الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الثاني عشرالرجوع إلى "الرسالة"

الشعر المرسل ايضا

Share

نشرت الرسالة ترجمتين لقطعة من رواية "عطيل" الشهيرة ، إحداهما نثر والأخرى شعر مرسل ، وقد حاولت أن أعرف راى الاصدقاء فى أوقع الترجمتين في نفوسهم أهى الترجمة الاولى أم الثانية . وكان رأى الكثرة أنه الشعر المرسل . على أن بعضهم استدرك في قوله ، فقال إن الذى يقرأ السطر الواحد من الشعر المرسل ثم يقف فى آخره ينتظر ما اعتاد انتظاره من انتهاء  المعنى يشعر بالمضاضة , ويقبح فى عينه ذلك الأسلوب

ولكنه إذا قرأ ذلك الشعر المرسل على سجيته فلم يقف الا حيث يقف به المعنى وجده قولا سائغا لاقبح فيه .

وهأنذا اعرض على القارىء . صفحة من رواية صغيرة لى بها علم وهى فى شعر مرسل . وقف فيها رجل غجرى يحاول إلانة قلب فتاة من جنسه جامحة العاطفة معرضة عنه ، وهى تجيبه إجابة تمنع ودلال .

الفتى:         جرحت فؤادى        بدلال يثير فى لهيباً       فأعيدى سعادتى وأعيدى        بسمات الرضا أعيدى حياتى الفتاة : (ضاحكة ساخرة)        ليت قلبى يسير طوعى سميعاً        فيلبى نداء كل شفيع.        ان قلبى له هواه فيمضى        حيث شاء الهوى جموحاً عنيداً. الفتى: كنت (ميسون) سلوتي وحياتى        فاذكرى عهدنا القديم وعودى        لفؤادى الجريح يا ميسون. الفتاة: (بعناد)          إن ماء العيون يحلو جديدا         وجمال الغرام أن نتولى         كفراش الربيع بين الزهور

الفتى: (بتذلل)      أنت روحي. وكيف أحيا وحيدا؟      فانظرى لى ببسمة لأداوى      مهجتى - الفتاة (جامدة) إنه كلام ثقيل الفتى: (غاضبا)       ويل نفسى - أما بصدرك قلب؟ الفتاة: (ضاحكة)       لا تحاول نوال حبى رجاء      لا ينال الهوى بدمع وشكوى      إنما الحب آمر ليس يعصى      يأخذ القلب قاهراً منصورا

ولعل القارىء إذا اتبع نصيحة ذلك الصديق فقرأ ذلك القول  كما يقرأ النثر واقفا عند نهاية المعانى وجد فيها ما يقبله ذوقه.

هذا وقد عرضت لى ترجمه بارعة لقصة أخرى من قصص  شكسبير، وهى ترجمة أستاذنا المفضل محمد بك حمدى ناظر مدرسة  التجارة العليا، وقد كانت ترجمة حلوة بديعة دقيقة فى نثر حلو  ممتع، واتفق أن قطعة من تلك القصة كانت كذلك مترجمة فى شعر  مرسل، فرأيت أن أتبع الموازنة الأولى بموازنة ثانية، لعل ذلك  يكون أفسح فى التدليل وأقوى إعانة على صدق الحكم.

وتلك القطعة المختارة هى فى الموقف المشهور الذى وقفه  أنطونيس يرثى قيصر بعد مقتله، وفيه استطاع تحويل رأى العامة من الحنق على قيصر والعطف على قاتليه إلى الثورة للثأر له والانتقام  من أعدائه.

ترجمة الأستاذ حمدى بك  انتونى: أيها الأخوان. أيها الرومان. بنى وطنى. اعيرونى  اسماعكم فإنى ما جئت للتمدح بقيصر ومناقبه،  ولكن لأواريه لحده وأهيل عليه التراب. فقد  جرينا على أن ما يعمل الإنسان من شر يخلفه، وما  يعمل من خير يرمس معه فى غمار الرمم ولفيف  الرفات، وهذا شأن قيصر معنا اليوم نتناسى  مناقبه ونعدد معايبه. قال لكم بروتاس وهو رجل  الشرف الصميم: إن قيصر طماع فان كان كذلك  كان ذنبه يوجب الأسى والأسف كما كان جزاؤه  أدعى للحزن والشجن، إنى أقف بينكم الآن فى جناز  قيصر بإذن من بروتاس وهو رجل النبل والفضل  وبإذن من زملائه الآخرين وكلهم مثله أجلاء نبلاء،  ولكن قد كان لى في قيصر صديق حميم وبر كريم،  لم أعهد فيه الطمع الذي يرميه به بروتاس رجل  الفضل والشرف، أتاكم قيصر بالأسرى مكبلين

