) يهتم العالم كله فى هذه الأيام بالمشكلة الثائرة بين إدونيسيا وهولندا . و " الثقافه " ترحب بكل ما يعرف قراء العربية بأحوال إخوانهم الذين بجهاهدون فى سبيل الحرية ( .
منذ احتلت اليابان إندونيسيا في ٩ مارس سنة ١٩٤٢ وضعت يدها على المصانع الأوربية ، وحولتها إلى مصانع لإنتاج الذخائر للقوات اليابانية المحاربة فى منطقة الشرق الأقصى . وكان للحكومة الهولندية مصانع ومعامل لصناعة الغواصات والسفن الحربية ، والأسلحة وذخائرها ، فى مدينة سورابايا وجا كرتا وسمارانغ وباندونغ وسوكاوي ومالانغ . وكانت الأيدي العاملة فيها ، هى الأيدى الإندوليسية . ولما استسلمت الإمبراطورية اليابانية للقوات المتحالفة في ١٤ أغسطس سنة ١٩٤٥ وضعت الدولة الإندونيسية الجديدة يدها عليها . فقد عادت إندونيسيا إلى شعبها ، وما كان ملكا للدولة الهولندية اصبح ملكا للدولة الأندونيسية الحرة .
وقد شك العالم فى صحة الأنباء التى ينقلها الأثير - يوميا - عن الأعمال السياسية والحربية والصناعية والاقتصادية والثقافية التى تحدث فى الجمهورية الإندونيسية ،
لأنها أعمال عظيمة تستدعي الاهتمام الكبير ، لصدورها من دولة حديثة . ولما اعترفت الحكومة الهولندية فى ٢٥ مارس سنة ١٩٤٧ بالجمهورية الإندونيسية واستقلالها ، ثم اعترفت الحكومة البريطانية والأمريكية أيضا ، زال الشك عن العالم ، وعلم انه لولا ان الدولة الإندونيسية مدعمة البنيان ، ثابتة الأساس ، لما اعترفت هذه الدولة بها ، بعد ان حاربتها عاما ونصف عام بما تملكه من عتاد وأسلحة . وإذا سرنا مع الحقائق الثابتة التى تدل على ان الأيدى
العاملة فى إدارة حكومة الهند الهولندية سابقا هى أيد إندوليسية لما اسأنا تقدير قيمة الدولة الإندونيسية التى أعلن شعيها انها دولة حرة مستقلة ، ولاسرعت الدول بالاعتراف بها . وسوء تقدير العالم لمركز الدولة الإندونيسية السياسية وشعبها ناتج عن ضعف علمه بحقائق الحياة الإندونيسية الحديثة ، وهى حياة كان الاستعمار الهولندى يحجبها عنه . ولمابرزت الجمهورية الإندونيسية فى المحيط السياسى الدولى آثار الاستعمار الهولندى ضدها دعايات سيئة ، لعله يستطيع القضاء عليها . وهذه الدعاية تثبت ان الجمهورية الإندونيسية قد استطاعت السير فى المواقف الهوجاء التى اثارتها الحكومة الهولندية والبريطانية
والدولة الحرة هى التى استكملت آلات استقلالها . وإندونيسيا الحرة قد استكملت وسائل استقلالها بعد أن وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها . تشهد على ذلك الحركات السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية التى قامت بها خلال الحربين العالميتين .
ومنذ أعلنت إندونيسيا استقلالها ، وجهت كل قواها إلى إعادة الحياة الصناعية فى المصانع والعامل ، فى انحاء الجمهورية ، لإنتاج مستلزمات الحياة الإندونيسية الحديثة .
ومن اهم الصناعات التى قامت بها وهى فى فجر عهدها الاستقلالى ، صناعة السفن والطائرات والآلات الكهربائية والنسيج والورق ؛ فأنشات فى مدينة فلميانغ بجزيرة سومطرا مصنعا للسفن الحربية والتجارية ، وكانت باكورة أعمالها السفينة الحربية ) مرديكا ( ، وكذلك أنشأت فى جزيرة مادورا مصنعا اخر للسفن ، وبذلت الحكومة الإندونيسية جهدها فى إصلاح مصانع للسفن الهولندية بمدينة - ورابايا وجزيرة مادورا ، وقذفت فيها العلماء والمهندسين والعمال الفنيين .
وفى مدن إندونيسيا الداخلية بجزيرة جاوا ، انشأت الحكومة الإندونيسية مصانع للطائرات ، وهى صناعة
حديثة على الحياة الصناعية في إندونيسيا ، فلم يكن فى العهد الهولندى مصنع لإنتاج الطائرات ، لأن الحكومة الهولندية كانت تبتاع الطائرات من المصانع الانجليزية والفرنسية والأمريكية ؛ وأما الان فان الدولة الإندونيسية الجديدة تبنى حياتها الحديثة على الصناعة المصرية
وقد استغنى المهندسون الإندونيسيون عن المواد المعدنية فى تركيب أجسام الطائرات ، بالأخشاب الصلبة التى تنتجها الغابات الإندونيسية . وعرضت فى معرض ماديون الميكانيكي فى يناير الماضى ثلاثة نماذج للطائرات الإندونيسية الحديثة
ومن الصناعات الجديدة التى أدخلتها الحكومة الإندونيسية فى المحيط الصناعى الوطنى ، صناعة الالات الكهربائية لتمويل المصانع والمعامل الإندونيسية بأحدث الآلات الدقيقة ، ويشرف على هذه الصناعة جماعة من كبار العلماء والمهندسين الإندونيسيين المنتمين إلى ( جمعية العلوم ) الإندونيسية .
