الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 186الرجوع إلى "الثقافة"

المسلمون فى أنحاء العالم، (4) في قازان، مركز الثقافة الاسلامية في الروسيا

Share

إن مدينة قازان جديرة بالزيارة إن لم يكن لشيء آخر إلا لأنك تري فيها جمال الشرق قد اختلط بجمال الغرب ، أكثر منه في أي جهة اخري في أوربا ، ولأنك تري بين أبنيتها الشاهقة الحديثة مآذن الجوامع ذات الروعة والجمال .

ولنتكلم الآن عن الناحية الثقافية الدينية ، وعلاقتها بالثقافة الاسلامية خلال العصور والأجيال فنقول :

قازان هي عاصمة إحدي الجمهوريات السوفيتية المستقلة ، وأعني بها جمهورية المغول ، والتي يكون المغول نصف سكانها وهم في الأصل منحدرون من أتراك بلغاريا الذين كان يحكمهم أتراك آسيا الصغري ، ومن المغول الذين غزوا الروسيا في القرن الثالث عشر . وكانت قازان جزءا من دولة المغول ، كما كانت عاصمة خانية , وأسسها محمد ألخ في سنة ١43٨ ثم احتلها ( إيدان المرعب )في سنة ١٥5٢ وبدأت نهضة المغول تبدو إلى الوجود ، نتيجة التغيير الذي حدث في السياسة الروسية ، في نهاية القرن الثامن عشر ، إذ أعيدت امتيازات أشراف المغول في سنة ١7٨٤ ، واعترفت الحكومة الروسية رسميا بحق المسلمين في اقامة شعائر دينهم في سنة ١٧٨٨ . ومنح االمسلمون استقلالا دينيا تحت إشراف لجنة أورتبرج    oretberg" " الأسلامية ، التي يرأسها عفت . وأست في 1799، مطبعة شرقية ، تبعها بعد ذلك انشاء جامعة قازان في سنة ١٨٠4

وفي وسط القرن التاسع عشر أدرك المغول أن الوسيلة الوحيدة للبقاء هي أن يكيفوا أنفسهم حسب الظروف الجديدة ، وأن يأخذوا عن الروس علومهم ، وكانت جامعة قازان هي مركز حركة محاكاة الغرب ، حيث تعاون علماء الروس المستشرقون ، أمثال رادلوف"Radloof "وجوتوالد"Gotiwald" مع المعلمين المسلمين                                                                    وأشهر المفكرين من المسلمين الذين كانوا ينادون بالأصلاح في ذلك الوقت رجلان: أحدهما يسمى شهاب الدين الميرغنى ، والآخر حسين غيظ خانى .

وفي السنة التي سبقت الحرب العظمى الماضية ، انشئت مدارس مغولية في جميع مناطق قازان , وقرميز ستان وأزبكستان  وفي آسيا الوسطي على العموم وبهذا تغيرات الميول الثقافية التي كانت شائعة في أوائل القرن التاسع عشر . وقد حدث نمو ظاهر في الصحافة ، فبعد أن لم يكن لدي مغول قازان شئ من الصحف مطلقا إلى سنة ١٩٠٥ ، وكانوا يعتمدون على الصحف التركية وأخذوا ينشئون صحفا ومجلات خاصة بهم ، وظهر بين مغول منطقة قازان في

هذا العهد ، أدب مغولي حل محل كل من اللهجتين التركية القديمة والتركية المغولية الموحدة ، التي حاول (Gasprisiud) نشرها بين مسلمي روسيا دون حدوي . وقد كان لقازان نصيب في تطور الثقافة العامة في الاتحاد السوفيتي ، ولكنها احتفظت بمكانتها كمركز عظم للثقافة الاسلامية . وتتركز حركة الثقافة المغولية في الجامعة . وأوجه النشاط العديدة التي تستحق الذكر كثرة نشر المؤلفات المغولية                                                               لكبار المؤلفين المغول , أمثال ( الميرغني ، وغيظ خاني ) وغيرهما ثم شرح النقوش التركية الأورخانية . كما انتشرت قراءة مؤلفات رادلوف (Radloof) انتشارا واسعا ، وفي سنة ١٩٢٦ افتتح معهد للثقافة المغولية ، وانشئ عدد من الصحف والمطابع . واللغة الرسمية هناك هي اللغة المغولية .

