يستطيع الإنسان أن يصدر حكمه على الحضارة الإسلامية وهو أمن ، فقد نشأت في تربة صالحة لنمو الحضارات ، وتطورت في بيئات سبق أن قامت فيها حضارات أخري وأزهرت ، وتعاون على بنائها شعوب متحضرة ذوات تجارب طويلة واثار محمودة في كل ناحية من نواحي النشاط البشري ، قورثت - أو كانت تستطيع أن ترث - من هذه الحضارات أحسن ما فيها ، وكانت نستطيع كذلك أن تفيد من ملكات الشعوب الكثيرة التي دخلت في الإسلام أو بقيت على دينها في ذمة دولته ، ثم إن القدر أتاح لها فسحة طويلة من الزمان لم يسمح لغيرها يمثلها ، فلم يتهددها منذ القرن الهجري الأول إلى نهاية القرن السابع خطر خارجي داهم ، ووجد القائمون على أمورها بين أيديهم من أدوات العمل وعناصر التقدم وفسحة الزمان وانبساط المكان ما لم يوفق إليه الرومان قبلهم ، ولكن دولتهم أخذت تذوي من تلقاء نفسها ، وبفعل عوامل داخلية صرفة من زمن مبكر جدا ، فأخذت الدولة نهار ونظامها يفسد من مطالع القرن الهجري الثاني ، وتعثرت الحضارة بعد ذلك قرنين آخرين ، ثم يبس عودها ووقف نموها ؛ ثم ماتت في
أواخر القرن الهجري السادس ، ولم ينفع فيها بعد ذلك علاج ، وظلت على مواتها حتى أيقظتها حضارة جديدة غريبة عنها هي حضارة الغرب ، فقامت من جديد تطلع وتتعثر ولا يدري أحد إلى أين ينتهي بها المصير .
ولو أن هذه الحضارة الإسلامية ابتليت بكوارث متوالية كهذه التي ابتليت بها حضارة اليونان من حرب طاحنة طويلة مع الفرس استنفدت قواها قرونا طويلة ، ثم من غلبة المقدونيين البدو الأجلاف ، مما أضعف شخصيتها وحولها عن طريقها ، ثم من سيادة الرومان التي امتصت دماءها ، لو أن مثل ذلك حدث للدولة الإسلامية لاستطعنا أن ترد إليه بعض أسباب جفاف حضارتها وزوالها ، ولكن شيئا من ذلك لم حدث ، وإنما جفت من تلقاء نفسها كتبات مقيم غير مؤهل للحياة ، لأسباب داخلة في تركيبه وطبيعته ؛ ومن واجبنا أن ننظر في هذه الأسباب حتى نستطيع أن نتعرف ماضينا على حقيقته دون أوهام أو عواطف تضر أكثر مما تنفع .
وأحب أن ألفت نظر القارئ إلى بضع حقائق هامة تتصل بتاريخ الإسلام ، حقائق تكشف لنا عن الكثير من
أسراره التى كانت آخر الأمر سبب جفاف حضارته ووقوفها عن التقدم والنمو .
