الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 193الرجوع إلى "الثقافة"

العقار

Share

٣ - العقار بالفتح

العقار كشداد ، بفتح الأول وشد الثاني المفتوح . وردت في لسان العرب في مادة ( ع ق ر ) قال : " العقار والعقير ) وضبط الأول ضبط قلم كجبار ، وضبط الثاني كسكت ) ، ما يتداوي من النبات والشجر . قال الأزهري : العقار الأدوية التي يستمشي بها قال أبو الهيثم : العقار ) وضبطت بالفتح ( ، والعقاقر ) كذا ، والصواب : والعقاقير ( : كل ينبت مما فيه شفاء . قال : ولا يسمي شيء من العقاقير فوها ، يعني جميع أفواه الطيب إلا ما يشم وله رائحة . قال الجوهري : والعقاقير : اصول الأدوية .( والعقار وضبطت كرمان ) : عشبة ترتفع قدر نصف القامة ، وثمره كالبنادق . .

وفي القاموس للفيروزابادي - وفي كل معجم منقول عنه من المعاجم الحديثة - ) العقار ككتان: ما يتداوي به من نبات أو أصولها ( كذا ولعل الأصل : أو أصوله ) والشجر ، كالعقير ، كسكبت ، وبالضم ( أي عقار ) عشبة ؟

والمعاجم المنقولة عن القاموس كثيرة . ولا نود أن نذكر منها شيئا ، لأنها صور مطابقة للأصل ، ولا فائدة في الاستشهاد بها ، ولا نذكر ايضا أقوال المستشرقين ، لأنهم وإن أمعنوا في العربية - يغرقون في نطقة ، فكيف في بحر عجاج كبحر العربية الفياض الذي لا ينكش ولا يكشكش ؛ فنجتزي إذا بهذه الإشارة ، تفاديا من إتعاب القراء ، حفظا لصحتهم وضمنا بوقتهم !

من أين جاءنا العقار ، بالفتح ؟

مر بنا أن أقدم نص ورد عند العرب الفصحاء ، وهو لعقار ، بالضم أي كرمان . أما العقار ، بالفتح كمعطار ،

فمتى نشأ أو وجد في اللغة ؟ - قلنا نشأ بعد المائة الثانية للهجرة بكثير ؛ وقد يكون في عهد صاحب لسان العرب ، المتوفي سنة ٧١١ ، أو في عهد صاحب القاموس ، المتوفي سنة ٨١٦ الهجرة . أما كيف جاءنا ؟ فنظن أنه نشأ من قراءة نص القاموس ؛ فقد جاء في هذا المعجم " العقار ، ككتان . . وأما صاحب اللسان فإنه لم يذكر له وزنا من الألفاظ العدتانية الشائعة المعروفة عند الناطقين بالضاد فظن المؤلف ان في شهرة الكلمة والنطق بها ما يغني عن ذكر وزن لها . وهذا كثيرا ما يفعله هو وجماعة من اللغويين . ومن يراجع بعض مواد اللسان والقاموس والصحاح وأساس البلاغة يتحقق الأمر ويلقي فيه ما يقنعه .

أما كيفية الانتقال من لغة فعال المضموم إلي لغة فعال المفتوح ، أي من قول عقار إلي قول عقار ، فهو أن الفيروزابادي ذكر الكتان وزنا للعقار ، والكتان هنا بالضم والشد ، لا بالفتح والشد ، والكتان بالضم اسم دويبة خبيثة الرائحة تلسع الإنسان لسعا اليما ، وهي المسماة اليوم في اليمن ودار مصر(بالبق ) ، فقرأها كثيرون ( الكتان ) بالفتح ، كشداد . فاستشهاد المجد بوزن الكتان بالضم ، من الاستشهاد باللفظ الغريب ؛ وكان عليه أن يزنه بالرمان او الزنار أو اللقاح . فهذه الغرابة في ذكر الميزان حملت القراء علي قراءة العقار كشداد أو جبار او عطار .

والفيروزابادي كثيرا ما يغرب في أقواله وأوزانه وشروحة ، حتى في عنوان معجمه ، الم يسمه ( القاموس المحيط ، والقاموس الوسيط ، فيما ذهب من لغة العرب شماطيط ) ؟ .

ومن غرائب شروحه أن يعرف المبرد ، وهي الآلة المشهورة التي في ايدي التجارين والحدادين بقوله في مادة ( ب ر د ) : " المبرد : السوهان " . وهو لم يشرح لنا

السوهان في ديوانه . والكلمة فارسية معناها الآلة المذكورة ، فكم من عيب في قوله هذا ؟ فالعيب الاول أنه فسر معروفا بمجهول ، والعيب الثاني أنه شرح لفظ عربيا فصيحا صحيحا بأعجمي يحط من قدر العربي ، إذ يفضل الفارسي علي العدناني . والثالث أنه لم يشرح لنا في ديوانه كله معني المبرد ، بأي صورة من الصور . فأي منفعة من هذا البحر المحيط أر القاموس المحيط ، وهو لا يحيط بتعريفنا آلة صغيرة هي المبرد ؟ أفهذا قاموس وسيط ، فيما ذهب من لغة العرب شماطيط ؟ - والعيب الرابع انه شرح لفظا خفيفا بلفظ أثقل من جبل حمرين

ومن غرائبه أيضا أنه فسر المحسة بالفرجون . وهذه كملة أرمية أو نمطية . وأول المسح بالبلاس . وهذه فارسية

ولو أردنا أن نورد كل ما جاء من هذا القبيل ، لأحرجنا صدر القارئ كل الإحراج .

