الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 684الرجوع إلى "الثقافة"

الغدر البريطانى أمام محكمة التاريخ، جان دارك ونابليون

Share

الباخرة " نورتمبرلند " فى ١٧ أغسطس ١٨١٥ . " أحتج أمام الله والناس على الظلم الصارخ الواقع بى، وعلي امتهان حقوقى المقدسة، أنا نابليون بونابرت الذى عمدت الحكومة البريطانية معى إلى وسائل ينكرها العرف والشرف للاستيلاء على شخصى، والحد من حريتى، مع كونى لست سجينا ولا أسير حرب، إنما أنا ضيف انجلترا، وقدت إليها بمحض إرادتى، وعملا بنصيحة أسدتها إلى بلسان أحد قاطيتها، وأبتعتنى معها حسن استعدادها لإكرام وقادتى . . وقبولى مع حاشيتى ضيوفا لديها . . لقد وثقت بهذا الوعد، وجئت لأضع نفسى فى أرض انجليزية بمجرد ركوب السفينة "بليروفون" .

فإذا كانت الحكومة البريطانية، قد أوعزت إلى قبطانها أن يبلغنى ما أبلغنيه وهى تضمن الإيقاع فى فهى قد انحرفت عن مبادئ الشرف، وأهانت الراية البريطانية أشد الإهانة، وإذا تنفذ هذا الظلم . وأصبح أمرا واقعا فمن العبث أن يتحدث الإنجليز بعد اليوم عن شرفهم وسماحة قوانينهم وعن تقديسهم لمبادئ العدل والحرية، لأن الكرامة البريطانية والشرف البريطانى قد عدما فى هذا القدر وتلاشيا فيه، وإننى أضع مسألتى أمام التاريخ واثقا من أنه سيحكم بأبى - وأنا عدو انجلترا منذ عشرين سنة -  قد لجأت إليها طالبا حمايتها ومعتمدا على شرفها وكرامتها فكان جوابها على هذه الثقة . . أن تظاهرت بمديد الضيافة إلى، فلما مددت إليها يد القبول فضت على حريتى وشخصتى ومستقبلى".

. . هذا ما كتبه نابليون بونابرت ، وهو فى طريقه إلى سانت هيلانة وهو أبلغ من كل كلام يقال فى غدر بريطانيا التقليدي الذى لم يكن أول من كشف عنه نابليون اللثام منذ قرن ونصف قرن .

هذا بطل مناضل ، قضى عليه حظه العسكري أن يهزم فى معركة واترلو بعد أن يبذل أقصى الجهد فى سبيل التفوق . . وقد رضى بعد الهزيمة أن يتنازل عن العرش حتى لا يثير

حربا أهلية . . وقد نصحه صفوة أنصار ، ورجاله وأصدقائه بأن يضرب الحكومة المؤقتة ويستأنف الحرب ويعود إلى السيطرة على الموقف ، غير أنه آثر أن يعتزل الحياة العامة وقبل التضحية فى سبيل بلاده وتسهيلا للمفاوضات .

وأخذ يعد العدة للسفر إلى أمريكا، وتظاهرت الحكومة، بالاتفاق مع بريطانيا بالموافقة على سفره، وأعدت له سفينة مسلحة . . ثم استبقته عدة أيام، وهنا شعر نابليون أن فى الأمر شيئا . وبدأ يفاوض انجلترا فى الأمر، وقد حاول القنصل الانجليزي إقناعه بأنه لولجأ إلى بريطانيا لوجد منها كل مظاهر الإجلال والرعاية . . وأكد القنصل لنابليون أن انجلترا هي بلد الشرف والعدل والحرية . وأنها لا تنحرف عن خلقها التقليدي، وأنها أن تسلك مسلكا عدوانيا ضد من ألقى سلاحه . . وأخيرا، قبل الامبراطور الضيافة الانجليزية .

