يشترك في الحرب الحاضرة عدد كبير من الفنانين رجالاً ونساء، إما بالعمل في ميادين القتال أو المشاركة في الأعمال الأخرى التي تقتضيها الحرب. وقد يجد هؤلاء بعض العزاء فيما يسمعون عن حياة رجال الفكر الذين عاشوا قبلهم في أيام الحروب
هل أسكتت الرحب شكسبير؟ أو أخمدت المنازعات صرخات وجنر الغاضبة، أو أثرت في شجاعة بيتهوفن؟ لا، والحمد لله! لقد نشأ شوبان في بولندا وهي تناضل بغير جدوى لاستعادة استقلالها، وقد كان في (سنتجارت) حين جاءه نبأ سقوط (وارسو) في أيدي الروس، فكان لهذه الحوادث أثر لا ينكر في شحذ قريحته، وإمداد بالإلهام الصادق والدراسة الرفيعة. فلما رحل شوبان إلى باريس صارت له باريس وطناً ثانياً، وأحلته منها مكاناً مرموقاً لما يحمله الفرنسيون لبولندا من العواطف الجميلة. وقد كتبت جورج ساند التي أحبها شوبان وعاشت بعد وفاته - كثيراً من مؤلفاتها الرائعة ووطنها فرنسا في حرب عنيفة
مع الأعداء. لاشك أن الحرب لم تكن عاملاً مخيفاً في تلك الأيام كما هي اليوم، ولكن مهما تكن الحال فإن الفنانين يشعرون بمآسي الحرب أكثر من سواهم، وهذا مما يزيد ارتباطهم بالعالم إبان الحرب
أخبرتنا (فيولا مينل) في الكتاب الذي وضعته عن أمها، أن (آليس مينل) كانت تشعر بصدمة قوية في أعماق نفسها عند نشوب الحرب. ومع ذلك فقد كتبت آليس الكثير من أرق وأبدع أشعارها في تلك الأيام العصيبة
وقد يتحرك الشعراء بعامل الدفاع عن الحرية كما فعل (بيرون) باشتراكه في الحرب للدفاع عن استقلال اليونان. ومن الشعراء من هزوا النفوس بأشعارهم في الحرب العظمى ١٩١٤ - ١٩١٨ مثل روبرت بردك، وليم نويل هودجسون، جوليان جرنفيل، سيسيل شسرين، إدوارد توماس. وقد ذهبوا جميعاً ولم يعد أحد منهم إلى عالم الوجود. أما الذين عاشوا ليمدوا العالم بمزيد من أشعارهم فمنهم (سيجفريد ساسون) الذي كتب عن الحرب أشعاراً تعد من الحجج البينات التي ظهرت لتوطيد دعائم السلام
وقد قام كثير من المصورين بأعمالهم الفنية إبان الحرب العظمى ومنهم من كانوا يعملون في ميادين القتال، فأخرجوا للعالم تحفاً من بدائع الفن التصويري، يرمزون بها إلى شتى التجارب والاحساسات التي صادفتهم في حياتهم الحربية
وليس من همنا أن نثبت هنا أن الفنانين يؤثرون موضوع الحرب لإبراز روائع فنهم، ولكنا نرى أن من واجبهم الرسمي أن يهزوا القلوب نحو جانب من الجوانب في أيام الحروب

