يقوم العمال بالدور الإيجابى فى الإنتاج فى المجتمعات الاقتصادية ، لذا كانت ولا تزال لهم الأهمية الكبرى فى سير هذه المجتمعات وتوجيهها . ولقد ظنت أحوال العمال طيلة الصور الوسطى متدهورة كل التدهور ، تنتقل من سوء إلى سوء ، حتى جاء القرن العشرون الذى يعتبر عصر المدنية الحديثة والتطور العصرى ، فبقدوم هذا القرن تبدلت هذه الأحوال وتغيرت إلى حد بعيد .
فقد ظهر بمقدم هذا القرن كثير من الذاهب الاقتصادية التي أخذت على عاتقها حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت قاعة في عهود الأخطاط والرجية ، وأهم هذه المشاكل دون منازع مشكلة الطبقات وتطاحنها ، وأهم هذه الطبقات طبقة للمولين أو أصحاب رءوس الأموال وطبقة العمال .
ولقد كانت طبقة العمال هى الطبقة المغيونة المتأخرة المعذبة دائما ، بالرغم من كثرة عددها ووفرة أفرادها . بالنسبة لطبقة الأغنياء ، على حين كانت هذه الأخيرة طبقة محظوظة متمتعة بشتى ضروب التمتع . على الرغم من قلة عددها بالنسبة لطبقة العمال . ولكن المسألة هنا ليست مسألة عدد أفراد ، بل تبين بجلاء ان " المال " هو كل شئ فى تنظيم الطبقات ، وعليه قام يحور مسألة " تطاحن الطبقات " !
بل نحن لا نعدو الحقيقة إذ نقول : إن هذه المذاهب والأنظمة الاقتصادية ما قامت إلا من أجل التنظيم الاقتصادى فى المجتمع ووقف التطاحن بين الطبقات ، وإيجاد حل عادل يليق بهذا العصر الحديث لمشكلة طبقة العمال ، تلك الطبقة الكادحة ، التى يقوم عليها البناء الاقتصادى والحياة العامة فى المجتمعات ، وبالرغم من ذلك ترزح تحت كلكل
من الظلم والاستبعاد والفقر والجهل والمرض وعدم التكافؤ فى المعيشة مع ما تقوم به من دور فى الحياة .
ومهمتنا هنا أن نتعرض للموجهات التى أبدتها هذه المذاهب تجاه العمال ، والتنظيمات التى وضعها لتنظيم طبقتهم وتحقيق أهدافهم وحقوقهم فى المجتمع :
فتقول الاشتراكية : إن العمال يقومون بالإنتاج الحقيقى أى الدور الإيجابى ؟ فهم يقدمون من جهتم أهم شئ وهو " العمل " ويشاركهم أصحاب رءوس الأموال بتقديم " رءوس الأموال" وقد كان يجب والحالة هذه أن يحصل العمال على قدر يشابه بل ويكافئ قدر ما يحصل عليه اصحاب رءوس الأموال، ولكن حدث أن جاز هؤلاء الأخيرون القسط الوافر فى التوزيع ، أما العمال فلا يحصلون على الضرورى إلا بشق الأنفس
والمجتمع فى نظر الاشتراكية ، إذ يتكون من هاتين الطبقتين : طبقة رءوس الأموال وهى أقلية فى عددها ، وطبقة العمال وهي طبقة الأكثرية الساحقة فى المجتمع ، ليس مجتمع عدل يستطيع أن يحقق القوانين والعدالة فى الحياة الاقتصادية ، إذ أن الطبقة القليلة العدد الحائزة للأموال هى الطبقة التى تقبض على المجتمع ومراكزه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتسيطر على الأحوال التشريعية والعسكرية ، فتستطيع بذلك أن تصف بحقوق الطبقات الأخرى ما دامت ضئيلة الأموال مهما كثر عددها ؟ إذا فقيام الدولة الاشتراكية معناه القضاء على هذا العبث الظالم وهذه السيطرة الفارغة والفوضى العارمة ، وتحقيق عدالة الطبقة العاملة ،
وتقول الاشتراكية فى التوزيع : إن الفرد يجب أن ينال من ثمرات الإنتاج بقدر عمله ووفق جهوده ، بحيث
يكون هذا القدر كافيا لأن يضفى عليه مستوي لا تقأ من المعيشة ، وبذلك يتحدد الأجر الذى يحصل عليه العامل وفق مقدار العمل الذى يقوم به :
A chacun selon son travail
وتذهب الاشتراكية المعتدلة إلى التخفيف من وطأة المذهب الاشتراكى وتطبيقه رويدا رويدا ، على أساس من المصلحة والسلم والتطور ؛ فتقول بإباحة إنشاء النقابات ، وتنظيم مسائل العمل وساعاته وعقوده وتعويضاته ومسائل الإضراب وقيوده ، وغير ذلك من السبل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تحقق للعمال عدالة اشتراكية فى مجتمع راق متوازن ، وقد ذهبت إلى ذلك الجمعية القابية Fabian Society .
