الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

المشاكل الجامعية فى المجتمعات المتعددة، الثقافات بافريقيا الجنوبية

Share

غايتى من هذه الملاحظات عرض المعطيات الموضوعية - لا تحليل مفصل - للمشاكل الجامعية التى تجابهها افريقيا الجنوبية، هذا البلد المتعدد الثقافات.

ان تطور التعليم العالي في افريقيا الجنوبية قد خضع فى معظمه لعوامل جغرافية وثقافية، توجد الآن في افريقيا الجنوبية تسع جامعات لمجموع 14 ، 5 مليون من السكان المنتشرين على رقعة تبلغ عشر مرات مساحة بريطانيا العظمي (اذا ما اعتبرنا الجنوب الغربي لافريقيا) وتمثل كذلك مساحة تساوى ثلثى مساحة الهند التى يفوق عدد سكانها 400 000 000 نسمة، نسبة السكان الضعيفة، اذن عامل لا بد من اعتباره اذا ما أردنا الموازنة بين وسائل التعليم في افريقيا الجنوبية ووسائل التعليم فى البلاد الاخرى.

تعد افريقيا الجنوبية من بين مجموع سكانها ثلاثة ملايين من البيض المنحدرين من أصل أوروبي جعلوا منها وطنا لهم خلال القرون الثلاثة المنصرمة، كما جعل المهاجرون الاوروبيون من الولايات المتحدة الامريكية وطنا لهم وأنشؤوا فيه طريقة عيشهم الخاصة. ان سكان جنوبي افريقيا يسمون جميعهم الجنوب الافريقيين، ولكنهم ينقسمون - فى مستوى التعليم - الى مجموعتين لغويتين: قسم السكان الناطقين بالانقليزية وقسم الناطقين باللغة المسماة " افريقندر " ويمكن أن نقول أن 6% يتكلمون الافريقندر (وهى لغة نيرلندية مبسطة) و 40% يتكلمون الانقليزية. وفي الواقع فان 70% يتكلمون اللغتين الرسميتين، والمجموعتان في هذه البلاد متلاصقتان جغرافيا شديد التلاصق.

الثنائية اللغوية في جنوب افريقيا أهم بكثير من الثنائية اللغوية فى الكندا مثلا، حيث الكنديون الفرنسيون والانقليز ينقسمون جغرافيا ودينيا انقساما بينا، وان نسبة الكنديين الذين يتكلمون الانقليزية والفرنسية معا لا تبلغ 20%، ومعظم سكان جنوب افريقيا من البروتستان بنسبة 90% تقريبا.

افريقيا الجنوبية ميالة الى الثنائية فى كل شىء: فليس لها لغتان رسميتان فحسب، ولكن عاصمتان وعلمان وشعاران قوميان. وأهم من ذلك، تلك الثنائية المهيمنة الموجودة بين البيض وغير البيض فى هذه القارة السفلى.

وسأرجع الى هذه المسألة بعد قليل عند ما أتحدث عن مجموعة السكان غير البيض التى تتألف هى أيضا من عناصر مختلفة تتكلم لهجات متباينة.

الانقسام اللغوي:

عند ما تعتبر المجموعة البيضاء (الاوروبية) نلاحظ أن التطور الجامعى تحقق حسب خطوط كبرى ثقافية (أعني خطوطا لغوية متسايرة) واني سأذكر بين قوسين عدد الطلاب المسجلة أسماؤهم بكل جامعة في سنة ت 7195. ففي الطرف الجنوبى بافريقيا توجد جامعة كاب Cap (4732) والانقليزية هي لغتها الاساسية، وعلى بعد أربعين كيلومتر منها توجد جامعة ستلنبوش Stellenbosh (3066) حيث " الافريقندر " هى لغة التعليم، وعلى بعد 1500 كيلومتر شمالا توجد جامعة فيتواترسرند Witwatersrand فى جوهنسبورغ Johannesbourg ولغتها الانقليزية، وعلى بعد خمسين كيلومتر توجد جامعة بريتوريا Pretoria (1443) ولغتها هى الافريقندر. وفى عاصمة بلويمفونتاين Bloemfontein بولاية أورنج Orange جامعة افريقندرية ) 1651 (، وتوجد من جهة أخرى جامعة ناتال Natal (2841) قائمة بعاصمة بييترمرتزبورغ Pietermaritzburg ودربان Durban فى اقليم ناتال ولغتها الانقليزية، وتوجد في غير هذه الناحية جامعتان صغيرتان، الاولى لغتها الافريقندر، قائمة ببوتشفستروم (1374) بالترنسفال Transval والثانية جامعة رودوس Rhodos لغتها الانقليزية (1921)، قائمة بمركز قراهمستاون Crahamstoun باقليم كاب، وتغلبت عليها اللغة الانقليزية.

ان الانقسام اللغوي فى هذه الجامعات الناتج عن لغة التعليم المستعملة أمر حديث عهد وراجع، فى معظمه، الى القوة المتزايدة للمجموعة الافريقندرية فلقد كانت جميع الدروس تقريبا تلقى في السنين الماضية باللغة الانقليزية رغم أن اللغتين الافريقندرية والنيرلندية كانتا من جملة مواد الدراسة. ونرى اليوم عددا كبيرا من الطلاب لا يزالون يختلفون الى دروس الجامعات التى تستعمل الانقليزية كجامعات كاب وناتال، فى حين أن عددا آخر من الطلاب ذوى اللسان الانقليزى يختلفون الى دروس الجامعات التى لغتها " الافريقندر " ، هذا التفاعل أمر ممكن ، ناتج عن هذه الثنائية اللغوية المنتشرة فى افريقيا الجنوبية، بيد أن الفاصل بين المجموعتين يزداد قوة كل يوم فيما يبدو، كلما تقدمت الحكومة فى تطبيق سياستها الرامية الى تنظيم التعليم الثانوى والعالى للشبان فى مؤسسات مستقلة الواحدة عن الاخرى، فتوجه اليها الطلبة، كل حسب لغته الاصلية.

التفرقة العنصرية:

ان العلاقة متينة بين اللغة المستعملة فى التعليم بالجامعات وموقف المسؤولين

في خصوص قبول الشبان غير البيض فى الجامعات. لذلك ترى الطلاب غير البيض لا يألفون الجامعات التى لغتها الافريقندر، ولكن يألفون الجامعات التى تستعمل الانقليزية، هذا هو الوضع الواقع. أما من الوجهة القانونية، فلا توجد أى تفرقة عنصرية في أى جامعة من الجامعات، أعنى أنه لا توجد فى وثائق هذه الجامعات بنود تنص على مشكلة العنصر واللون، أما مسألة معرفة هل يمكن قبول طلبة غير البيض في هذه الجامعات، فحلت دائما حلا ضمنيا، أعنى حلا مصدره عادات المجتمع الذي توجد فيه الجامعة لا تشريع سنته الحكومة أو منظمة منفصلة عن الجامعة أو متصلة بها.

عامل العدد:

يجب أن نعتبر أيضا عامل العدد: نجد فى جامعة ناتال وجامعة رودوس وفى الجهات المجاورة لهما عدم توازن كبير لفائدة غير البيض، فنسبة غير السود فى اقليم ناتال مثلا هي 6 مقابل 1، ونجد نفس هذه النسبة تقريبا فى جهة ترنسكاى Transkei مقر جامعة رودوس، اننا نجد فى افريقيا الجنوبية نفس عدم التوازن بين السود والبيض الذى نجده فى الولايات المتحدة.