الترجمة الأخرى فى شعر مرسل أيها الروم ياصحابى وقومى انصتوا ساعة لبعض مقالى  لست آتى أصوغ قيصر مدحا بل لأسعى مشيعا لرفاته  انما تخلد الذنوب وتبقى بعد ما خاضها على حين تثوى حسنات الماضين بين القبور فليكن حظ قيصر مثل هذا  قد سمعتم (بروت) وهو كريم قال يا قوم إن قيصر طاغ ولئن كان ما يقول صحيحا كان هذا لا شك وزرا كبيرا نال من أجله جزاء أليما . فلندع ذكر ذاك - انى مدين لبروت وصحبه إذ أجازوا أن أقوم الغداة أرثى صديقى فبروت كما علمتم كريم وذووه كما عرفتم كرام : كان نعم الصديق خلا وفيا لا . ولكن بروت ينقم منه انه طامع حريص وانتم قد عرفتم بروت شهما نبيلا . إنه قد أتى باسرى جموعا

فملأت دياتهم بيت المال، فهل كان فى عمله هذا  ما ينبئ عن طمع. كان قيصر يبكي شفقة ورحمة  كلما ذرفت الفقراء دموع الفاقة والإملاق، وعهدى  بالطماع أخشن طبعا وأغلظ كبدا، ولكن بروتاس  يقول انه طماع وبرتاس كما تعلمون رجل الفضل  والشرف. ألم تروا إنى عرضت عليه التاج ثلاث  مرات فى (لوبركال) فكان يرفضه فى كل مرة؟  فهل كان هذا لطمع فيه؟ ومع ذلك فان بروتاس يقول  انه طماع، وبروتاس رجل الفضل والشرف. لا أريد  أيها السادة أن أدحض دليل بروتاس ولا أن  أقارعه الحجة بالحجة، وإنما أنا أقول ما أعرفه من  الحق الصراح. لقد كنتم كلكم تحبون قيصر حباً جماً  فهل كان ذا من غير داع وبلا مسوغ؟ إذن  ما الذى يمنعكم الآن أن تقيموا عليه شعار الحداد؟  يا للعدالة! لقد أويت إلى قلوب الوحوش الضاربة  فغادرت الإنسان جباراً عتياً فاقد الرشد والصواب  عفواً سادتي إن قلبي مدرج مع قيصر في أكفانه  فأمهلونى حتى يرتد إلى

وحبانا فداءهم أموالا  ملأت بالغنا خزائن روما.  أبهذا ترون قيصر يطغى؟  كان والحق إذ يصيح فقير  يسيل الدمع رأفة ولعمري  ان قلب الطغاة عات صليب.  غير أني أقول هذا وأنتم  قد سمعتم بروت وهو كريم  قال قد كان طامعا جبارا.  أرأيتم تلك الغداة وأنا  يوم عيد (الخصيب) إذ قد شهدتم  كيف قدمت نحوه التاج أرجو  لو تلقاه بالقبول ثلاثا  فأباه - أكان ذلك حرصا؟  لا ولكن بروت قد قال حقا  انه طامع. ولا شك فيه  فبروت كما علمتم شريف  ولئن قلت ما علمت فإني  لست فيه مكذبا لبروت.  أيها الناس كان قيصر منكم  في ثنايا القلوب وهو جدير.  فلماذا أرى العيون صلابا  جامدات. وفيم هذا الجفاء؟  لا! قد أصبح الرجال سواما  منذ طارت أحلامهم وكأني  بوحوش الغلاة أرجح عقلا.  أي رفاقي لا تعذلوني وعفوا  إن تعديت فى المقال. فإني  ضاع لي وضل عني فؤادي  فغدا عند نعش قيصر هنا.  فدعوني حتى ألاقي فؤادى.  أنظروني حتى يعود جناني.

ولعلي أستطيع أن أسأل من لم أسأل من الأصدقاء بعد  لأعرف رأيهم فى هذه البدعة الأدبية أهي وسيلة صالحة أم هى  مدخل إلى العبث والإسفاف؟ فان كان من الأدباء من يراها

صالحة رجوت أن يبعث لنا منها قصة غنائية أو ملحمة بارعة مد أن يكون قد فاض عليها من جمال روحه وروعة عبقريته .

اشترك في نشرتنا البريدية