأوجاع الجراح المتخلفة من الحرب ، وعكفت على تلك الجراح تأسوها ، وأذعنت لحكم القدر جريحة قانطة ، بعد أن سما بها ولسون فترة من الزمن فوق متناول الأرزاء الأرضية .
فى ذلك العهد عرف أكثر من عشرة ملايين طفل شقاء اليتم ، وعانى أكثر من أربعة ملايين زوجة رزيئة الثكلى . واحتمل العاملون عبء عيلة العاطلين من ذوى العاهات ، وضاقت سبل الرزق ، فانتشرت بين العمال البطالة ، واجتاحت الأزمة الاقتصادية العالمية بلاد الأرض ، فأرهقت الفقراء والأغنياء على السواء ؛ ولم يبق على وجه الأرض فرد لم ينكر الحرب ، ولم تشمئز نفسه من خطوب الحرب ؛ ووجدت الانسانية عزاءها الوحيد فى اعتقادها أن الأمم التى بليت بتلك المحن ، لن تجرؤ على إضرام نار الحرب من جديد ، وبأن العالم سوف ينعم بفترة سلام مديد .
ولكن ما مضى على الحرب الكبرى خمسة عشر عاما حتى زعزع الزمن هذه العقيدة ، وأدرك البصراء بعواقب الأمور أن حربا جديدة أشد خطبا من سابقتها موشكة على الانفجار ؛ وتوالت بعد ذلك الأيام ، فزادت هذه الحقيقة وضوحا ، وتسربت من ألمانيا الأنباء بما صار
عليه جيشها من استعداد حربى خطير . ولكن أكثرية الناس حملت أنباء ألمانيا على أنها دعاية سياسية ، ولم تأخذها مأخذ الجد .
واحتشد الجيش الألمانى على حدود النمسا ، ثم اكتسحها من غير أن يفكر أحد فى مقاومته بالسلاح وتكرار مأساة الحرب الكبرى ؛ ثم احتشد على حدود تشكوسلوفاكيا ، ولكن اقتحام هذه الدولة لم يكن فى سهولة اقتحام النمسا ، لأن الحلفاء ضمنوا استقلالها فى معاهدة فرسايل ، ولم يتوقع الناس تخليهم عن ضمانها ، ولم تخيب انجلترا الرجاء فيها . فاعترضت لألمانيا ، ووقفت فى صف الفريسة السائغة ، ودق الموقف وكاد حبل السلام ينقطع ؛ ولكن نفور أوربا من الاشتباك فى حرب ثانية مع ألمانيا غلب على كل اعتبار آخر ، وتأثر تشمبرلين - رئيس الحكومة الانجليزية إذ ذاك - بالروح السائد الجامح إلى السلام النافر من الخصام ؛ وطار إلى ميونخ مدفوعا بإرادة الجيل ، وقابل زعيم الريح ، وتتبعت أوربا كل خطوة من خطوات رحلته بأعناق مشرئبة وقلوب خافقة ؛ وأحس بالرجاء العالى المعقود على مسماه ، فلم يعر المصلحة والعزة والكرامة أى اعتبار ؛ وكأنما كان يسمع تضرع الأمهات والآباء والزوجات والأطفال ، فاشترى الصلح غير عابئ بفداحة الثمن .
ولكن ذلك الصلح لم يدم ، وتتابعت الحوادث التى زجت بأوربا إلى الحرب الغاشية الآن ، ولا ألزم نفسى ما لا يلزم ، فأفصل تلك الحوادث المعروفة اليوم لكل إنسان ؛ وأول ظاهرة استرعت النظر فى هذه الحرب أن الأمم المحاربة استقبلت نبأ بدء القتال بفتور . فلم تتأجج حماستها ، ولم يدو هتافها . إلا ألمانيا التى انطوت منذ هزيمتها فى الحرب الكبرى على حقد مكظوم ، فسنحت لها الفرصة للتفريج عنه ، وانقضت على أعدائها انقضاض الموتور المطالب بوتره ، وفاجأتهم بما أعدته لهم من أدوات
الفتك الذريع ، مما تضاءلت بجانبه عدة الحرب الكبرى ؛ وازداد نفور الشعوب من هذه المجازر الجديدة فلم يصمدوا لها طويلا .