لنلاحظ أولا أن الدولة الإسلامية بلغت أوجها من حيث النظام والقوة الحقيقية في عهد عمر بن الخطاب، وما تلا عهد عمر من تاريخ دولة الإسلام إن هو إلا اضمحلال مستمر ، فقد حول عمر الإسلام من دين فحسب إلى دين ودولة ، واستطاع أن يستخرج من القواعد التى وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة الإسلامية في "المدينة" قواعد كثيرة استطاع تطبيقها على نطاق أوسع بمهارة خارقة ، وعرف كيف يستخرج من العربي خير ما كانت تضمه نفسه من خصال ، واجتهد بعقليته القرشية الخالصة حتى حول "الأمة الإسلامية"، إلى دولة عربية ، واستبعد بفطرته العربية كل العناصر غير العربية في بناء دولته ، ووضع بيده حدا فاصلا بين كل ما هو عربي وكل ما هو غير عربي ؛ فاعتبر الشعوب المفتوحة كلها مرتبة دون العرب ، وأصر على أن يبقي العرب عربا خلصا في الدم وأسلوب الحياة ، وحرم عليهم الزراعة والاشتغال بالحرف ، لأنها ليست من طبائع العرب ، والعربى في عرفه لم يخلق إلا ليكون جنديا أو حاكما ، حتى من بقي من العرب في الحجاز قرر له نصيبه من قيوء الفتوح ، وأرغم العرب الفاتحين على إرسال الخمس من الغنائم والخراج ليوزع على العرب غير الفاتحين ، حتى يظلوا سادة على حساب أمم كان بعضها قد دخل الإسلام ولكنها ليست عربية ، وحتي في طريقة توزيع هذا الخمس لجأ إلى أساس عربي صرف يقوم على نسبة القرابة من سيد العرب ، وألغي نظام قسم القئ الذي جرى عليه أبو بكر ، لأن هذا النظام ليس عربيا بل إسلاميا ، فهو يقسم الناس طبقات يحسب الأسبقية في دخول الإسلام ، ومن هذه العناصر العربية الخالصة بني عمر دولته العربية ، فجاءت منسجمة مع نفسها في كل ناحية ، وكان هذا الانسجام سبب قوتها الهائلة التي مكنت لها من سيادة الشرق الأدنى والحوض الشرقي للبحر الأبيض في أمد وجيز .
ثم جاءت الدولة الأموية فنقلت الدولة العربية إلى الشام، وانتقل قلب الدولة من جزيرة العرب إلى شواطئ
البحر الأبيض ... واجتذبها هذا البحر بما له من سحر تاريخي قديم ، وتقاطرت قبائل العرب واستقرت في الشام ومصر ، ثم اندفعت مساحلة شاطئ هذا البحر حتى وصلت المحيط الأطلسي من ناحية ، والقسطنطينية من ناحية اخري ، ثم اجتذبتها شواطئ البحر الأبيض من جديد ، فعبرت إلى الأندلس ومضت إلي الشمال صعدا حتى تهافئت قواها في سهول غالة ، وعلى هذه المساحات الشاسعة تنأثرت قبائل العرب ، وأرادت أن تعيش في مواطنها الجديدة سيدة على غيرها على المبدأ العمري ، وخدعها النصر السريع عن حقيقة ما كان يحيط بها من ظروف جديدة ، ولم تلق إلا إلى الشعوب الكثيرة التي كانت صدمة الفتح قد أذهلتها عن نفسها ؛ فحسبت أن الأمر للعرب إلى يوم يبعثون ، وأقبلت على خيرات الولايات في عطش وتهم ، وتسري كل عربي بمن استطاع الحصول عليه من نساء أهل هذه الولايات ، ومضوا يزجون فراغ السيادة بتسلية الجاهليين التي كان حماس الفتوح قد صرفهم عنها ، وهي حروب العصبات ؛ فأخذت هذه الحروب تستهلك جماعاتهم وعملت دماء السبايا عملها في أجيالهم ، وأخذ سادتهم في القلب والأطراف يعيشون عيشة غير عربية ، وزال شيئا فشيئا ذلك الانسجام الذي كان سر قوة الدولة أول الأمر ، ورأت الشعوب المفتوحة سادتها من العرب يهبطون رويدا رويدا من سماء سيادتهم العالية ويفقدون هيبئهم ؟ فنهضوا يحاربونهم في الأندلس والمغرب وخراسان ، وانتبه الطامعون في السيادة من العرب إلى ذلك ؛ فخطوا الخطوة الفاصمة التي أزالت دولة العرب : شجعوا غير العرب على طلب السيادة وعهدت جماعة منهم إلى رجل خراساني في القضاء على سيادة العرب وتم لهم ذلك وانتقلوا بالدولة من شواطئ البحر الأبيض نحو قلب آسيا ، وحولوا وجهة الدولة كلها وجهة أسيوية : تربعوا على عرشهم في بغداد غير بعيد من عاصمة الأكاسرة وعهدوا إلى الفرس والخراسانيين في بقاء دولتهم الجديدة ، واستيقظ كسري من حياته وتربع على عرش دولة الإسلام في ثياب إسلامية وضاعت عبرة التجارب العمرية ، وأهملت الدولة الأسيوية الجديدة ما بعد عنها من ممتلكاتها غير الأسيوية ؛ فضاع الأندلس على عهد المنصور ، والمغرب على
عهد الرشيد، وانقلبت الدولة ومضت تعيش تراث الآسيويين وتستخرج منه نظمها في حكم الناس وتوجيه المجتمع . ولم يعد يربط الدولة الجديدة بالأصل العربي الإسلامي إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، أما ما عدا ذلك من مقومات سياستها وأساليبها في الحكم ونظرتها إلى الحياة فمخلفات حضارات أسيوية بالية نضب معين الحياة من كيانها منذ زمن بعيد فلم يكن لها والحالة هذه من محيص عن اليبس والجفاف.