وقد نشرت مطبعة جامعة قازان التي أنشئت في سنة ١٩٠١ عددا من الكتب الأسلامية مثل ( ترجمة القرآن الشريف ، الى االلغتين المغولية والروسية )، وترجمة كتاب(مستفاد الأخيار ) وكتاب (حل المشكلات في كيفية تكوين العالم ) ، ومؤلفات أبي الفداء وجداول المغربي ، والبردة ، وكثير من دواوين الشعر وكتب الأدب العربي هذا بالأضافة إلى ترجمة الكتب الى اللغة المغولية ، وترجمة عدد كبير من الكتب الى اللغة الروسية ، كترجمة تاريخ تيمور ، في خمسة مجلدات ، وكتاب ( روضة الصفاء ).كما نشرت أيضا عددا من المؤلفات القيمة ، في الدراسات الأسلامية مثل رسالة في تحريم الخمر في الأسلام ، بقلم كاتنوف (Katenoof) أحد علماء الروس ، وغيرها من المؤلفات التي تبحث في الحديث والفقه

(5)المسلمون في الصين

يبلغ عدد المسلمين في الصين حوالي خمسة ملايين ، يعيش معظمهم في المقاطعات التي تفيض أرضها رخاء وخصبا ، ويدين أغلبهم بالمذهب الشافعي ، ويحافظ المسلمون هناك على أداء شعائرهم  الدينية .ولهم بضع مئات من المساجد حطم الكثير منها اليابانيون بقنابلهم ، ولهم أيضا مئات المدارس ، وفي مقدتـها مدرسة دار العلوم ،

وعلى الرغم من أن اللغة الانكليزية هي أولى اللغات الأجنبية المفضلة عند الصينيين فان اللغة العربية أخذت في العهد الأخير تشق طريقها بينهم .

وقد وطد مسلمو الصين صلتهم بمصر منذ عشرات الأعوام عند ما بعثوا إليها بعثة مؤلفة من حوالى ثلاثين طالبا ، اجتاز أكثرهم مراحل الدراسة في الأزهر الشريف وقد عرف أولئك الطلبة باسم ( بعثة فؤاد الأول الصيفية ) لما كان للمغفور له الملك فؤاد من فضل كبير في إمداد هذه البعثة . وهذا إلى ما تفضل جلالته رحمه الله بإهدائه من مئات الكتب العربية الفقهية إلي مسلمي الصين التي جمعوعها في دار خاصة في(شنغهاى).

ولما جلا الصينيون عن (شنغهاى) نقلوا تلك الكب الثمينة معهم وحمدوا الله على أن نيران قنابل اليابانيين لم تدمر هذه الكتب فيما دمرت.

وللمسلمين الصينيين مكانة ملحوظة بين مواطنيهم ، فهم يشغلون مختلف المراكز, ومنهم مثلا أحد القواد الحربيين الذين يأخذ القائد العام بمشورتهم ، ومسلمو الصين يؤازرون الزعيم( تشانع كاي شك ) ويجلونه . وهم يعملون لرفع شأن وطنهم ويدعون لنهضة الصين أينما حلوا ، ويتجلي ذلك واضحا عندما يجتمعون في موسم الحج بالآلاف المؤلفة من المسلمين الذين يحضرون من مختلف أنحاء البلاد الاسلامية لقضاء هذه الفريضة المقدسة ، فيكون لدعوتـهم وقع عظيم في قلوب إخوانهم المسلمين .

ومسلمات الصين جديرات بكل تقدير وإعجاب ، لما أظهرنه من الصبر والاحتمال ، ولما يقابلن به ويلات الحرب من شجاعة وثبات ، أعادا إلي أذهاننا ما تحلت به المسلمة من صفات الشجاعة والعزم ، في الحروب التي سجلها التاريخ الاسلامي بمداد الفخر والاعجاب . ويثق مسلمو الصين بعدالة قضيتهم . لذلك هم يدافعون عن بلادهم ضد ظلم اليابانيين بكل عزم وعطاء واثقين من الانتصار على قوي الشر والقضاء عليها .

(6) المسلمون في الولايات المتحدة وممتلكاتـها

لا يعرف  لا القليل بأنه يوجد عدد عظيم من المسلمين يعيشون في الولايات المتحدة ممتلكاتها ، ويتمتعون بحريتهم الدينية الكاملة تحت ظل العلم الأمريكي ويمكن أن نقسم المسلمين الذين يستوطون الولايات المتحدة إلى ثلاثة أقسام :

(1) المهاجرون الذين قدموا في الأصل من شي بلاد الشرق وأحضروا معهم أسرهم ، ثم استوطنوا البلاد واحترفوا الزراعة أو الصناعة أو التجارة عدة سنين إلي أن حصلوا على الرعوية الأمريكية

(2) الأمريكيون الذين اعتنقوا الاسلام . (3) المسلمون الذين أكتسبوا رعويتهم الأمريكية بالبلاد كسكان جزيرتى سولو ومندتاو من جزائر الفلبين . وهم ثمرة التزاوج

بين سكان هاتين الجزيرتين الأصليين ، وبين عرب الملايو هذا فالدم العربي يجري في عروقهم .

