الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 282الرجوع إلى "الثقافة"

الشعر المستعار، عند الأقدمين

Share

إن كان للمدنية الحديثة يد طولي في ابتكار أساليب التجميل ، والتفنن في ضروبها ، فإن المدنية القديمة لم تعدم نصيبها من هذا الشأن . وقد وقفنا على اخبار شتى تدل على ما كان من عناية الأقدمين بستر معايب الجسم ، وإخفاء نقائصه ، والظهور مظهر رضي مقبول . ومن ذلك اتخاذ الشعر المستعار ، أي المصطنع للرأس أو للحية . فقد قال أبو الفرج الأصفهاني في جملة مروياته : " إن ابن سريج المغني الشهير " بلغ خمسا وثمانين سنة ، وصلع ، فكان يلبس جمة مركبة ، وكان أكثر ما يري مقنعا . . " ثم قال في الصفحة ذاتها : إنه " صلع ، فكان يلبس جمة ، وكان لا يغني إلا مقنعا يسبل القناع على وجهه "

ونظير ذلك ما رواه الأصفهاني في حكاية طريفة ، جاء فيها ان جميلة المغنية الذائعة الصيت " جلست يوما ولبست برنسا ) ٢ ( طويلا ، وألبست من كان عندها برانس دون ذلك . وكان في القوم ابن سريج ، وكان قبيح الصلع قد اتخذ وفرة ) ٣ ( شعر يضعها علي رأسه . وأحبت جميلة أن تري صلعته ، فلما بلغ البرنس إلي ابن سريح قال : دبرت على ورب الكعبة ؛ وكشف صلعته ووضع القلنسية على رأسه ، وضحك القوم من قبح صلعته " ) ٤ ( .

إلى أن قال : " ثم دعت بثياب مصبغة ووفرة شعر مثل وفرة ابن سريج ، فوضعتها على رأسها ودعت للقوم بمثل ذلك فلبسوا . " ) ١ (

ومما رواه الأصفهاني في هذا الصدد ، ان جميلة هذه " جلست يوما للوفادة عليها ، وجعلت على رؤوس جواريها شعورا مسدلة كالعناقيد إلي أعجازهن . والبستهن أنواع الثياب المصبغة ، ووضعت فوق الشعور التيجان ، وزينتهن بأنواع الحلى " ) ٢ (

ومن هذا القبيل وضع اللحي المصطنعة ؛ فقد كان بعض المحدثين " لا يقبل في مجلسه من لم يكن ملتحيا ، خوفا من قصص الغرام فيما يظهر . ويذكر ان صبيا كان شديد الرغبة في سماع الحديث ومنع من ذلك ، فاتخذ لنفسه لحية مصطنعة " ) ٣ (

وأقدم ما انتهي إلينا من أخبار اللحى المصطنعة ، ما رواه الطبري في خبر طويل ساقه في هرب يزيد بن المهلب من سجن الحجاج سنة ٩٠ للهجرة ) ٧٠٨ م ( ، فقال : " . ولبس يزيد ثياب طباخه ، ووضع على لحيته لحية بيضاء وخرج فرأه بعض الحرس فقال : كأن هذه مشية يزيد ! فجاء حتى استعرض وجهه ليلا ، فرأي بياض اللحية ، فانصرف عنه فقال هذا شيخ .(٤)

وهذا الخير بعينه نقله ابن الأثير ) ٥ ( عن الطبري باختلاف يسير ، ولا حاجة إلى إيراد قوله .

) بغداد (

اشترك في نشرتنا البريدية