وفي خلال هذه الفترة كلها كان التطور الطبيعي المعقول للنظم الإسلامية العربية الأصيلة قد توقف تماما ؛ فقد أتي الإسلام بقواعد جديدة لغاية في السلامة لبناء المجتمعات ، وسياسة الدول : ألغي فوارق الأجناس وجعل الحكم حقا للأصلح من المسلمين كافة ، وضمن للغير المسلمين حرياتهم وسلامتهم في كنف دولته ، وأطلق العقل من عقاله وأباح للناس حرية التفكير ، وجعل الحاكم مسئولا أمام رعيته عن تصرفاته ، وضمن للضعفاء من النساء واليتامي والعاجزين عن الكسب حقوقهم في المجتمع ، وحض الناس على العمل والكسب واجتلاب النعم والتمتع بها في حدود معقولة ؛ وكان الرسول الكريم قد وضع أسسا جديدة جدا لنظام الدولة أخذ معظمها من نص القرآن وابتكر بعضها الآخر يملكته الهادية وزكانته السياسية وإدراكه التام الدائم للواقع ؛ وفي مدرسة الرسول تخرج عمر سياسيا واقعيا لا يهتم إلا للواقع وعلى أساسه يتخذ قراراته . وتلك هي الميزة الكبري للنظم الإسلامية على ما سبقها من النظم ؛ إنها ترتب شئون البشر على أساس الطبيعة البشرية بنقائصها ومحاستها ولا تفرض على البشر إلا ما تطبقه قواهم وطبائعهم ، وتجتهد اجتهادا عظيما في أن تطابق بين مظهرها وحقيقتها ؛ فعمر مثلا كان يشعر دائما أنه يحكم شعبا عربيا ، فظل يعيش عربيا بسيطا حتى يتحقق التطابق بين مظهره وحقيقة دولته ؛ وكان ذلك في الواقع سر قوته ونجاحه . وكان التطابق تاما بين قواعد الإسلام وحقيقة الأمر في الدولة ، في حين أن أكاسرة الفرس كانوا يجلسون على عروش من الذهب بينما رعاياهم يعيشون في الرغام ، فكان عدم التطابق هذا من أهم الأسباب في ضياع دولتهم .
وكانت دولة الإسلام قد خرجت إلي الناس بهذا المبدأ الجديد: مبدأ التطابق التام بين مظهر الدولة وحقيقتها ، بين الحاكم والحكوم ، مبدأ الاتصال المباشر بين الأول والثاني ، وضع الرسول هذا المبدأ في دولته الصغيرة في المدينة وسار عليه عمر ، وظهرت الدولة الإسلامية بفلسفة جديدة في الحكم كانت حرية بأن تقل البشر من فلسفات الحكم القديمة التي كانت تقوم على حكم الناس بالوهم والبطش والقهر ، وهذه هي الناحية التي فاتت الأمويين والعباسيين من بعدهم ؛ فرجعوا بالحكم وسياسة الدول إلى أساليب الدول الأسيوية القديمة فاتسعت الحوة بين الحاكم والمحكوم رويدا ، وبعد الفارق بين المظهر والواقع شيئا فشيئا وفي هذه الهوة وذلك الفارق ضاعت الميزة الأولى للدولة الإسلامية وسر طراقتها وأساس قوتها ، ولم تعد في واقع الأمر غير دولة أسيوية قوية الروح والطابع والأساليب ، وهذا ما عنيته بقولي: الدولة الإسلامية بلغت أوجها الأصيل الحقيقي على عهد عمر ، وما تلا ذلك لم يكن إلا انهيارا متصلا من ذلك الأوج وارتدادا محزما إلى تجارب أسيوية ثبت فشلها من زمن بعيد .
