الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 384الرجوع إلى "الرسالة"

اللغة العربية في ورقة رسمية

Share

قال الأستاذ العقاد في مقال له بالدستور: (وعلى ذكر الكتابة والوزراء والعيد والعيديات نقول إن  الحكومة المصرية على ما يظهر قد أرادت أن تعيد على الناس  بالورقة الجديدة ورقة ربع الجنيه

فانتشرت هذه الورقة في أيام العيد بعض الانتشار وما أظن أن نقوداً وصلت إلى يدي قد نغصتني كما نغصتني  هذه الورقة الخاطئة

ففيها يقرأ القارئ هذه العبارة:   (أتعهد أن أدفع لدى  الطلب مبلغ خمسة وعشرون قرش صاغ)

ثلاث غلطات نحويات في سطر واحد. . .! فهل يسمح بمثل هذه الغلطات في عملة حكومة؟ وأية حكومة؟ حكومة مصر التي هي زعيمة الأقطار العربية!! وحكومة مصر التي تضن على التلميذ الصغير بالانتقال من  السنة الثالثة إلى السنة الرابعة الابتدائية إذا أخطأ مثل هذا الخطأ  في ورقة الامتحان

لموا هذه الورقة مهما يكلفكم لمها من الأسواق والبيوت،  وافرضوا على حصتي التي تخصني من هذه التكاليف، فهي أرحم من  هذه الصدمة مع كل خمسة وعشرين قرشاً صاغاً يكسبها الإنسان)

العربية الغربية في دارها

سيدي الأستاذ الفاضل الجليل محرر الرسالة تحية الله ورحمته عليك يا محيي العربية، ومعيد شبابها إليها  وملبسها قديم حلاها حلة جديدة توائم العصر وتوافق الزمن،  ولا تخرج - مع ذلك - عن المسنون من طرقها، والمعروف  من مناهجها. وبعد:

فلقد قرأت يا أخي من سنوات في الأهرام قصيدة عصماء  لشاعر عربي ممن رمت به مطارح الغربة إلى العالم الجديد يقول  فيها هذا البيت عن اللغة العربية: لغة يهون على بنيها أن يروا ... يوم القيامة قبل يوم مماتها

وقرأت قصيدة المرحوم حافظ إبراهيم على لسان اللغة  العربية وهي مشهورة مذكورة لا يخلو منها كتاب من  كتب المحفوظات المدرسية التي تختارها وزارة المعارف

وتابعت - منذ أن تعلقت من اللغة بسبب - كل  ما كتب لها وفي سبيلها أو اقترح لأجلها من إصلاح منهج،  أو إنشاء خطة أو تبسيط قاعدة. ولستُ في ذلك نسيج وحدي  وإنما أنا واحد من كثرة كثيرة يقلق جنوبها أن تصبح العربية  غربية في دارها، أعجمية إلى أهلها، بغيضة إلى أحبائها

ومن أعجب العجب أن لغة لا يستهين بها أهلها كالعربية،  وأنها على الرغم مما وضع لها من قواعد، وما عمل لها من ضوابط،  لا تزال تلقى من الكاتبين أو المتكلمين بها إهمالاً كثيراً وقلة  مبالاة، وعدم اكتراث، وذلك أمر لا تجده في لغة أخرى غيرها.  فالإنجليزية يكتب بها الإنجليز وينطقون بها صحيحة منحاة؛  والفرنسية - على كثرة شذوذ الأفعال فيها - يكتب بها  الفرنسيون وينطقون بها صحيحة منحاة؛ والألمانية - على صعوبة  نحوها - يكتب بها الألمان وينطقون بها صحيحة منحاة. . . أما العربية فهي مسكينة بين أهلها وبين الغرباء عنها، وحق  للغريب أن ينظر إليها شزراً مادام ابنها لا يحسنها ولا يبالي  أن يحسنها. . .

هذا كلام ثار في نفسي بمناسبة ظهور بمناسبة ظهور الورقة المالية الجديدة  ذات الخمسة والعشرين قرشاً. ففيها غلطة نحوية شنيعة أشار إليها  كاتب فاضل في إحدى الصحف اليومية وهي لا تخفى على كل قارئ ثم يشاء الله لهذه الثورة النفسية ألا تسكن، فقد ألهبها من  جديد في نفسي إعلان غريب عن نوع من الصابون لا نذكره  لئلا يؤخذ ذكرنا له على سبيل الإعلان عنه

وإني لمقتبس من هذا الإعلان   (العربي)  بعض عبارات  وأقدمها هدية متواضعة إلى الأخ الدكتور زكي مبارك مفتش  اللغة العربية بالمدارس الأجنبية! فلعل عنده من الرأي ما يسعف،  أو من العزاء ما يسلي. . . وإليك بعض العبارات:

(صابون كذا هو محصول فاخر نتيجة اختبارات   (ثلاثون)   سنة. . . نظراً لكونه   (صنف جيد)  لتحلية وتنعيم الجلد ويجعله    (خملي) . . . والحراير يمكن غسيلها بهذا الصابون الذي يستطيع  بأن   (يبيضوا)  بدون ما يؤثر عليها. وبالإطلاق جميع الأصواف

يمكن بأن (يبيضوا) بصابون   (كذا) . ولا تحصل للملابس  أي ضيق أو كشش)

ومن الغريب أنه بجانب هذا   (الإعلان العربي)  كتب  إعلان آخر بلغة فرنسية صحيحة كل الصحة سليمة كل السلامة. فإلى متى تظل اللغة العربية غربية في أهلها؟ وإلى متى تبقى  سقيمة عليلة والمداوون كثبر؟

اشترك في نشرتنا البريدية