سلمت الدول المحاربة لأعدائها بعد مقاومة من كل منها متفاوتة فى الشدة ، إلا الأمبراطورية البريطانية التى أبى عليها مقامها وجاهها وتبعاتها أن تستسلم ؛ وقد صرح قادتها بأن هذه الحرب فى نظرها حرب بقاء أو فناء .
كان موقف الولايات المتحدة فى أول هذه الحرب يخالف موقفها فى أول الحرب الكبرى . فقد سرى بين شعبها الروح الذى كان ساريا بين شعوب الحلفاء فى أوربا ، روح النفور من الحرب والرغبة فى تحاشيها ؛ ومن المصادفات أن يكون رأى رئيس جمهوريتها مخالفا لرأى رعيته فى هذه المرة أيضا .
كان الرأى السائد فى القارة الجديدة أن اشتراكها فى الحرب الماضية لم يجد فتيلا ، وأن استمساكها بمبدأ مترو - مبدأ العزلة - وتحصنها وراء محيطها أولى بها وأسلم ؛ ولكن الرئيس روزفلت فطن إلى خطورة هذه الحرب الجديدة ، وما يتهدد العالم أجمع من شرورها ، ورأى أن سياسة الإقدام أسلم من سياسة الإحجام . رأى أن الخروج للضير ومجابهته أجدى من انتظاره وراء الحيطان فى عقر الدار ، ولو ترك له الخيار لآثر إرسال جيشه إلى أوربا والاشتراك فى إطفاء حمم الحرب المتقدة قبل أن يستفحل البلاء ويستعصى على ملتمس الدواء .
ولكنه لم يصارح أمته برأيه ، ولو فعل ذلك لفقد سلطانه عليها ؛ لأن مرارة الفشل الذى منى به الرئيس ولسون كانت لا تزال عالقة بحلقومها . كانت الفكرة السائدة بين أفرادها أن الدم الأميركى سفح فى الحرب الماضية هدرا على بطاح أوربا ، وأن ولسون كان ألعوبة فى أيدى ساستها ، وأضحوكة فى نظر العالم ، وأن فشل
عصبة الأمم - مؤسسة السلم الكبرى - قضى على كل أمل فى هدوء البركان الأوربى . فخير للولايات المتحدة أن تترك الأوربيين منطوين على حزازاتهم التى لا تهدأ ، وتدعهم يصلون بجمرها وحدهم .
خواطر وخوالج من غرس مبادىء ولسون ، ومن نتاج الفشل الذى منبت به ؛ ولكن الرئيس روزفلت نظر للأمر من وجهة أخرى ؛ إنه لم يعن به لمحض رغبته فى السلام الأوربى ، وحقن الدماء ، والتبشير بدين المحبة والاخاء ، والتنديد بداء الضغينة والبغضاء ؛ ولكنه نظر له من وجهة المصلحة الأميركية ، والخطر الذى يتهدده من تضاعف المطامح النازية بعد توالى انتصاراتها .
وبرهن روزفلت على كفايته العملية الفريدة بالخطوات الخفية الوتيدة التى خطاها صوب غايته . وكان من حسن حظه وحظ أمته أن عجلت الأيام باثبات صواب حدسه ، فأخذ الرأى العام يميل إلى جانبه ، حتى رجحت الكفة المنحازة إلى رأيه .
بدأ روزفلت مشروعه السياسى الضخم بأن ألغى حظر بيع الأسلحة للبلاد المحاربة ، وأراد الظهور بمظهر الحيدة فأباح لكافة الدول شراء ما تحتاج إليه منها فى حدود ذلك المبدأ الذى قرره ( ادفع الثمن وانقل البضاعة ) . ودخل فى حسابه أن تستفيد انجلترا وحدها من هذا المبدأ ، لأنها صاحبة السيادة على البحار ، ومالكة أكبر رصيد من الذهب . فمن يستطيع غيرها أن يدفع وينقل ؟ !
وأدرك أن بلاده تؤيد هذه السياسة الجديدة . بل فهم أنها تؤيد كل سياسة ترمى إلى مساعدة الحلفاء وعونهم على النصر ، بشرط تجنب الحرب . فخطا ببرنامجه السياسى خطوة إلى الامام . وقرر هذا المبدأ الجديد ( تحاشى الحرب مع العطف على الدول المعتدى عليها ، وتزويدها بما تحتاج إليه من ميرة وذخيرة )
وتوقع الناس أن يقابل هذا المبدأ الجديد بمعارضة
شديدة من خصوم الرئيس السياسيين . ولكن تظاهر الرئيس باصراره على تجنب الحرب ، شد أزر مؤيديه ، وأسقط فى يد معارضيه ، وكان لموقف ألمانيا أثر أكبر فى انتصار سياسته ، لأن حكومة الريخ لم تبادل حكومة وشنطن خطتها المعادية بعداء جدى صريح ، وفضلت التظاهر بالملاينة على المصارحة بالشر .
