بين اللهجات المغربية واللهجة المصرية وجوه شبه في أصوات الحروف، فالثاء في الأولى تبدل تاء كما يبدلها المصريون في ثلج وثوب وثوم وثور وكثير. ومثلها الذال إذ يحول إلى دال مهملة في نحو الذهب ويذوب ويذوق. كذلك الظاء فإنها، تنقلب إلى ضاد كما في نطق المصريين الظهر وظفر ونظيف
وبعض القبائل العربية في المغرب تتلفظ بالقاف على النحو المعروف في صعيد مصر، وقد تمكن هذا النطق في اللهجات المحلية الأخرى حتى تأصل فيها
وكما أن معظم المصريين يبدلون القاف همزة، فكذلك يصنع سكان المدن المغربية مع تفاوت في الصوت، أي الترقيق والتفخيم
والجيم المصرية لها أيضاً نصيب من الانتشار في الأقاليم المغربية؛ إلا أن دائرة انتشارها محدودة لا تتعدى بضع مفردات من جملتها: يجازي ويجوز وجوز وجزار. وأصل هذا النطق يمنى يحتمل أن يكون قد انتقل إلى مصر عن طريق الخزرج
الذين وفدوا إليها من المدينة(١) يؤيد هذا ما رواه ابن دريد من أن اليمنيين يقولون للرجل ركل وللجمل كمل(٢)
أما كيفية انتقال طريقتهم في النطق إلى المغرب فهي أن فريقاً منهم استوطن مدينة سرقسطة بعد فتح الأندلس(٣) ثم توالت هجراتهم إلى عدوة المغرب حيث خلفوا أثرهم إلى اليوم
والملحوظ في لغة المصريين أنهم يقدمون حرفاً ويؤخرون حرفاً في قليل من الكلمات، كما في يفحر ويجوز وأنارب واتغاظ، فأصلها يحفر ويزوج وأرانب واغتاظ، ومثلهم تصنع فئة من المغاربة في السجادة وبلهاء ودجاج؛ يقولون: السداجة وبهلاء وجداد
وفي الأحاجي الشائعة بين القبائل في جبال أوراس غربي الجزائر ذكر لمصر والنيل مثل ما جاء في أحجية المرارة:
سجرتنا سجرة النيل ونابتة في هواها،
لا سطحها الريح ولا شربت ماءها
وأحجية الخرشوف:
على سجرتنا سجرة النيل نابتة في هواها أولادها ستة وستين يرضعوا في قناها
وأحجية المطمورة: بغلتنا مصرية (أي كبيرة) ترفد مائة صاع (حمل) بلا حوية (بردعة)(٤)
على أن اللهجة المصرية لم تخل من تأثير مغربي فيها، فأهل الإسكندرية يضيفون النون إلى أول الفعل في حالة المفرد المتكلم، فيقولون: (نسافر) بدلاً من أسافر؛ ثم يتبعون الفعل بالواو إذا تحدثوا عن أنفسهم، فيقولون (إحنا بنسافرو)
وهذا النهج في التعبير من خصائص اللهجة المغربية والأندلسية، لعل المهاجرين من أهل الربض في عهد الحكم أو الفاطميين من بعدهم حملوها معهم. ومن هذا القبيل لفظتا (الكسكسي) و(البلغة) فإن لهما شهرة في المجتمع المصري
غنية عن التعريف.
