عصر المرأة - بضاعة مبذولة - أسلوب العامة فكاهات ومساخر ! - الشكل والموضوع - مصريون وأجانب
عصر المرأة !
أزياء النساء !.... هذا حديث الأسبوع في الصحف والمجلات ، وفي النوادي الخاصة والعامة ، وفي البرلمان . وحديث الصاحي والنائم ، وحديث المتخيل والحالم وحديث الشيخ والغلام . .
وما أحراه ان يكون . . بلي ، وإنه لخليق بأن يكون حديث الجيل ، فإننا لنعيش في عصر " المرأة " ؛ إنها هي التي تصنع تاريخ هذا الجيل ، لأنها هي أبرز " حوادث هذا الجيل ؛
ما المرأة وما الرجل اليوم ؟ . .
إن الطبيعة نفسها - وهي التي فرقتهما جنسين ذكرا وانثي - لتكاد تعجز في هذا العصر عن تحديد خصائص هذين الجنسين فلا شيء ، لا شئ قط يبين بوضوح الحد الفاصل بين رجولة الرجل وأنوثة الأنثى؟
ايهما الطالب وأيهما المطلوب ! أيهما الصائد وأيهما المصيد ؟ . . ايهما السالب وايهما الموجب ؟ . ايهما الحافز وأيهما العامل ؟ . أيهما الإرادة الموحية من وراء الآستار والحجب وأيهما القوة النافذة؟..
لا احد ، ولا شئ ؛ كلاهما طالب ومطلوب ، وكلاهما صيد وصائد ، وكلاهما سالب وموجب ؛ والعالم
كله يسير في كهربة هذه الموجة المدمرة بلا إرادة ، ولا غاية ، إلي.. إلي أين ؟
إنني لأكاد أحس " نغمة المرأة " في كل حديث يتحدثه رجل عن المرأة ؛ فما " هو " هو حين يتحدث عنها ، ولكنها " هي " تملي عليه وتلقنه ما يقول ؛ فما هو رأيه ولا بيانه !
وإنني لأكاد أسمع " صوت الرجل " في كل مقالة تتحدث بها امرأة عن الرجل ، فما " هي " هي بأنوثتها وسحرها وتصونها ، ولكنه " هو " بشهواته وا كاذيبه وجراءته ؛ فما هو رأيها ولا بيانها ولا نبضات وجدانها !
لو عقلت لقالت غير ما قالت ولو عقل لقال . . ولو تدبر السامع لوعي !
ومن ذلك كل ما سمعت من حديث الرجال والنساء ، والصحف والمجلات ، في هذا الأسبوع ، عن ازياء النساء !
بضاعة مبذولة !
هذا " نائب محترم " رأي ما يراه الناس وسمع ما يسمعون ، وكان شيخا عاصر جيلين وعاش حياتين وسمع صوتين في ماضيه وحاضره ، فلم يشق عليه ان يميز صوتا من صوت وان يخلص رأيا من رأي وان يحس إحساس الرجل فيما رأي وسمع وحسب انه يستطيع ان يرد كل شئ إلي أسبابه حين يستطيع أن يعالج أزياء النساء ؛ فاقترح اقتراحه على البرلمان . . .
من ذا يزعم أن الرجل اليوم (اشهي) للمرأة مما كان وكانت ؟ ؟
ومن ذي تزعم ان المرأة اليوم في عين الرجل مما كانت وكان ؟
دعوها تتحدث بلسانها ودعوه إن كل امراء ليسوءها ان تسمع جواب الرجل على هذا السؤال وإن كل رجل ليسوءه .... وإن كانت لتسمع رأيه في كل نظرة من عينيه .
إنها وإنه كالتاجر الذي كسدت سوقه ، فإنه ليحاول ان يعرض على عيون المارة من (عينات البضاعة) ، ما كان ينبغي أن يصوته ، وإنه ليدعو كل " زبون " إلي أن يشم ويذوق وماذا يبقي من شهوة الجنس إلي الجنس بعد أن يشم الزبون ويذوق ؟
ويكثر (العرض )، فيتوهم كل زبون أنه يستطيع أن يحصل علي حاجته من( البضاعة) أيان يريد ، فيرجي ويسوف:ويمل التاجر ويخشى (غدرة) السوق ، فلا يزال يعرض كل يوم من بضاعته عينات ، والوانا تسيل اللعاب وما تزال تسيله حتى تستنفذ شهوة الجائع فيتكفي إلى بيته شبعان ، وما تزال (البضاعة) في السوق (تغازل ) المارة حتى يحول اللون ويتمزق الاديم وما باع احد ولا اشتري . .!
أرأيت إلي بعض الترازين وبائعي الثياب يعرضون على أبواب متاجرهم الوانا من الثياب البراقة يسمحون لكل عابر سبيل ان ينال منها ما ينال بعينه وان يختبر من شأنها ما يختبر باصابعه وان تشرق عليها الشمس وتغرب ؛ أرأيت الي هذه الأثواب وقد حال لونها تحت الشمس ومزقها الريح بعد اسابيع او ايام وما تزال في موضعها من باب الدكان تنتظر المشتري ؟
ماذا صارت هذه الأثواب وقد كانت ؟ وماذا صارت المرأة وقد ابتذلت نفسها في السوق ؟ .
اما الثوب فقد عاد خرقة ، واما المرأة
وقال النائب المحترم قرني بك : ردوا هذه الأثواب إلي ميوكنها أن تخلق وتبلي وتعود خرقا . .