ولنلاحظ ثانيا أن التاريخ الإسلامي لا يكون كلا متصلا ، وأننا إذ ندرسه لا نجد أنفسنا أمام عصور متوالية يرتبط سابقها يلاحقها بروابط طبيعة تطورية حقيقية ، وإنما نحن أمام عصور متوالية منفصل كل منها عن الآخر كل الإنفصال ؛ فالعصر الأموي يختلف من كل ناحية عن العصر الراشدي ، يختلف في نظام الحكم وهيئة المجتمع وتكوينه ومثله العليا واتجاه الحكم وأهدافه . وعندما ينتقل الأمر إلى العباسيين يقف ذلك كله . ويبدأ عصر جديد من كل ناحية أيضا "فالخليفة" العباسى ليس هو "الخليفة" الأموي ، ونظم الحكم العباسية تختلف في روحها تماما عن نظم الحكم الأموية . والمجتمع البغدادي غير المجتمع الأموي ، والمثل العليا للناس في العصر الأول ليست هي المثل العليا لهم في العصر الثاني . حتى "الشعب" اختلف في نوعه وتكوينه . وهذه الاختلافات كلها لم تأت عن تطور طبيعي أو انتقال تاريخي نستطيع تعليله ، وإنما هي انتقالات فجائية حاسمة تضع حدا لكل ما مضي وتبدأ عهدا جديدا تماما ، ولو أنك أردت أن تدرس العصر العباسي دون أن تلم بالعصر الأموي لاستطعت،
لأنك في الواقع أمام دولة جديدة أصلا . وهذا الاتجاه التاريخي الغريب هو الذي يجعل مهمة مؤرخ الإسلام أعسر من مهمة من يؤرخ للعصور الوسطى الأوربية مثلا ؟ فهناك دول كثيرة متوالية وأنظمة كثيرة يتجه كل منها اتجاها خاصا ، ولكن الأساس العام للحكم واحد وهو يتطور باستمرار تطورا منتظرا له غاية واضحة : خذ عقود الاقطاع من القرن السادس الميلادي إلى الثاني عشر، تجدها تتطور باستمرار في الصيغ والحدود ، ولكنها جميعا واحدة في الروح والاتجاه والأغراض . خذ تاريخ دولة الكنيسة ، تجد نفسك أمام تطور طبيعي يبدأ من اساطير إنشاء بونا بن سمعان المعروف بالرسول بطرس لكنيسة روما ، ويصل تدريجيا إلى دولة البابوية المنظمة القوية في عهد جريجوري السابع . وخذ نشأة المدن وتتبع تطورها ، تجد نفسك أمام تاريخ متصل منطقي ، وهكذا بينما تتعاقب الدول وتختلف الظواهر العامة وتجري تطورات أخرى داخلية تربط العصر بالعصر والناس بالناس ، وتجعل التاريخ الأوربي أشبه بنهر متصل المجري ، قد تختلف المناظر القائمة على شاطئيه ، وقد تعترضه الشلالات والجنادل ، ولكن الماء واحد واتجاهه واحد ، ومصبه كذلك واحد مهما اختلفت المنابع وموارد الماء .
