" سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب , ورجل قام إلى أمام حائر فأمره ونهاه .. فقتله" حديث شريف
إن الأسبوع الثانى من شهر فبراير من كل عام , ليحمل في طياته ذكرى من أجل الذكريات لدى الشبيبة المسلمة , والقلوب المؤمنة - لا فى مصر وحدها - بل فى كل بقعة أشرقت بنور الإسلام ، وفى كل رقعة سلطت عليها شعاعات التوحيد .
اما الذكرى , فهى ذكرى الشهيد الاعزل " حسن البنا " والحديث عن " حسن البنا " يعتبر جديدا فى موضوعه , مهما طال , ومهما تكرر , إذ ليست شخصيته بالشخصية المادية التى يكفيها من الحديث أقله , فقد كان " حسن البنا " ملء السمع والبصر , دوى صوته فى الشرق , فاهتزت جوانبه مؤذنة يبعث جديد , ومعلنة ميلاد فجر مشرق , ومنذرة بالرحيل استعمارا بغيضا أصر على الخلود بن أرجاء الشرق , ليتخذ منه مطية ذلولا , وبقوة حلويا , وضيعة ضائعه لا صاحب لها , ولا حارس عليها , ولا مسئول عنها , ودوى صوته فى المسلمين فأيقظهم من سباتهم , وأزاح عنهم كابوس الدعة , وهيأهم ليليقوا بالإسلام فى عزته ورقيه وعظمته
ظل " حسن البنا " زهاء عشرين عاما يدعو إلى الله وحده , ويصيح من أعماق قلبه : الله غايتنا .. وتردد وراءه الألوف المؤلفة من الشباب المصوغ فى بواتق من الإيمان بالله والثقة به , وظل زهاء عشرين عاما , يدعو إلى الإسلام المصفى .. الإسلام الدى يشيد بالعزة والمنعة والقوة , وينفر من الذلة والضعف والسكنة .. الإسلام المرن السمح , الذى
لا ثقل فيه ولا تعقيد , ولا جمود ولا تزمت , الإسلام الخالص من شوائب الجهلة من الحمقى , والانذال من المرتزقة ..
وظل " حسن البنا " زهاء عشرين عاما , يكافح الاستعمار فى مصر والشام وجزيرة العرب , والمغرب وجنوب افريقيا وجزاتر الهندالشرقية وغيرها , فلم يخمد له صوت ، ولم تفتر له همة , ولم يهن له عزم , ولم تتزعزع له عقيدة , ويكافح الحكم الإقطاعى القائم على استغلال الحكم , كمورد للثروة , ومصنع للجاه , ومرتع قذر للرشوة والمحسوبية , ويكافح ضعف الشعوب المغلوبة على أمرها ، حتى تعرف قدر نفسها , وتؤمن بحقها على الحكومات الاقطاعية المسلطة عليها , لتذيقها ألوانا من العنت والتعسف والإرهاق !
وظل " حسن البنا " زهاء عشرين عاما , يكافح من أجل الشباب حتى انتشله من حضيض التدهور والتفكك والإنحلال , وخلصه من مواخير العربدة والاستهتار والمجون ، وغداه بالمثل العليا والمعاني الحية , وصبه فى بواتق من الشرف والإباء والطموح , وأعده إعدادا كاملا للكفاح من أجل الإسلام القابع فى زوايا الإهمال , وأوطانه الرازحة تحت اعباء الاستعمار والاحتلال , ومجلت قيمة هذا الشباب فوق تربة فلسطين الذبيحة , وأرض القنال يوم معركة القنال ...
كانت كلمة " حسن البنا " شبحا هو مصدر قلق للديمقراطية الفاجرة فى انجلترا وفرنسا وبلاد العم سام , ومصدر قلق للشيوعية المضللة فى الصين الشيوعية وروسيا الحمراء ، كما كانت مصدر فزع للعروش الاستبدادية , ولذا كانت المؤامرة على دعوة الشهيد الأعزل ثلاثية , الديمقراطية بالإيعاز والإيحاء , والشيوعية بالدس والوقيعة , والديكتاتورية الممثلة فى العروش الطاغية بتنفيذ المؤامرة , مستعينة بالحكومات الهزيلة التى لم تكن تملك من أمرها شيئا ،
ولم نكن نستطيع أن تكون فى حكمها أكثر من أداة مسخرة حمقاء !
