"أوبرن" يا جنة فى سفح وادينا يا نفحة السحر من فردوس ماضينا حيث السعادة للحصاد(١): عافية تشد منه، وخيرات أفانينا وحيث تبدو بواكير الربيع بها غيسا قبل أن تغشى البساتينا وحيث يخلف فيك الصيف بهجته زهرا يرف، وأطيارا تغنينا معاهد كنت أغشى فى عرائشها ثرى بلهنية(٢) قد طاب أردانا مقاعد من شباب كله مرح سقيت فيها الهوى والسحر خلصانا جررت ذيل شبابى فى خمائلها تيها، ومليت فيها اللهو ألوانا حيث السعادة فيها وادعة تعز من كل شيء فوقها هانا
لكم وقفت لأستملى مناظرها وأملأ العين سحرا جد مختلس أشاهد الكوخ فى أظلال أيكته والجدول العذب يجرى غير محتبس وألمح البيعة الزهراء مشرفة من سفح رابية فى دجنة الغلس أصغى الو الليل والطاحون صاخبة والطير تشدو بصوت ناعم الجرس
هناك فى دغل هذا الدوح كم أنست فيه الطفولة مغنى من مغانينا كانت مطاف الهوى فى طيب عزلتها حينا .. وكانت مطافا للأسى حينا كم حمل النسم من أطرافها عبقا تساجل الشيب أو همس المحبينا وكم حمدنا ليوم اللهو مقدمه فيها لنحيى بها أصفى ليالينا
يوم ترفه عنها النفس ما لقيت من المتاعب فى رفق وإبطاء ويجمع الحاصدون الغر شملهم فى ظل فينانة الأغصان فرعاء تحويهم حلقات من شبابهم فيرقصون على المزمار والناء يناجزون من الألعاب أروعها والشيب يلحظهم لحظات إغراء
وإن يمل من الألعاب صحبتهم أستأنفوا طارفا فى اللهو وأنغمروا كل ينافس فى الصبر وفى جلد رفيقه - ليقال الغالب الظفر
كى تداول فى الآفاق سيرته وينشر الحى ما أبدى فيشتهر قد استخف بما يلقاه من تعب والترب يعلو جبينا منه والعفر
بيننا ترى سامرا فى القوم مغتبطا يروى النكات لهم والكل مبتهج يتلوا عليهم طريفا من نوادره حلوا يكاد مع الأرواح يمتزج ورب ساجية الأجفان فاتنة ظلت ترانيه منها أعين دعج وتفهم الأم ما ترمى فتحدجها حدج الملأمة فى صمت فتنزعج
آها لعهدك "يا أوبرن" أذكره وكيف تنفع ذكرى تنبعث الأسفا هذى المفاتن كانت فى ترادفها توحى إلى قلب أهليك الهوى الشغفا على خمائلها فاضت مراتعها سحرا - ورفت على أدغالها طرفا مفاتن أذوت الأيام بهجتها وصيرتها الليالى للبلى هدفا
"أوبرن" أين تولت من مغانيك هذى الملاهى وفرت من روابيك؟ لقد تمشت يد العاتى عليك فلم ترحم قلوب الحزانى من أهاليك وقد علاك شحوب من تعسفها ووحشة قد تمشت فى مراعيك بأى حكم زمان صار يحكمها فرد - وكانت تراثا فى أواليك
كانوا جميعا - فأمسى جمعهم بددا والربع أقوى - وكان الربع مأنوسا والسهل لم يبق فيه بعد نضرته إلا بقية زرع كان مغروسا والجدول العذب لم نبصر تألقه كما عهدنا - وفيه اليوم معكوسا لكن سرى وهو بالأعشاب مختنق يشق مجراه بين الغاب محبوسا
وفى مفارجك الخضراء حل بها ضيف غريب من الأدغال قد هتفا هذا هو "الرخم" يبنى وكره ويرى مستمكنا فى ذرى الأغصان مشترفا وفى طلولك تدوى البوم ناعبة تنعى بصوت كئيب ماضيا سلفا آها لعهدك يا أوبرن أذكره وكيف تنفع ذكرى تبعث الأسفا
هدى خمائلك الخضراء ذاوية حالت مباهجها. دالت دواليها تواثبت فوقها الأعشاب هائشة والمحل أصبح ضيفا راعيا فيها واليوم أهلك فى خوف وفى وجل من بطش منفرد الأحكام طاغيها قد بدلوا عيش أرض غير أرضهم وبدلوا ود أهل غير أهليها
"تتبع ..." .م. ع. الهمشرى