وأخفت النمامة عينها تحت جناحها وزعمت أنها لا تري : وصاحت امرأة بلسان رجل : وي ! ماذا يقول ؟ إنها رجعة منكسرة ؟
وهتف رجل بلسان امرأة حذار يا شيخ ؟ إنك توشك أن تلطخ سمعة المرأة المصرية ؛ إنها
أسلوب النعامة!
أأخطأ الشيخ أم أصاب فيما اقترح
أما " الداء فلم يشك فيه أحد ؛ وإنه لداء( دوى ) وأما العلاج ...
ليت الذين افترضوا وسخروا وجعلوا حديث الرجل نادرة للضحك والتندر والسخرية - فكروا في الطب لهذا الداء بوسيلة غير ما اقترح المقترح
لا ، بل ليتهم وقد سمعوا أنات المريض واحسوا بعض إحساسه بالألم قد صبروا أنفسهم ساعة في الفحص عن أسباب علته
ألا إن الداء الأصيل ليس هو هذه الصدور المكشوفة ، وهذه الأذرع العارية ، وهذه السيقان المصقولة ، وهذه النظرات الجائعة ، وهذه الشفاه المصبغة ليس هذا هو كل الداء ولكنه عرض من أعراضه ؛ إنه اعمق جذورا وأخفي موضعا من أن تراه العين المجردة . . فإن كان في( قرص الاسبرين) كفاية لعلاج ( التيفويد) فإن في تحديد أزياء النساء كفاية !
هذه " المسكنات الوقتية لن تحسم الداء إلاكما يخفف " الاسبرين قليلا من حدة الصداع ، والحمي تنفث نفثائها المسمومة في الأعصاب والدم !
فهل فكروا ودبروا واستقصوا وتتبعوا العلل إلي
اسبابها قبل ان يعترضوا ويسخروا ؟ . ولكنهم يحاولون الفرار من الصياد على أسلوب النعامة !
فكاهات ومساخر :
وهذه المجلات ، وهؤلاء الرجال والسيدات : أين مكانهم من هذه المعركة وقد استفاض عنها حديثهم وحديثهن متبذرين ساخرين ؟
هذه مجلة من تلك المجلات " الهازلة " ترسم صورة النائب المقترح بين طائفة من صور النساء في أزياء شتي تستفتية ؛ أي هذه الأزياء تقترح ؟ .
ويستعرض الناظر صورة الشيخ وصور النساء . ويستمع إلي ما يقول الشيخ وما يروي صاحب خبره ، ثم ينعم النظر ويرهف السمع ، فإذا صوت من وراء صوت ، وإذا قول يقال ومعنى ؛ وإذا وراء العنوان الجاد سخرية وإيحاء . . وتقول كل قارئة لكل قارئ أكذلك تريدني ؟ ! ومن قال إنه يريدها حتى تسأله عن " الكيف " ؟ ولكن المجلة الهازلة تريد ان تغالب برهان العقل والقلب ببرهان اللحم والدم ، كالمرأة المتبذلة : تتجرد من ثيابها على عيني الفتى الزاهد وهي تقول له لا أظن خلقك يسمح أن تنظر إلي ! . .
إنها تأمره في أسلوب من النهي !
وهذه مجلات اخر
ومن حق كل كاتب أن يجد وان يعبث ، ولكن ليس له ان يتناول موضوعه من جانب واحد وإن له على عيون الناس جوانبه وألوانه فلماذا قصر هؤلاء حديثهم في هذا الموضوع علي الفكاهة ؟ أتظرفاً ؟ أم عجزاً ؟ أم دعاية إلي غاية ؟ . أم هو كذلك " أسلوب النعامة " ؟
الشكل والموضوع :
وكثر المعارضون لما اقترح النائب المحترم ، في البرلمان ،
وفي الصحف والمجلات ، وفي الصور الهازلة ، وفي الفكاهات المبتذلة ، فهل اعترض معترض منهم علي " الموضوع "؟
هل سمعت إلا من يقول في اعتراضه - وهو كل اعتراضه - : " أهذا أرائه ؟ "
نعم هذا أوانه ، وما دمنا نستطيع أن نفعل شيئا في هذا " الأوان " فإنه أوانه ؟ ونعم ، ليست هذه مشكلة اليوم ، ولكنها مشكلة من مشاكل اليوم وكل يوم بعده ؛ ونعم ، عندنا أشياء أهم ولكنها لا تشغلنا عن ذلك المهم !
وإذا كنا كلما دعا داع إلي الإصلاح صحنا به : " أهذا أوانه ؟ " فلسنا فاعلين شيئا ، لا في أوانه ولا في غير اوانه ؟ ولكنه " أسلوب النعامة " !
مصريون وأجانب :
وقال قائل هناك : افتريدنا أن نطبق هذا النظام أيضا على الأجانب ؟
ولم يكن لهذا السؤال إلا جواب واحد . أفكان ذلك النائب المحترم الذي سأل هذا السؤال يقصد إلي ذلك المعنى الذي فهمه الأجانب من السؤال وجوابه ليثور ثائرهم ؟ فينجح في معارضته !
أجانب : ما هذه الكلمة الجافية التي تسميهم بها ويسمون انفسهم ؟ . إن كانوا يصرون علي هذه " التسمية " فإننا حينئذ " اجانب منهم وإنهم اجانب ، وليس للأجنب علي الأجنب حق يستدعي الرعاية أو يهون التضحية !
وثارت ثأرة الصحف الأجنبية وزعمت مازعمت ؛ أفكانوا يحسبون ان حقهم علينا اعظم من حق الدين والخلق والقومية ؟ ولكن قائلا منا قد قالها فلا عليهم ؟