بعض أهالى جزيرة (سولو solu ( بملابسهم الوطنية الجميلة وإلي جانب هؤلاء يوجد عدد لا بأس به من الشرقيين المثقفين الذين استوطنوا المدن الأمريكية العظمي كنيويورك وشيكاغو وبوستن والمدن الواقعة على طول ساحل كاليفورنيا ، وعدد المسلمين في الولايات للدمدة ذاتها لا يربو على ثلاثين ألفا ، يضاف إليهم مسلمو جزائر الفلبين الأمريكية ، الذين يبلغ عددهم حسب آخر إحصاء 14397نسمة والمسلمون الأمريكيون على أحسن حال من الوجهة الروحية والثقافية والاقتصادية ، لأنهم يتمتعون بالحرية الكاملة التى يتمتع بها جميع الأمريكان الآخرين . ويملك بعض الأفغان القادمين من شمال الهند ، عددا من المزارع النضرة على طول ساحل المحيط الهادي . أما العرب فيشتغلون بالتجارة وأعمالهم رائجة

وبجانب ما يتمتع به المسلمون في الولايات المتحدة من الرقي الاجتماعي ، تري حياتهم الدينية والثقافية ، راقية أيضا رقيا عظيما فلهم مثلا مركز دينى في بروكلين بنيويورك ، وهو بناء حسن الترتيب مكون من ثلاث طبقات , تشرف على إدارته الجمعية الاسلامية البريطانية ، ولعرب سوريا وفلسطين مركز ثقافى بنيويورك كما أن لهم مطبعة خاصة لنشر كتبهم وجرائدهم العربية ، وتوجد مكتبة عربية كبيرة في نيويورك تبيع من نسخ القرآن في كل عام ما يتراوح عدده بين مائتين وثلثمائة نسخة وليس هناك قيودعلى تعليم  الاسلام والتبشير به .

ومما هو جدير بالذكر أن عددا من المبشرين المسلمين الهنود ، رحلوا إلى أمريكا بعد الحرب الماضية ، ولم تحل سنة ١٩3٣ ، حتى كانوا قد انشأوا ستة مراكز للوعظ والتبشير بالاسلام ، وهذه

المراكز موجودة في ( شيكاغر وبتنبرج وسنساني واندبانوبوليس ودثريت وكاناس ) . وقد بلغ عدد من اعتنق الاسلام من الأمريكان ثمانية آلاف شخص .

وعلى الرغم من أهمية العنصر الاسلامي في الأقاليم الأمريكية نفسها ، فان السواد الأعظم من الرعايا الأمريكان المسلمين ، يعيشون خارج الولايات المتحدة ، وهم كما ذكرنا آنفا سكان جزيرتي سولو وميندتاو من جزائر الفلبين .

ومسلمو هاتين الجزيرتين هم عرب أيضا ,  يجري الدم العربي في عروقهم ، لأن الإسلام فقد انتقل إليهم مع من نزح إلى هاتين الجزيزتين من عرب الملايو وسومطرا وجاوه ، ويكاد يكون  في كل شارع جامع خاص به ، كما يصعب عليك أن تجد هناك قرية خالية من مسجد أو جامع .

وقانونـهم مكتوب باللغة العربية ، وهذا الأصل العربي هو المرجع الأخير الذي يحتكم  إليه القضاء إذا ما اختلفت التأويلات والتفسيرات .

(7)المسلمون في هولندا وجزائر الهند الشرقية الهولندية

تضم ممتلكات هولندا في جزائر الهند الشرقية جزائر عديدة متنوعة ، تبلغ مساحتها ستمائة وثلاثة وثمانين ألف ميل مربع . وبعبارة أوضح ، نقول إن مجموع مساحة جزائر الهند الشرقية الهولندية يعادل في الواقع نصف مساحة أوربا ، إذا استثنينا الروسيا ويبلغ عدد سكان هذه البقاع الشاسعة سبعين مليونا ، منهم أربعون مليونا يقطنون جزيرة جاوه التي تعادل مساحتها مساحة انكلترا ، كما تتساوي الجزيرتان  على التقريب في عدد السكان ، ولكن في حين أننا نجد سكان انجلترا يقطنون في سوادهم المدن العظمى نجد سكان جزيرة جاوه متفرقين ، منبثين في وجه الجزيرة طولا وعرضا ، وجدير بالذكر أن السكان موزعون بشكل متساو متناسق إلي درجة أنه من الأمور المعروفة الشائعة . أن المرء يكاد لا يجد نفسه في أي مكان من جاوه بعيداً عن الناس سمعا أو بصراً .