وربما كان مرد تلك الظاهرة التاريخية الغربية إلى أن الدولة الإسلامية انتقلت أوائل العصر العباسي من شواطئ البحر الأبيض إلى آسيا ، وأصبحت دولة أسيوية الروح والطابع والاتجاه ، والعقلية الأسيوية عقلية جامدة غير تطورية ، لا تعرف التدرج . والتغير فيها لا يتم إلا عن طريق الانقلاب أو الانفجار ، وكل شئ تبدعه العقلية الأسيوية يبقى كما ظهر أول مرة ، وإذا أردت مثالا ملموسا لذلك فخذ اللغة العربية ، فنحن نكتب اليوم بلغة امرئ القيس ، وتستعمل الألفاظ في نفس المعاني التي استعملها فيها مع أن بيننا وبينه ستة عشر قرنا ؛ ولا يعزي هذا إلى إصرار الناس على المحافظة على لغة القرآن ، فكل لغات آسيا علي هذا الطراز ، والصينيون اليوم يكتبون لغة كونفوشيوس .
ولو أنك تتبعث تاريخ المسلمين أرأيت أن هذه الظاهرة تنطبق على كل عصر من عصوره ؟ ومن العبث أن تبحث عن الروابط والخطوط العامة التي تربط عصرا بسابقه أو يلاحقه ، لأن العصر في تاريخ المسلمين إذا انقضى اتمحت
آثاره كلها وبدأ الناس حياتهم من جديد .
ونحن اليوم حينما تحاول إحياء تراث أجيال المسلمين السالفة إنما نحاول أن نصطنع ظاهرة غير طبيعية ، وحاول أن تصوغ تاريخنا صياغة أوربية ؛ فبينما يشعر الإنجليزى المعاصر أنه متصل تمام الاتصال بأجياله السابقة ، ويعرف أنه يستمتع إلى اليوم بالطاجناكارنا والهابياس كوربس، نشعر نحن شعورا صادقا بأنه ليست هناك رابطة حقيقية تربطنا إلى بني أمية أو بني العباس .
ومن هنا فمن الطبيعي أن يكون العرب أقل الناس تأثرا بماضيهم وارتباطا به ، لأن كل جيل من أجيالهم الماضية اختفي من التاريخ حاملا معه كل تراثه تاركا الميدان لجيل آخر يبدأ كل شئ من جديد . ولا أشك أن أي عراقي أو شامي أو مصري إذا بحث عن الصلات التي تربطه بالأجيال العربية السابقة لم يجد في الواقع شيئا ؟ وإذا كان يشعر اليوم بالحنين إلى الماضي فهذا شعور مصطنع أخذه عن الحضارة الأوربية الجديدة ؛ وقد تنبه ابن خلدون إلى ذلك وتصور التاريخ أجيالا لا يرتبط إلا كل أربعة منها بعضها ببعض ، ثم يزول الأمر كله ويبدأ عهد جديد .
وربما بدا ذلك الرأي غريبا لأولئك الذين يذهبون إلى أن الشرق عالم التقاليد المرعية والمحافظة على تراث الأجداد ؟ والواقع أن الشرقيين أقل الناس حرصا على التقاليد ورعيا لحقوق الأجداد وتراثهم . أما ما تراه من استمساك الجماعات الأسيوية بالتقديم فمجرد جمود ، مقشؤ عجز العقلية الأسيوية عن التطور وميل الإنسان الشرقي نفسه إلى التراخي والخمول .
إن للحرب ماضيا ، هذا صحيح ولكنه ماض ميت لا يؤثر في الحاضر ولا يسيره ، ومحاولتنا الحالية إحياء هذا الماضي محاولة مصطنعة والشلة ... ماض منقطع ليس فيه استمرار أو اتصال ، ماض لا تستطيع أن تستخرج منه عبرة أو قوة دافعة ؛ لأن قواه قليلة قصيرة الجذور كحشائش الربيع تتلاشي تماما في الخريف.
وهذا الرأي الذي أبديته يصل ما بين فلسفة الزمان عند الشرقيين وفلسفة التاريخ عندهم ؛ وقد بينت رأيي في الموضوع الأول في مقال سابق ؛ وهذا الحديث يتصل به تمام الاتصال : كلاهما سورة لعقلية الشرقي .

