يقول الأستاذ هكسلي في فصل نشره في إحدى المجلات الكبرى إن أصحاب النظريات العقلية في القرن التاسع عشر كانوا على يقين من أن ما يسمونه (النزاع بين العلم والدين) سينتهي حتماً بهزيمة الدين، ولكن تأريخ العصر الحديث أثبت أن هذه النظرية لا أساس لها. ذلك أن العلم لم يهدم الدين، ولكنه نقله فقط من ميدان إلى آخر؛ وقد كان من أخطاء أجدادنا أنهم كانوا يتصورون العلم والدين عدوين يحارب أحدهما الآخر، وأن
العلم أمضى أسلحة من الدين، وأنه سيودي غير بعيد بالدين حتى يغدو جثة لا روح فيها؛ وتلك صورة خاطئة. فالعلم والدين ليسا عدوين، ولكنهما قوتان عظيمتان من قوى الطبيعة
إن الإنسان يفكر والله يدبر؛ ولكن المصلحين لم يظفروا بتحقيق المهمة التي رمزوا إلى تحقيقها، وهي القضاء على الأوهام والخرافات التقليدية التي تدخل الدين بغير حق. وقد أحرزوا في هذا السبيل نجاحا محدودا؛ ولكنهم هيئوا بجهودهم ميدانا لأنواع أخرى من العادات والتعصب، ربما كانت أسوأ من الخرافات الأولى؛ فهنالك اليوم من ضروب العبادة القومية والتعصب القومي والجنسي ما لا يقاس في حدته وروعته بتلك العواطف الساذجة التي جهد المصلحون للقضاء عليها