وتضع الاشتراكية الخيالية تنظمات مجردة عن الواقع لتنظيم مسألة العمل والعمال ؛ فهذا الأستاذ Francaeis Fourier يقول بقيام جماعات من الصناع تمتلك كل واحدة منها مصنعا بمعداته وآلاته ؛ وفى توزيع الأرباح عليهم ، يراعى تدرج نسبى فى التقسيم ، فى أعلاء نصيب العمال ، وجد ذلك نصيب الممولين ثم نصيب الإدارة ؛ وحبذ كذلك قيام المصانع التعاونية على أساس آراء Robert Owen وتنظيمائه
ولو حاولنا أن نستخلص رأيا يخص طبقة العمال فى الاشتراكية الفوضوية L’Anarchisme فسوف لا تجد إلا أن هذه الفوضوية نبغى تحقيق المساواة التامة بين الأفراد جميعا على حد سواء ، ولكن على أساس من رفض فكرة الدولة ونظامها ، وإلغاء فكرة القانون والدين ، أى على أساس الفوضى . .
وترى الاشتراكية الوطنية ، التى قامت فى ألمانيا National Socialism أن النقابة لا داعى إلى قيامها ، وأن المصنع الواحد وحدة قائمة بذاتها ، تتكون من صاحب العمل ومن العمال ، والأول زعيم هذه الوحدة أو الجماعة ، والآخرون بمثابة حاشيته وتابعيه ، وفى الإدارة ضربان من الأسهم ، الأول له حق التدخل فى شئونها النظامية والالية ، والثانى ليس له هذا الحق ؛ لأنه لا يعدو أن يكون مرءوسا غير مسئول ، يدخل فى نطاق حاشية الزعامة العملية فى
الجو الصناعى ؛ وتشجع هذه الاشتراكية الألمانية العمال الزراعيين الذين يتفوقون فى الإنتاج ، وتوقع على المقصرين المهملين العقوبات . .
أما الشيوعية فتريد أن تقيم الدولة على أيدي العمال والفلاحين فى المجتمع ، فقد ثبت أن تولت الطبقات المالية القوية الحكم ، بيد أنها أوضحت عن فشل وسوء نية تجاه طبقة العمال الكادحة التى بدونها يتقوض البناء الاقتصادى . .
فالشيوعية تسيطر دولتها على رءوس الأموال ووسائل الإنتاج جميعا - وتقدمها بالتالى إلى العمال . وهى تفرض العمل على الجميع دون استثناء ، مهما كان العمل الذى يلائم الفرد بدنيا أو ذهنيا ، وليس لديها تفرقة بين الأفراد ، بل الكل فى نظرها سواء ، يقدمون العمل الذى يستطيعون القيام به ، ولكن الآجر لا يتحدد على أساس عملهم وجهودهم كما تقول الاشتراكية ، وإنما على أساس " حاجتهم " !
ليس على العامل وفق مذهب الشيوعية إلا أن يقدم العمل وينال بعد ذلك ما تحتاج إليه من ضروريات ، ويدع للدولة كل ما تراه كفيلا بإسعاده مهما كان سبيلها فى ذلك الحد من حريته ، أو حتى القضاء عليها . .
لقد أرادت الشيوعية أن تقضى على طبقة رءوس الأموال ، فتنتزع منهم ملكياتهم ، وتنصب العمال والفلاحين ليسيروا أمور الدولة . فيضحى الحكم آنذاك مصدره السلطة الشعبية العامة المستمدة من الأمة ذاتها لا من الأقلية السعيدة فقط .