وكتب نابليون إلى الأمير الوصى علي عرش بريطانيا يقول . . " أما وقد ألقيت نفس أمام الخلافات الداخلية إلى تقسيم بلادى، وأمام عداوة الدول الأوربية العظمى المتألية على، فقد قررت إنهاء حياتى السياسية واعتزال كل ما يتصل بالحياة العامة ؛ لذلك رأيت أن أجئ إلى انجلترا لأعيش فى وسط الشعب الإنجليزى واضعا نفسى تحت حماية قوانينه الحرة، تلك الحماية التى أنشدها من سموكم بصفتكم أقوى أعدائى وأقدمهم خصومة وأكرمهم نفسا . "

وفى الصباح ركب " نابليون " السفينة " بليروفون " وقال لبططانها الإجليزي : " ) في ارائب سفيتك لاضع غسى تحت حماية القوانين الإجليزية عالما بأن الشعب الاجليزي سيقدر هذه الثقة التي يضعها فيه عدو قديم " .

. . غير أن " الشرف البريطاني " الذى وصفه القنصل الانجليزى بأنه تقليد عريق ، قد تبخر وتلاشى . بعد أن أسلم البطل الذى دوخ أوربا ربع قرن نفسه ، فانتفضت

بريطانيا انتفاضة الغدر بالنسر المهيض . والأسد الجريح . لقد بلغ الدهش منتهاه بنابليون عندما وصلت السفينة إلى " بلايموث " وصعد إليها وزير وأميرال . وأبلغاء قرار الحكومة البريطانية بالقبض عليه ونفيه إلى جزيرة القديسة هيلانة مدى الحياة . . وهكذا كشفت بريطانيا عن صورة من الغدر، لا يمكن أن تشبهها فى التاريخ العالمي صورة أخرى . . حقا، لو تمثل الغدر فى صورة حية لما امكن أن يكون أسوا من هذه الصورة بالنسبة لرجل عظيم عزم، ثم رفع يديه . وسلم نفسه، وقال أعتبر نفسى ضيفا على " الشرف البريطانى " . واضعا نفسه تحت حماية الدولة التى تقدس مبادئ العدل والحرية .

إن نابليون لم يجدد بعد ذلك بدأ من أن يرفع قضيته ليضعها أمام التاريخ ، وانقا من أنه سيحكم له .

الحق أنه ليس " الشرف البريطانى بل هو " القدر البريطانى ، رمز الدولة التى امتصت حياة الشعوب ، ونكلت بالأبطال والمجاهدين .

ولكن ، هل وقف هذا القدر التقليدى عند نابليون وعند الأبطال والمجاهدين الرجال وحدهم ؟ كلا ، إن بريطانيا لم تمتنع عن العدوان على النساء . على العذارى ، على القديسة

" جان دارك " . . هذه بطلة أخرى ، قل أن يكون لها مثيل فى تاريخ الجهاد والوطنية . والاستمانة فى سبيل الحرية ، لقيت من الغدر الانجليزى ابشع صوره .

عندما عجز الإنجليز عن هزيمة جان دارك ، وعند ما أحسوا أنها قد أصبحت خطرا داعما عليهم . . لجاوا إلى الحيلة والخداع والذهب . . فاستطاعوا أسرها . .

لقد حاولوا إغراءها وإرهابها فلم يستطيعوا ، ولكنهم استطاعوا بالقدر أن يؤلبوا عليها رجال الدين فى الكنيسة بعد أن أعلنوا اتهامها بالهرطقة والزندقة والالحاد .

وعقدت محكمة "" إنجليزية " لمحاكمتها . . فهم المتهمون وهم القضاة . . ووقفت "جان" ( تدافع عن نفسها ، فى حجح دامغة . . لقد رفضت حكم القضاة الانجليز . . وطلبت أن تحاكم أمام البابا . .

ولم يمنع القدر الإنجليزى من أن يحكم على " جان " . . بالسجن المؤبد ثم يعدل هذا السجن إلى الإعدام حرفا . .

لقد حرق الانجليز هذه البطلة المجاهدة التى قادت فرنسا إلى النصر وعلمت الفرنسيين الكفاح من أجل الحرية . .

إن محكمة التاريخ ، ستدين انجلترا وتوصمها بالغدر ، على مواقفها العديدة الآثمة . . فى تاريخها الطويل ، وسيكون فى مقدمة صور هذا القدر ، موقفها من جان دارك ونابليون

اشترك في نشرتنا البريدية