وأول أعمال هذه الصناعة وزهرتها ( الراديو ) ، وقد أوفدت الحكومة الإندونيسية ثلاثة من المهندسين إلى جريرة سومطرا للدراسة ثرواتها وما يحويها من المعادن ، تنفيذا لبرامج الإصلاح الصناعى الحديث .
وانشأت الشركات الإندونيسية معامل للنسيج ومونتها بالقطن الوطنى ، وتبرعت (جمعية المرأة الإندونيسية للحكومة الإندونيسية مبلغ ) مليون روبية ( لإنشاء معمل للنسيج وإصلاح المعامل التى خربتها السلطة اليابانية حين انهزامها ؛ وقد بلغت منتجات أحد المعامل خلال شهر واحد ( ١٧٠٠٠ ) قطعة جاهزة من الملابس القطنية . و ( ٢٥٠،٠٠٠ ) متر من القماش . ولوحظ نقص الاقمشة خلال الحكم اليابانى وفى بدء العهد الاستقلالى ، لتحويل السلطة البابانية معامل النسيج إلى معامل حربية . وقد
أمدت الهند إدونيسيا بأقمشة متنوعة قدرها ) خمسة ملايين ( ياردة - فكان هذا العمل الإنسانى الرائع دليلا على ما يكنه الشرقيون من حب وعطف للشعب الإندونيسى الحر ، الذي يحارب لعلى الصفحة الأخيرة من صفحات الاستعمار الغربى عن الشرق .
وأما صناعة الورق فقد تعهدت بها الشركات الوطنية وتقوم اليوم فى ) إدونيسيا معامل للورق تستعمل قشور الارز لإنتاج أوراق الصحف ، وتمون بها المصالح الرسمية الإندونيسية وتفتخر بها ، لانها منتجات وطنية .
وقد اكتفت أربعة بنوك إندونيسية براس مال قدره ( ١٦،٠٠٠،٠٠٠ ) روبية لإنشاء صناعات جديدة تتطور بها الحياة الصناعية الإندونيسية تطورا كبيرا ، فأوفدت الحكومة الإندونيسية إلى أمريكا فى يناير سنة ١٩٤٧ الدكتور رشاد للاتفاق مع المصانع الأمريكية لتصدير الآلات الصناعية الحديثة إلى إندونيسيا ، وأرصدت ثلاثة ملايين روبية لها
والصناعة الإندونيسية الحديثة تحتاج إلى الفن الحديث . وقد قررت الحكومة الإندونيسية الاستعانة بكبار العلماء والمهندسين الغربيين ، لإرشاد المهندسين الإندونيسيين فى أصول الصناعة الحديثة . وستحول جزيرة جاوا إلى منطقة صناعية حيث يكون ( ٥٠ % ) من مساحتها منطقة صناعية .
ومن الأوضاع التى ستؤثر على مستقبل الصناعة الإندونيسية ، الوضع الحالى للشركات الأوربية واملا كها ، من مصانع ومعامل ومزارع ودور . وقد جرى البحث عنه بين ممثلى الحكومة الإندونيسية ، وممثلى الحكومة الهولندية ، ولم يتوصل الطرفان إلى نتيجة حاسمة . ويقرر الجانب الإندونيسى حلا لهذه المشكلة
١ - الأملاك الأجنبية التى تؤثر على حياة الدولة
تستولى عليها الحكومة الإندونيسية وتقدم لأصحابها اثمانها . ٢ - أملاك حكومة الهند الهولندية تستولى عليها الحكومة الإندونيسية .
٣ - الأملاك الأجنبية التى استولت عليها الحكومة اليابانية ، ثم استولت عليها الحكومة الإندونيسية تصبح ملكا لها ، وليس لاصحابها الدعوى فى مطالبة الحكومة الإندونيسية بها .
وإذا نجح الإندونيسون فى تنفيذ هذا القرار ، فقد نالت إندونيسيا منها كثيرا . ويدل الوضع السياسى الإندونيسى الحاضر على صوبة الحصول على نتيجة
مرضية ، لأن الأجانب محتفظون بأملأكهم ، ولكن الحكومة الإندونيسية سوف تنفذ قرارها ، اعتمادا على المادة الأولى والرابعة عشرة من (اتفاقية البحرية الجرجاتى ) الموقعة بين الحكومتين الإندنيسية والهولندية في ٢٥ مارس سنة ١٩٤٧ .
فهل تغدو ) أندونيسيا دولة صناعية فى الشرق الأقصى بما تملكه من المواد الأولية الزراعية والمعدنية ؟ إن القرائن الحالية تؤيد هذا السؤال . وفى بحث آخر سنتكلم عن التجارة الخارجية الإندونيسية الحديثة