ومن الغريب أن نشير أيضا الى الموقف القانوني المتعلق بالتفرقة العنصرية في الولايات المتحدة الامريكية وفي اتحاد جنوبى افريقيا، الا أن الامر هذه المرة يسير على العكس، فنجد الجامعات بالولايات المتحدة حرة فى أن تبت هي نفسها في شأن قبول الطلبة، فالتفرقة أو عدم التفرقة مشكلة راجعة الى الشعور السائد بين السكان المحليين، أما الحكومة الفيديرالية فتتدخل اذ ذاك وتقدم تسوية تخرق فيها حقوق جامعة الولاية وترغمها على محو التفرقة وبعبارة أخرى، فللدولة لا للجامعة يرجع الحق في تكوين سلك الطلاب. أما في افريقيا الجنوبية - حيث الجامعات لا تزال تتمتع بحق البت فى قبول من تشاء من الطلاب - فقد اقترحت الحكومة هذه الايام أن يقع التصويت على قانون يمكن للدولة بمقتضاه أن ترغم الجامعات على تطبيق التفرقة، وهكذا تصبح الجامعات لها حق تكوين سلك الطلبة بنفسها. يجب أن نعرف الآن هل تدخل الحكومة هذا لا يمس باستقلال الجامعات وحريتها؟

المنح الحكومية:

مراقبة الدولة للجامعة نتيجة للاعانات المالية التى تمنحها اياها. وان نسبة هذه المنح ترتفع الى 60% من مداخيل الجامعة، وقيمة هذه النسبة مرتكزة على اعتبار عدد المواد الاساسية المتضمنة فى برامج الجامعة وعلى عدد الطلبة، وهذا الوضع عام فى كل الجامعات.

المشاكل الطالبية:

ينتخب كل سنة مجلس نواب الطلبة، مهمته أن يكون صلة وصل بين

السلط الجامعية والطلبة، وأن نفوذ المجالس مضبوط أشد الضبط بوثائق قد يطلق عليها - كما هو الشأن فى جامعة ناتال مثلا - اسم ميثاق الطلبة.

ان مجالس نواب الطلبة لمختلف الجامعات منضوية تحت منظمتين طالبيتين مختلفتين اختلافا ناشئا عن التباين اللغوي، وهما " الاتحاد القومى لطلبة جنوبي افريقيا " و " رابطة الطلبة الافريقيين " ولا تضم هذه المنظمة الاخيرة الا الطلبة البيض، وهما منظمتان قليلا ما تتقابلان، لان مساهمة الطلبة غير البيض فى اجتماعات مشتركة أمر لا يزال مشكلا بعد، الا أن نوعا من تقارب قد حصل، اذ دعي طلبة ملوينون لحضور اجتماعات منظمة رابطة الطلبة الافريقيين، ويبدو أن المنظمتين قد تصلان الى اتفاق على طريقة تعايش فيما يخص المشكلة العنصرية.

حرية النقد:

لقد تمتع طلبة جامعات جنوب أمريكا بكامل حرية التعبير دوما. وان معارضاتهم قد وقعت دائما فى كنف النظام رغم حدة الشبان واندفاعهم ولنلاحظ ان هذه المعارضات لم تتسبب فى أعمال العنف بافريقيا الجنوبية، خلافا لما يقع عادة في البلاد الناقصة النمو.

ولقد أعرب " الاتحاد القومى لطلبة جنوبى افريقيا " مؤخرا بوضوح، عن رفضه اقتراحات الحكومة المتعلقة باحداث جامعات مستقلة لغير البيض، وكذلك انتقد الجامعيون في حرية كاملة مشروع قانون الحكومة فى هذا الصدد، وأريد أن أشير هنا الى دراسة عنوانها: " الجامعات المفتوحة في افريقيا الجنوبية " أعدها أساتذة جامعيون مبرزون، ولم أر حكما أحبسن من الحكم الذى تضمنته هذه النشرية فى خصوص حرية الجامعة ازاء مشكل التمييز العنصرى.

وقصارى القول، فان جامعات جنوبى افريقيا، رغم ما تتمتع به من اعانة مادية، قد احتفظت بنبيل سنتها فى الحرية، هذه السنة التى تضاهى سنة جامعات البلاد المتحضرة. ورغم تباين الجامعات فيما بينها، فكل واحدة منها تتمتع بكامل الحرية فى اختيار:

أ)  الاساتذة - (ب) الطلبة - (ج) مواد التدريس.