(8) مسلمو كارديف ( فى انجلترا )

يقيم في كارديف ما يربو على ألفى مسلم ، يتمتعون برغد العيش في حرية تامة ، ويقومون بمختلف الأعمال . فمنهم التجار والصناع وبينهم اصحاب الفنادق الصغيرة . وبينهم عدد كبير من البحارة الذين يجوبون البحار ويعودون إلي مقرهم بين حين وآخر ، فيقضون عطلتهم بين أهلهم وعشيرتهم . وفي أثناء عطلتهم تدفع لهم شركات الملاحة البريطانية مرتبا شهريا قدره أربعة عشر جنيها ، وعشرون جنيها أثناء العمل - أي عندما يستأنفون رحلاتهم في البحر .

وأغلب مسلمي كارديف من اليمنيين  , وبينهم عدد كبير من الهنود والعدنيين والصوماليين وغيرهم من مختلف البلاد العربية ، وتجمع بينهم أواصر الود والمحبة . وشعارهم جميعا الحديث الشريف " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " . وهم على أحسن ما يكون من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . هذا إلي جانب اهتمامهم بأداء فرائض الدين الحنيف وإقامة شعائره في مختلف المناسبات .

ولبعد كارديف عن الجوامع الكبيرة ، كالتي في لندن و ( ووكنج ) وغيرهما اتخذ المسلمون هناك زاوية لهم يؤدون فيها صلاة الجماعة وفريضة الجمعة . وقد دمر الألمان تلك الزاوية بقنابلهم أثناء غاراتهم الجوية على انكلترا ، فكان لذلك أعمق الأثر في نفوس المسلمين بانكلترا ، وفي نفوس إخوانهم في مختلف البلاد الاسلامية . ولكن الحكومة البريطانية قامت على الفور بتقديم المساعدة المالية

لانشاء زاوية أخرى . وعند ما تم ذلك ، استأنف مسلمو كارديف أداء صلاتهم في زاويتهم الجديدة .

ولمسلمى كارديف جمية الإسلامية ناهضة تستمد ماليتها من التبرعات . والاشتراكات الشهرية ، وهي ما يعادل عشرة قروش لكل عضو . وتنفق الجمعية علي إقامة الحفلات الدينية وعلى دفن الموتي من الفقراء . كما تدفع مرتبات الامام وغيره ممن يشرفون على شئون الجمعية والزاوية .

ومما يجدر ذكره أن مسلمي كارديف  يحافظون على تقاليدهم الشرقية العريقة . فقد ذهبت مرة لزيارة صديق لي هناك ، فرأيته بملابسه اليمنية الجميلة . وما إن رآنى حتي رحب بي بما هو معهود عن الشرقيين من إ كرام الضيف . وفي منزله رأيت غرفتين للأستقبال

إحداهما مفروشة على الطراز الانكليزي والأخري علي الطراز العربي ، وما إن دخلت هذه الأخيرة ، حتى انشرح صدري لرؤية الآيات القرآنية تزين جدران الغرفة وقد فرشت هذه الغرفة  بكل ما هو شرقي جذاب وتدلى من سقفها ثريا نحاسية جميلة الصنع .

يهتم سكان كارديف Cardeif بانكلترا من العرب بأداء فرائض الدين الحنيف . وإقامة الشعائر الدينية في المناسبات المختلفة . ولا يقتصر ذلك الاهتمام على الرجال بل هو يشمل السيدات أيضا ويري فوق هذا الكلام بعض السيدات وأمامهن طفلان حاملان لوحة جميلة ، مما يزين بها العرب جدران منازلهم .

وما هي إلا لحظات بعد أن جلست على إحدي الأرائك العربية ، حتى احضر صديقي صينية نحاسية بديعة النقش وعليها فناجين القهوة وإيريقها النحاسي وكانت الرائحة المتصاعدة من المبخرة تعطر جو الغرفة حتى كدت أشعر أنى انتقلت بغتة إلي أحد البيوت العربية في جدة .

( ملخصة عن مجلة المستمع العربي )

اشترك في نشرتنا البريدية