والثروة القومية فى نظرها لم تكن موزعة توزيعا عادلا ، فهى كلها أو جلها فى يد أقلية من الأفراد ، هم طبقة الأغنياء والملاك فى القديم ، ثم صارت فى يد طبقة الممولين وأصحاب الأعمال ؛ وبالرغم من أن العمال يقومون بالدور الإيجابى فى الإنتاج وخلق ثماره ، إلا أنهم لا يحصلون إلا على جزء ضئيل يحدده لهم أصحاب الأعمال ، بالرغم من أن ثمة تكافأ بين مهمتى الطبقتين ، فالعمال إن لم يقدموا " العمل " لم يستطع أصحاب رءوس الأموال الربح والكسب ، وهؤلا ،
إن لم يقدموا للعمال " رءوس الأموال" لم يستطع العمال العيش ، فوجب أن يكون كل فرد فى كلتا الطبقتين معادلا للآخر ، ولن يحدث ذلك إلا بالقضاء على الملكية وفرض العمل على الجميع وتحقيق المساواة الاقتصادية ، فما من فرق ولا تمييز بين طبقة وأخرى أو فرد وفرد .
أما الفاشية فهي تختلف فى تنظيمها العملى للعمل والعمال عن المذاهب السالفة والقادمة الذكر ؛ فهي تقوم على أساس " النقابات ، ودولتها هى الدولة التعاونية أو النقابية ؛ فلكل نوع من أنواع الأعمال نقابة أو اتحاد يضم ممثليه بشروط معينة ، بالرغم من اعتراف الفاشية بحرية إنشاء النقابات ، وتبغى الفاشية تحقيق صالح العمال وصالح أصحاب الأموال على حد سواء ؛ فالدولة وهي المنوط بها القيام على التنظيم والنظام الداخلى يضمن بها أن تجد التنظيم الشامل للعلاقات بين هاتين الطبقتين ، ورأت أن هذا التنظيم لا يكون إلا على أساس قيام حكومة التعاون أو النقابات ، ويشترط للاعتراف بالنقابة قانونا ، وتمثيلها لأهل الحرفة التى قامت بشأنها عدة شروط . منها أن تكون محتوية على الأقل على عشر عدد العمال الذين يقومون بتلك الحرفة ، وأن يحتوى برنامج النقابة على رفع المستوى الاجتماعى للأعضاء من الناحية الاقتصادية والخلفية والأدبية ، ويشترط فى العضو بعض الشروط ، وفى المديرين كذلك تشترط شروط . .
لم تدع الفاشية للدولة أن تقوم هى نفسها بدور الإنتاج فذلك ما تكفلت ، الدولة التى تقوم على أساس اشتراكى أو شيوعى ، وإنما منحت الفاشية للدولة تلك الطريقة الجديدة للإشراف على الإنتاج والاستهلاك .
والنقابة فى نظر الفاشية هى المنوط بها فض المنازعات التى تقوم بين أصحاب الأعمال وبين العمال ، فإن استحكم الخلاف ولم تستطع النقابة أن تحسمه . فإن القضاء الأعلى يختص بعد ذلك بالفصل فى مثل هذه الأمور .
وعلى الدولة أن تقوم بالتفاهم بينها وبين الأعمال الكبيرة ، حتى ينتج تكاتف يسير بالدولاب الاقتصادى سيرا حسنا على أساس الفكرة النقابية .
وتقول الفاشية إن أعظم المشاكل خطرا فى المجتمع هى المشكلة الاجتماعية La Duestion Society ، وهى مشكلة ناتجة عن التطاحن القائم بين الطبقات الاجتماعية فى الدولة La Duestion Society ونرى أن الحل الصحيح لهذه المشكلة أن تصل الدولة على صفاء الجو بين العمال وأصحاب رءوس الأموال ، وذلك بالتوفيق بين مصالح هؤلاء وصوالح أولئك ، بمعنى الا يضطر أصحاب رءوس الأموال إلى الخسارة من جراء رفع أجور العمال ، وألا تخفض هذه الأجور ليكون ذلك سببا فى زيادة كسب الممولين ، وكذلك بمراهاة المصلحة الاجتماعية العامة : مصلحة جميع أفراد الشعب ، لا مصلحة الطبقتين المذكورتين فحسب ، لأن فى الخلاف والمنازعات التى تقوم بينهما ما يهدد الأمن الداخلى وما يغلب الأوضاع ، مما يكون له أسوأ الأثر فى المجتمع .
أما مذهب الراسمالية وموقفه من العمال ، فيحتاج إلى بحت آخر ، نرجته إلى فرصة اخرى قادمة ، إن شاء الله .