ولم يقف توغل الجيوش الألمانية عند حد ، فبعد اكتساح الأمم الشمالية والشرقية والغربية ، صوبت زحفها إلى الجنوب ، فغزت ممالك البلقان ، وتلت عروش ملوكها . ونشطت القوات الألمانية الجوية والبحرية فى ميدانى الجو والبحر ، وعرضت للسفن التجارية الميممة صوب انجلترا ، فطاحت بها غير عابئة بلون العلم المعقود عليها . وأيقن العالم أن ألمانيا لن تقنع بتتحقيق مطمع استعمارى محدود ، وأن ضراوتها لن تنصب على الأمم المحاربة وحدها . وتعلق رجاؤه بانضمام الولايات المتحدة إلى الأمم الديموقراطية المحاربة ، وتوقع أن يخطو الرئيس روزفلت الخطوة الجريئة المحتومة فى سبيل الحرب ، وهو ما زال ينتظرها قلقا ويعقد أحلام السلام عليها .
وتبدل اتجاه الرأى العام فى الولايات المتحدة ، فأصبح يرى الحرب شرا لا بد من مجابهته ، بعد أن كان مصمما يوم نشوبها على تحاشيها بأى ثمن . وأخذ يرتقب خطب رئيسه ، ويتوقع فى كل خطبة أن يشتم من عباراتها رائحة الحرب . ولكن روزفلت الذى لم يعبأ بمعارضة بلاده لرأيه إبان الحرب ، ظل اليوم على حزمه الأول ، فلم يندفع - بعد تغير شعور شعبه - وراء أهواء ذلك الشعب الجامحة ، ولم يتبع غير أساليبه السياسية الماهرة ؛ فزاد معارضيه السياسيين إرهاقا ، وحرمهم تهيئة جو يتنسمون فيه أنفاسهم ، ويستردون الروح والحياة .
وأخذ يضيق على ألمانيا الخناق ، فتوسع فى تطبيق قانون الإعارة والتأجير ، وجهز انجلترا وسعه بأدوات
الحرب ، فآذى بلاد الريخ أذية المحارب من غير أن يدخل الحرب ، وظل يسير صوب الغاية التى وضعها نصب عينيه سير السلحفاة ، يمشى على هينته ، ولكنه لا يتردد ولا يتوقف .
وإذا كانت الظروف التى لابست حكم ولسون تختلف عن ظروف حكم روزفلت ، فان عقليتى الرجلين وسجيتهما تختلفان كذلك ؛ فالأول رجل مثالى يؤمن بالمبادئ السامية لذاتها ، ويتوزع عطفه بين البشرية على اختلاف أجناسها ، ويريد الخير والعدل والحرية لكل الأمم على السواء . أما روزفلت فرجل عملى يؤمن بالمبادئ السامية لفائدتها ، ويحب من أمم البشر الأمة المنتجة النافعة ، ويريد الخير والعدل والحرية للأمم التى اعتدت عليها ألمانيا ، عدوة
الديمقراطية ؛ ولم يدافع ولسون عن حرية التجارة وحرية البحار إلا تعلقا بالحرية على الاطلاق . أما روزفلت فيريد الحرية للتجارة والملاحة حتى يزداد ازدهارهما ، ولا يعوق نماء الحضارة عائق . ولم يكره ولسون اعتداء ألمانيا على الحلفاء إلا كراهية منه للاستبداد والاعتداء . أما روزفلت فيهتم أولا بالتوازن الدولى وسلامة أمته ، ويكره الطغيان خوفا من عقبة الطغيان . والفرق بين مبادئ الرجلين كالفرق بين عذوبة الأحلام ومرارة الحقائق .
وإذا كانت مبادئ ولسون منيت بالفشل لأنها لا تلائم طبيعة البشر النزاعة إلى الكفاح ، المجالدة فى سبيل الغلبة والسيادة . فالعالم ينتظر كيف تنتهى مبادئ روزفلت الفعلية .
