الدكتور منريت يعد من رجال الطب المشهورين، وقد أجرى في هذه الأيام تجربة نفسية لم يسبق لها مثيل.
فمنذ عشر سنوات عاد من سياحة له في أواسط أفريقيا، يصطحب قرداً صغيراً من نوع الشمبانزي يبلغ من العمر سنتين
وقد بذل كل ما في وسعه هو وزوجته وأولاده، لإبراز هذا القرد الذي أسموه - فاتو - في مظهر الإنسان العاقل بحيث ينسى منشأه الحيواني ويعيش معيشة الآدميين - دون أن يعملوا أي عمل لتدريبه كالعتاد. وهذا عمل بلا شك له أهمية عظيمة، إذ إنه يجعل الحيوان الأعجم يحيا حياة الإنسان
وكان أول مرة خرج فيها فاتو في مجمع من الناس، في حفلة غداء أقيمت في منزل منريت حديثاً دعا إليها لفيفاً من الأطباء والعلماء المختصين بدراسة نفسية الحيوان ورجال الأدب والصحافة. فدخل عليهم فاتو منتصب القامة يسير على ساقيه الخلفيتين كالإنسان. وأغلق الباب من ورائه في خفة ولطف. ومر يحيي الضيوف ويصافحهم واحداً بعد واحد في أدب ورقة، وصاحبه يقدمه إليهم كما يقدم الصديق العزيز، ثم أخذ مكانه في مؤخرة المائدة، وساهم في الطعام معهم، ولم يبد على تصرفاته أي مأخذ.
وكان الطعام الذي قدم إليه من نفس الطعام الذي تناوله المدعوون وهو حساء وسمك ولحم وخضراوات وحلوى وفاكهة. وكان فاتو يتناول الطبق من جاره ويملأه لنفسه بنفسه ويأكل بأدب ونظام. وكل ما لوحظ عليه في تناول الطعام أنه يكثر من أكل الخضراوات والفاكهة ويتناول منها أكثر من غيرها. وكان يحتسي كأس النبيذ فيمسكها بيده فيرتشف منها الجرعة بعد الجرعة
في اعتدال وهدوء. فلما انتهى من الطعام قام فوضع ذراعه على كتف مدام منريت وأشار إلى زجاجة من نبيذ بردو عرفها لمجرد النظر إليها، وكان يخاطبها باسم ماما فقدمت إليه شيئاً منها
وفي أثناء تناول القهوة دعاهم الدكتور للتدخين، فقام فاتو دون أن يشير إليه أحد بذلك فقدم إليهم لفافات التبغ. ولم ينس أن يوقد لكل منهم لفافته ثم تناول لفافة فأوقدها وجلس يدخنها بلذة واستمتاع
وكان فاتو يرتدي قميصاً فسيحاً وسروالاً خفيفاً وينتعل حذاء من الخيش. وقد أعد له الدكتور حجرة خاصة تحتوي على منضدة وكرسي وسرير ومشجب وبها حمام خاص يستعمله بنفسه وهو يتنقل في حجر المنزل بحرية تامة
وقد شرح الدكتور منريت طريقته في تربية هذا الحيوان فقال: إنه لم يدربه على شيء كما يفعل أصحاب السيرك، وإنه ألف هذه الحياة من تلقاء نفسه ولم يعلمه أحد من الأسرة أي شيء. وقال إن تربيته تختلف عن تربية الأطفال، فقد تعلم من تلقاء نفسه كيف يفتح الباب أو يغلقه، وكيف يفتح النور وكيف يستعمل الشوكة والملعقة والسكين عند تناول الطعام، وهو ينطق كلمة (ماما) أحسن من أي كلمة أخرى وقد حفظها عن أطفاله. ومن رأى الدكتور منريت أن هذه الكلمة هي أول كلمة نطقها الإنسان بدليل وجودها في جميع اللغات وينطقها القرد آلياً بمجرد فتح الفم وإغلاقه مرتين