ولم تتدخل الدولة مرة واحدة، حتى هذه الايام الاخيرة، لعرقلة سير هذه الحريات الاساسية الثلاث التى ينص عليها ميثاق مختلف الجامعات.

لقد قلت " حتى هذه الايام الاخيرة " لان الحكومة ستقترح فى الشهر القادم نص قانون تعرضه على مجلس النواب سيكون مضمونه لا الحد فحسب من حريات الجامعات التى ستحدث لغير البيض، بل تهديد الاستقلال الذاتى الذي تتمتع به الجامعات القائمة فى خصوص اختيار الطلبة.

ان مشروع هذا القانون بصدد الدرس رغم الانتقادات العنيفة التى توجهها اليه شخصيات جامعية سواء أكانت افريقندرية أو أنقليزية. وبودى هنا أن أعطى بعض الايضاحات.

غاية الحكومة من وراء هذا القانون هى توفير أكثر امكانيات للطلبة غير البيض الراغبين في الالتحاق بالتعليم العالى.

امكانيات التعليم الجامعي لغير البيض:

ان نسبة الطلاب الذين يلتحقون بالجامعات تتوقف على نسبة أكبر لتلامذة المعاهد الثانوية، ونسبة التلامذة بالتعليم الثانوى تتوقف على نسبة أكبر لتلامذة المدارس الابتدائية، ويرجع الفضل فى انشاء التعليم الابتدائى المفتوح لغير البيض، خلال القرون الاخيرة، الى نشاط المبشرين الذين يجدون بعض الاعانة من الدولة. ان الاغلبية الساحقة من السكان غير البيض مؤلفة من عناصر البنتوس Bantous (9،5 ملايين) الذين يعيشون بجهات ريفية ويحتفظون حتى اليوم بعاداتهم القبلية. أما سائر عناصر هؤلاء السكان غير البيض فمؤلفة من الخلاسيين Metis (مليون وثلاثمائة الف) ومن الآسيويين 400 000)  تقريبا( الذين يعيشون كلهم أو جلهم فى ناتال (Natal). ولقد أحدثت مدارس ابتدائية وثانوية راقية لفائدة السكان الخلاسيين والآسيويين تشرف على التعليم فيها نفس السلط التى تشرف على تعليم البيض. ولم يفتأ التعليم فى هذه المدارس يتحسن حتى تضخم عدد الاطفال الهنود والخلاسيين فيها تضخما غير عادى. أما نسبة الشبان الذين يزاولون تعلمهم فهى بعد اعتبار أهمية السكان تساوى أربع مرات نسبة الهند، وكذلك تفوق نسبة أى بلد آخر فى افريقيا والشرق لاوسط.

ولقد تعهدت الدولة أخيرا بتربية تسع ملايين ونصف من البانتوس، وهكذا تضخمت ميزانيتها تضخما عظيما. ونسبة السكان غير البيض، فى جنوبى افريقيا اليوم، الذين يزاولون تعلمهم بالمدارس والجامعات، أكثر ارتفاعا من أى نسبة أخرى لمجموعة غير بيضاء بافريقيا، وهذا رغم الاعتمادات المالية العظيمة - التى رصدتها الحكومة البريطانية مثلا - لانشاء مؤسسات ثقافية بمستعمراتها بافريقيا. وارتفاع هذه النسبة فى اتحاد افريقيا قد يكون سببه بعد المسافة التى تفصل المستعمرات والجهات الافريقية عن أوروبا، فى حين أن " مستعمراتنا " - أعنى الجهات التى يقطن بها سكانها الاصليون، موجودة على قرب منا، فتسهل علينا معرفة مقدار تأخر هذه المجموعات ومقدار ما تحتاج اليه من اعانة، انه من العسير أن نوازن بين الوسائل التى توفرها البلاد الاوروبية لمستعمرة بعيدة والوسائل التى يتمتع بها فعلا سكان هذه البلدان.