ولقد قامت مصر بدور البطل فى المؤامرة على الدعوة الإسلامية ولم يكفها أنها بدأت بالضربة الاول , بل إنها اخذت على عاتقها أن تريح الاستعمار الممثل فى الديمقراطية الفاجرة , والفوضى الممثلة فىا لشيوعية المضللة , والديكتاتورية الممثلة فى العروش المستبدة - أخذت على عاتقها أن تاريخ هؤلاء جميعا من " حسن البنا " ولتقدم بعدئذ رأسه قربانا للصبى العربيد " فاروق " فى عيد ميلاده , ولتضيع دماء " حسن البنا " الشهيد الاعزل هدرا , فى غوغاء الاحتفالات , وضوضاء المهرجانات , وزحمة السرادقات التى كانت تملأ شوارع القاهرة , حفاوة بعيد ميلاد الجالس على العرش , الصبى المدلل , والمعتوه المقدس , والملك الخليع الذى ورث عرش مصر عن رع وآمون !
وبينما كانت المارة تسمع أزيز دماء الشهيد وهى تنزف فى شارع الملكة , كانت الشياطين تصغى لجوانب القصر " الخرب " تتماوج لهوا وفجورا وعبثا , لتقدم فروض الولاء والتهنئة للصبى المخلوع.. !
لقد قتل " الشهيد الأعزل " غيلة وغدرا , وظن الصبى الفاجر أن ملكه أقوى وأعز وأمنع من أن تتسرب إليه الشبهات , ولم يكن يدرى أن البقية الباقية من الشبيبة المؤمنة خارج القضبان , كانت تعد منشورات بعد ساعات من استشهاد الشهيد الاعزل , جاء فيها " لقد قتل حسن البنا , وعرف القاتل , ولكن يدا خبيثة تحميه , ويد الله اقوى منها , ستصل إليه وترديه والله أكبر ولله الحمد "، وظن القتلة السفاكون أنهم سيظلون فى حصن منيع , وفى أمن من قبضة القضاء , وأيقنا نحن بأن عين الله لم تنم ، وعدالة السماء لم تغفل , والقصاص آت لا ريب فيه ..
ومرت سنون أربع , فإذا الملك المخلوع يحتفل بعيد ميلاده فى منفاء على موائد الميسر والخمر , وبين أحضان الفاتنات والساقطات , وإذا مصر تحتفل بعيد التحرير من
سلطان فاجر أبي إلا أن يتربع على عرش من العربدة والفسق والفجور , وحوله شرذمة من الأفاقين ، وإذا بالسفاكين المجرمين فى قبضة العدالة , وفى انتظار القصاص العادل ، الذى أدخرته السماء لمصر حتى تطمئن أرضها , وإذا بالدعوة الإسلامية بخير تؤدى رسالتها , وتقطع منهاجها الذى رسمته لنفسها , وإذا بالقلوب المسلمة فى مصر والشرق , لا تكاد تذكر مأساة الملك المخلوع , حتى نذكر دماء الشهيد الأعزل " حسن البنا " الذى خر صريع البغى فى سبيل الحق , فلم تنصفه الأرض , وأنصفته السماء ..!
إن استشهاد "حسن البنا " سيظل خالدا إلى أن تقع السماء على الأرض , ورمزا للفكرة الإسلامية التي أخذت على عاتقها أن تحرر الإسلام من الشوائب , وأن تحرر وطنه من جراثيم الاحتلال والاستعمار , ولئن كان من الممكن للتاريخ أن يجور ويظلم , ويتصنع التهاون والإهمال , فلن يقوى بحال من الاحوال أن يجور أو بظلم ذكرى الشهيد الأعزل , أو يتصنع الإهمال والتهاون فيها ؛ لأن ذكر حسن البنا قد سجلت لنفسها الخلود , ونقشت فى القلوب ، وامتزجت بالعقائد ..!
