في الجامعة وفي وزارة المعارف (شركات) للتأليف، تفرض مؤلفاتها فرضاً على الوزارة وعلى المدارس وعلى التلاميذ. وهذه الشركات قد بلغت من السلطان والثقة بالنفس والحرص على الغلبة بحيث صارت مناهج التعليم مناهج التعليم موكولة إليها تغير فيها وتبدل، وتمحو وتثبت، وتنقض وتبرم، وبحيث قد أغراها ما أغرى على
أن تتعارك وتتصارع وتتوسل بوسائلها لتضمن كل (شركة) لنفسها الغلبة على ما دونها من شركات التأليف والاحتكار؟ وأولى هذه الشركات هي شركة الجامعة؛ وثمة شركتان أخريان في مكتب تفتيش اللغة العربية في وزارة المعارف. وقد بلغ من تنافس هذه الشركات في التأليف ما نسجل مظاهره فيما يأتي:
١ - وضعت لجنة تيسير قواعد اللغة العربية - وأعضاؤها من شركة الجامعة للنشر والتأليف، منهجاً جديداً للبلاغة في السنة التوجيهية، يقوم على أسس وأصول لا نعرفها من قواعد البلاغة. وإذا كان هذا المنهج جديداً في موضوعه على التلاميذ وعلى المعلمين جميعاً، كان لا بد من كتاب ولا بد من مؤلِّف. . ونشطت (شركة الجامعة) لمهمتها؛ ولكن نبأ جاءها أن إحدى الشركتين في مكتب التفتيش تعمل ناشطة لإخراج الكتاب المرجو في وقت قريب لا تستطيع لجنة الجامعة أن تسبق إليه؛ ولكن حرص الجامعة على أن يكون كتابها أسبق ظهوراً، قد ألهم أساتذة الجامعة خطة، فأصدروا قرارهم بوقف العمل بهذا المنهج حتى تفرغ الجامعة من إصدار كتابها. ومضى شهران من السنة الدراسية قبل أن يعلم التلاميذ والمعلمون في السنة التوجيهية أن المنهج الذي أعدوا له ودرسوا منه قدراً ما قد وقف العمل به. . .
٢ - وللسنة التوجيهية منهج في الأدب وضعته كلية الآداب، وألف له فيمن ألف اثنان من خيرة المعلمين في وزارة المعارف. وراج كتابهما منذ العام الماضي رواجاً أغرى إحدى الشركتين في مكتب التفتيش على مشاركتهما في ثمراته؛ فصدرت منه الطبعة الثانية منذ قريب وعلى غلافها اسم صاحب العزة المفتش الأول إلى أسماء كثيرة منها المؤلف ومنهاصاحب التوقيع. . . وكانت شركة الجامعة تعمل عملها لإصدار كتاب في الأدب التوجيهي حين جاءها النبأ بصدد كتاب المفتش الأول وزملائه، فسعى ساعيها إلى وزارة المعارف يستعديها على (شركة مكتب التفتيش) . وفي اليوم التالي كان كتاب سري من وزارة المعارف على مكاتب نظار المدارس جميعاً يمنعهم استعمال كتاب المفتش الأول ويتوعدهم بأقصى العقاب!
واحتج التلاميذ، واحتج المعلمون؛ وحق لهم أن يحتجوا ما داموا لا يجدون أمامهم كتاباً في منهج الأدب التوجيهي غير الكتاب الذي يحمل اسم المفتش الأول. ولكن شركة الجامعة التي تحرص على الغلبة في هذا التنافس العجيب قد التمست لذلك وسيلة قريبة، فأشارت بأن يوزع كل ما طبع من كتابها على التلاميذ قبل تمامه ملزمة ملزمة، وحسب المطبعة أن تسبق
التلاميذ بدرس واحد ما دام هذا يحقق الغاية ويفوت على شركة مكتب التفتيش حق الانتفاع بالكتاب الذي ظنت بإصداره أنها ستستأثر بالسوق. .
هذان مثلان حسبنا أن نذكرهما باختصار وبلا تعليق؛ ولا نظن الفضوليين بعد ذلك يلحون في السؤال: لماذا تتغير مناهج التعليم بين عام وعام قبل أن تظهر ثمرة التجربة في منهج من هذه المناهج؟ فعل لهم في هذين المثالين جواباً لما يسألون!
