الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 961الرجوع إلى "الرسالة"

المسرح المصري، في خدمة العقيدة الوطنية

Share

يختلف شيوخ الأدب وأئمة الفن في رسالة الأدب والفنون  فيما يجب أن تهدف إليه في جوهرها

فبينما يقرر بعضهم، أنه واجب أن تكون رسالة الأدب  والفن طليقة حرة غير مفيدة بهدف معين أو غاية مرسومة. أي  أن تكون رسالته لمجرد الأدب والفن، إشراقات تصفي الذوق

وتصقل الروح. وتنمي حاسة إدراك الجمال. وسبحات في آفاق  المعاني والخيال المشتهي. ولمعات ترقي بالنفس إلى أعلى مدارك  النور. . .

بينما يقررون هذا، يهب بعضهم الآخر يدعو إلى أن رسالة  الأدب لابد أن تكون أولا وأخيرا لمعالجة ما يشغل أذهان الناس  تبعا لمشكلات حياتهم. ولتناول ما يعنيهم في كفاحهم مع  العناصر التي تحيط بهم. ابتغاء تيسير أسباب الحياة الاجتماعية  في ناحيتها الإيجابية، ومعاونة الشعوب على التقدم والارتقاء.

ثم هم يقررون فوق هذا، أن رسالة الأدب إذا انحرفت عن  هذا فما أتفهها رسالة وما أقلها منفعة.

ولسنا في هذا المقام لنصرة فريق على الآخر. فللفريق الأول  الذين يعيشون في(أبراج عاجية) ما يدعم وجهة نظرهم باغتبار أن الأديب او الفنان، إذا فرضت عليه القيود في مباعث إلهامه  وفي مواطن وحيه، خرج نتاجه ضحلا قلقا قريب الغور، وقلما  يكتب له البقاء والخلود، لارتباطه في جوهره بفكرة قد تتغير مع

الزمن، أو بحالة ليس لها من البقاء إلا مدى حياة الأزياء المتقلبة  والطقوس العابرة.

وللفريق الآخر بدوره ما يؤيد ما يذهب إليه، إذ لابد،  لكي يكون الأدب حيا، أن يخاطب ما يعصف بأذهان الناس،  وأن يعمل على معاونتهم في معترك الحياة الواقعية، وأن يشاركهم  في نضالهم مع ما ينزل بهم من أحداث.

وفي نظرنا، أن الأدب أو الفن، إنما هو هزة وانفعال  بتأثير ما يدخل على النفس، وأن الأديب الحق والفنان الأصيل،  كلاهما إنما يتفعل ويتأثر بما يحيط به من عناصر بيئه وأن الإجادة  في النتاج رهينة بعمق امتلائه مما يهزه، وبمعالجة هذا معالجة  إنسانية طريفة.

إلا أن هناك فترات في حياة الشعوب نرى لزاما على الأدب  والفن أن يكونا خالصين متوفرين، لخدمة المجتمع في أهم  ما يشغله، سواء كان هذا الشاغل عرضا إلى زوال، أو مبدأ قد  يغير من جوهره على مر الأيام.

وأهم هذه الفترات - ولا شك - تلك الفترة التي يعبر بها  شعب مرحلة تقرير المصير، واستخلاص كيانه الذاتي، وفرض  إرادته لمسايرة ركب الحياة في دنيا الحرية والكرامة.

وما أظن أن هناك فترة في تاريخ مصر أدق وأخطر من  تلك التي فيها الآن، فهي فترة النضال الحاسم من أجل  الحرية، وساعة الكفاح الأخير في سبيل العزة والكرامة،  فإن تخلف المسرح - وهو أدب وفن - عن مؤازرة الفكرة  العاصفة السائدة، فكرة الكفاح، إذا لم يسخر المسرح المصري  قواه لتغذية الوعي القومي، ومساندة عقيدة النضال، وذلك  بتذكير الناس بما يجب أن يذكروه، وتبصيرهم بما يجب أن يكون  مائلا في أذهانهم، إذا لم يؤد المسرح هذا الواجب فقد كتب على  نفسه وبيده، أنه عالة على الحياة، وأنه مختلف عنها، وأنه غافل  لا يحس نبض الواقع، والغافل والمتخلف غير جديرين بالحياة.

إن الحياة في مصر، والمسرح من عناصرها، تجري الآن  متدفقة في مجرى واحد حفرة تاريخها المجيد وحاضرها الزاهر،

وكرامتها وعزتها، فإذا لم تجند جميع عناصر هذه الحياة لهذه  الغاية فما أقلنا جدارة بالحياة، وما أحرانا بأن نبقى نتطوح بين  العبودية المقنعة وبين الذل السافر.

من أجل هذا، نقدم فخورين (مسرحية دنشواي الحمراء)   دنشواي، الجرح الدامي في كرامة مصر منذ عام١٩٠٦، نقدم  هذه الصفحة القائمة من حياة مصر في ظل الاستعمار، نقدمها على الوجه الذى يهز القلوب ويثير الحماس ، نقدمها صفعة من  جانب المسرح المصري في وجه الاستعمار ، ولا نبالي أن يقال عنا  إننا تركنا   (الأبراج العاجية)  إلى أديم الأدب المكافح، أدب  الساعة الراهنة، ما دام ما نقدمه يحمل من السلامة والطرافة  ما يحمل.

نقبل هذا، إذا ادعاه المدعي، فهو أحرى بنا وأكرم من أن  نتخلف عن الصف وهو يسير بين السويس، والإسماعيلية،  وبور سعيد متعثرا بأشلاء مواطنيه الشهداء، وكل واحد في  الصف قد حمل قلبه على يده، ونسي يومه وغده.

اشترك في نشرتنا البريدية