مهداة إلى الأستاذ دريني خشبة
(نرجس كان فتى سليل إلهين من آلهة الماء، فأحبته (الصدى) فصد عنها وجفاها، فشكت أمرها إلى الآلهة (هيرا) زوجة (أبولون) فلم يذعن ولذا مسخه أبولون زهرة هي زهرة النرجس، فكانت على غراره مصوبة برأسها لأنه كان يقف على حوافي الغدران وينكس رأسه ليستجلي جماله في مائها. أما الصدى فأصابها الهزال حتى لم يبق منها إلا القدرة على ترديد الأصوات) أيها الرجل! لا تصم سمعك عندما تناديك المرأة فهي شيء غير الحب والجمال
نرجس
على وجنتيه يرفُّ الشباب ... وتزهو على الفجر ألوانه
ومن مُقلتيهِ يشعُّ الضياء ... كأن الكواكبَ أخدانه
يفيض على الكون من حسنه ... كأن حمى الحسن أوطانه
تمثَّلَ في قلب كل الحسان ... فكان الرجاء، وكان المثل
لكم تهادى عليه القلوب ... وكم تتهادى عليه المقل
على كل ثغر يطوف أسمه ... كأن أسمه - عندهن - الأمل!
رأته التي راعها حسنه ... فراحت تذيع جواها به
وظلت تلازم محرابه ... كراهب دير بمحرابه
فيا من رأى من جفاها الكرى ... موزعة النفس في بابه!
لقد شفها منه هذا النفور ... وصيَّرها الحب مثل الخيال
أيشعر رب الجمال الفتون ... بما في قلوب المها للجمال
فقالت: لآتيه في خلوة ... أبث هواي له في اعتزال
وأشكو وأبكي لما حف بي ... فيرحم ما سال من أدمعي
وإمَّا أستخف كشفت الضلوع ... وأعلنت ما تحتوي أضلعي
وأمَّا نبا قلت: قف يا فتى! ... لتشهد عن كثب مصرعي
فيرسم في مقلتي حسنه ... وتسقط شكواه في مسمعي
ويلبث مستعبراً مشفقاً ... ويحنو كئيباً على مضجعي
وإذ ذاك أغفو على راحة ... لأن حبيبي يقيم معي!
لقاء
رأته مُكباً على دافق ... كمن تتراءى له خاطره
فما مدَّ عيناً لمن أقبلت ... ولا لفت الطرف للزائره
ولكنها وجمت وهلة ... تلملم آمالها الحائره
رأت وجهه في رقيق الغدير ... يرى الحسن منه ولا يشبع
فقالت: أتيتُ بلا موعد ... إلى حاجة لم تكن تُدفع
فكان على زهوه ذاهلاً ... عن الصوت، يصغي ولا يسمع
أما راق عينيك حسني النضير؟ ... وهذا المقبل والمعتنق؟
لقد لثم الفجر ثغري الصغير ... وضرَّج خدَيَّ لونُ الشفق
صفا كل معنى بجسمي الرشيق ... وراق به كل شيء ورق. . . .
تسللتُ والفجر في غبشة ... جرى في حواشي الدجى تبره
وجئتك يقتادني لاهب ... من الوجد لا يتقى حره
أتغفو على الحب غفو الخلي ... ومضناك يقتله صبره؟
هنالك غيد تطير الأماني ... بهن لحسنك أنى ائتلق
ولكنني شبح هائم ... أبيت على أرق أو قلق
تعال! فما بيَ إلا رمق ... وإلا تباريح تُذكي الحُرق
أراك تميل ولا تطمئن ... فأَهو عليَّ! ولا تبخل
ألا رشفة منك فيها الرحيق ... تقطر من ريقك السلسل
ألا قبلة يا حبيبي النفور! ... ولكنه سار لم يحفل!
في قمة الأولمب
وزفَّت إلى قمة الآلهات ... وقد هالها منه ما هالها
وقصت على (هير) ما عالها ... وأذهب في الحب آمالها
فحنت لها آلهات الأُلمب ... وكل بكى أو تباكى لها
لقد لج بي الوجد يا ربتاه ... فقولي له يعطني ما أشاء
أهم بتقبيله عنوة ... فيزجرني زاجر الكبرياء
فنادوه حتى يلبي النداء ... فزاد عتوَّا. . فكان الجزاء
نرجس والصدى
تعالين يا فاتنات الوجوه ... تأملن في النرجس الهائم
لقد مسخوا شخصه نرجساً ... يظل على الماء كالحائم
يطيف بكل مسيل رقيق ... ويحدق في حسنه الناعم
مهبك يا ريح زاكي الأريج ... فمن أين يا ريح نفح العبير؟
حنت حين هبت على نرجس ... شذاه العبير، هواء العذير
وقد بلَّل الماء أعراقه ... فطاب النسيم ورق النمير
وأما الصدى فهي ولهى تجوب ... من القفر كل بعيد المدى
وتحسب كل نداء نداه ... فتمضي تجيب النِّدا بالنِّدا
لقد شحبت من أساها الصدى ... فليس تردد إلا الصدى. . .
