يقول الأستاذ العقاد في مقاله (السلفية والمستقبلية) أن الحرية الفردية والتبعة الشخصية هي مقياس التقدم التاريخي ، وإن الماركسية تقضي على هذه الحرية كما تقضي على التبعة الشخصية ، وهو اتهام قديم طالما وجه إلى الماركسية، فالماركسية لا تنفي الفردية وإنما تنفي الانفرادية، وهي لا تهدم الشخصية ولكنها تهدم الانعزال. والانفرادية معناها تجريد الفرد من المجتمع، وعزلته عن الجماعة التي يعيش بين ظهرانيها، ومعناه إنكار أثر المحيطات والظروف الاجتماعية في حياة الفرد، ومعناها أن الدوافع الحقيقية التي تسيطر على الإنسان تظل مجهولة له، فيتخيل دوافع زائفة أو ظاهرية، ليست في الحقائق المعقولات، ولكنها المثاليات التي نحتفظ بها لا بلا شعور، ولكن بشعور زائف. وعندما تقول الماركسية بأثر التطور في وسائل الإنتاج في التطور التاريخي وفي الروابط القائمة بين بعض الأفراد، وبين الطبقات وبعض، أو على الأصح بين الطبقتين اللتين يتكون منهما المجتمع، فإنها تبنى هذا القول لا على تضارب الترهات، وإنما تبنيه على أن الطبيعة ليست أحداثاً فجائية، لا رابطة تقوم فيها بين الشيء والظاهرة، ولكنها كل مرتبط ببعضه، فيه الأشياء والظواهر مرتبطة حيوياً ارتباطاً يجعل كلا منها أساساً للآخر ومعتمداً عليه ومكيفاً له، وعلى هذا لا يمكن تجريد أي شئ في الطبيعة وأخذه لبحثه في ذاته، وعلى هذا فالانفرادية شئ يتعارض مع قوانين الطبيعة والماركسية تؤكد الشخصية والفردية، كما تؤكد الحرية
حين تقول أنها تقدير الضرورة، وحين تقول أن الضرورة عمياء ما دامت غير مفهومة، وحين تبني التحول في فهم ماهية الأشياء من كونها ذات قيمة ذاتية إلى كونها ذات قيمة لنا، وحين نقول أن الحرية الفردية إذا لم يدعمها استقلال مالي، ومستوى معيشة مرتفع، وإلغاء للملكية الفردية لوسائل الإنتاج، ولاستغلال اقتصادي، تصبح لا قيمة لها. وحين تعمل على دعم الحرية بعناصرها الحقة، فإن تساوي الفرص وتكافؤها هي عنصر الحرية الأول
. أما الانفرادية البرجوازية، انفرادية الأبراج العاجية والأرستقراطية الفكرية والجهل المطبق بروح الجماعات وميزات الشعوب، وأما الاستقلالية البرجوازية، استقلالية الاستغلال والرجعية، وأما الحرية البرجوزاية حرية الأقلية في سلب الأغلبية ثمار عملها، هذه الانفرادية، وهذا الاستقلال، وهذه الحرية، هي التي تنادي الماركسية بهدمها وتكافح لإلغائها، لأنها تتعارض مع اجتماعية الإنسان.