وهل نعجب بعد ذلك من أن تراه يستعمل ( الكتان) بضم وشد وزنا للعقار ؟ ونضيف إلى ذلك ان نسخ القاموس يختلف بعضها عن بعض في تقييد ( الكتان) في هذا الموطن . فمنها ما تعتبطها كشداد ، وهي جميع المطبوعات ، لأن الكتان اشتهر عند الناس كجبار وشداد ومنها ما تضبطها كرمان وزنار ، وهي بعض النسخ الخطية وعندنا منها ثلاث . إذ بذلك اهتدينا الى الحقيقة التى تبدو معقدة في أول نظرة لها ، مع انها خالية من كل عقدة وعجرة .

* - الخلاصة : العقار بالضم هي الفصحى ، وأصح اللغات

يظهر مما بسطناه بين يدي القارئ أن أفصح اللغات هي العقار ، بضم الأول وشد الثاني ، لأنها أقدم اللمي وأوثقها ، واثبتها رواية ونصا صريحا . واصحابها : العين والزمخشري وبحر الجواهر والفارابي ، وامثال هؤلاء التفات الأثبات الذين ذكرنا تآليفهم ونصوصهم .

وأما العقار بالفتح والشد فرواية ضعيفة ، لكنها لا تنبذ ، لشهرتها وورودها في بعض الدواوين

البطريرك والبطريق والفرق بينهما أصلا واصطلاحا

سأل حضرة الدكتور زكي مبارك في مجلة الرسالة في ٧١٥:١٠ عن أصل البطرك والبطريق فنقول : البطرك ، وفيه لغات ، منها : البطريرك والبطريك والفطرك والفطريرك والفطريك ، والذين يستعملونها هم أصحاب اللغة الأرمية ) النبطية ( ؛ وأما الألفاظ الثلاثة الأولى ، فالناطقون بالضاد ولادة ونشأة ، وكل هذه اللغات الست وهناك غيرها ، واردة في كتب النصاري ، من اقدمين ومحدثين . والكلمة واحدة في الأصل هي البطريرك اليونانية الوضع من Patrikrches ؟ المتحولة من Patriaاي رأس وأصل وبلدوArehin أي امر وحكم . وقد وردت اللفظة في التوراة في الترجمة اليونانية ، قبل ميلاد المسيح ، وأريد بها : رئيس الأسرة أو أكبرها . وبهذا المعنى قالت العرب ؛ الأب الاكبر أو رأس العشيرة .

وأما البطرك أو البطريرك بالمعني الحديث النصراني ، فيراد به الرئيس الاكبر في الدين ، اي الرئيس الذي يكون فوق الطاولة . وكان عدد البطاركة في صدر النصرانية خمسة ، ثم صار عددهم مع الزمان ثلاثة عشر في الكنيسة الكاثوليكية . والخمسة الأولون هم بطريرك رومة ، أو بطرك المغرب ، ويسمى البابا من باب الإطلاق ، وهو أكثر البطاركة الخمسة ، وله يخضعون إن كانوا متحدين به ، وهم : بطرك انطاكية ، وبطرك الإسكندرية ، وبطرك القدس ، وبطرك القسطنطينية . والأول هو الذي يعين الأربعة الآخرين ، إن كانوا من الكاثوليك ، وإلا فهناك بطاركة غير كثوليك وطائفتهم هي التي تعيينهم . وهؤلاء البطاركة هم : بطرك القبط ، وبطرك الروم ، وبطرك

الارمن ، وبطرك القساطرة ، وبطرك اليمافبة ، الذين يسمون انفسهم سريانا خلافا للتاريخ الموثوق به .

واليوم يبلغ عدد البطاركة الكاثوليك ثلاثة عشر ، ولا حاجة لنا إلي ذكرهم ، فليس المقام مقام دين

وأما البطريق فمن اللاتينية Patricius ؟ وهي مشتقة منPaier  - أي اب ، وهو من الألقاب التي اتخذت في الإمبراطورية الرومانية ، وأول من وضعها في تلك الديار ، قسطنطين الملك ؛ ثم اطلقها خلفاؤه على اعاظم اعوانهم في الدولة .

وقد ميز كتاب العرب بين البطريك والبطريق ولا سيما المؤرخون منهم ؛ لكن ثم من خلط بينهما ، فلم يتمكنوا من معرفة الفرق بينهما ، لقصور كتب اللغة في شرحهما . وهو تعالى الهادي إلي الصواب .

(بغداد)

اشترك في نشرتنا البريدية