" فبعد المسافة يضفى على الاشياء بهاء وروعة ". ان مناطقنا الناقصة النمو موجودة في أرضنا بالذات، بيد أن المستعمرات الاوروبية أصبحت بفضل تطور

وسائل النقل الجوية، قريبة من العواصم الامهات قرب مناطقنا الافريقية من بلادنا نحن بفضل سكة الحديد والطرقات المعبدة. فوسائل النقل الحديثة قد محت المسافات.

ويحسن بنا، فى هذا الصدد، أن نذكر نهضة القومية الافريقية ومقتضيات الحقوق والامتيازات القريبة من التى تتمتع بها البلاد البعيدة التطور والتى لها سنة ديموقراطية قديمة. نحن اليوم في مرحلة انتقالية عسيرة. فالمطالبة بالحقوق أمر أيسر علينا من تصور المسؤوليات التى تنشأ عنها. ولكن كل هذه الامور تحتاج - كى تحقق - الى وقت طويل، يعوزنا الوقت ويعوزنا تقدير القيم الاساسية حق قدرها، هذه القيم التى أصبحت جزءا لا يتجزأ من وجودنا ولكنها، بالنسبة للافارقة، أمر جديد. افريقيا اذن فى حاجة الى الوقت.

النمو المنفصل:

أما الصيغة الحديثة التى برزت فيها النظرية هى أساس فكرة " الفصل " Apartheid - وهى احدى الخطوط التى عليها تسير الحكومة الوطنية الحالية -   فهي التالية: ان التفرقة الافقية بين البيض وغير البيض، مع وضع البيض في القمة، تورث الهيمنة والاذلال وساءت وسيلة، من الاليق أن نحل محلها تفرقة عمودية تمكن غير البيض من أن يعيشوا على حدة فى مناطقهم الخاصة دون أن يكون نموهم محدودا، وهناك يمكن لهم أن يدبروا أمورهم بأنفسهم وأن يعملوا لاصلاح شؤونهم حسب طرقهم الخاصة، كما يفعل البيض ذلك من جانبهم.

ومن واجب الابيض - وهو أكثر حنكه - أن يحسن توجيه غير الابيض فى مرحلته الانتقالية، وهكذا تنشأ فكرة احداث عدد من البنتوستان فى اتحاد افريقيا، أعني دويلات افريقية تتمتع باستقلالها الذاتى. ومن واجب مجلس النواب أن يصادق على اعتمادات ضخمة لكى تصبح هذه الدويلات مجموعات يتسنى لها العيش اقتصاديا وفنيا. ان التطور المستقل للبيض وغير البيض هو الهدف النهائي الذي قد يفضى، من الوجهة السياسية، الى اتحاد يجمع دويلات البيض وغير البيض ويتعهد بتسوية المشاكل المتعلقة بالمصالح العامة. الا أن تفاصيل مثل هذه النظرية وتبعاتها لا تزال غير واضحة.

بيد أن تبعات هذه النظرية، فى خصوص التعليم الجامعى، قد عرضت فى وضوح حتى صدر عنها مشروع قانون هو الآن على بساط الدرس فى مجلس النواب، ولقد نقح مشروع هذا القانون مرات عديدة خلال العامين الماضيين فبيض شيئا ما وجه افريقيا الجنوبية في الاوساط الجامعية الاجنبية والداخلية أيضا، وهو يطلق عليه اليوم اسم " توسيع مشروع القانون المتعلق بالتعليم الجامعى " وهو يتضمن:

أ) احداث معاهد جامعية لغير البيض وحسن السهر عليها وادارتها ومراقبتها

ب) قبول طلبة غير بيض وتثقيفهم فى هذه المعاهد ج) جعل قبول الطلبة غير البيض مقصورا على عدد من الجامعات دون سواها وهو يتضمن فى النهاية تسوية بعض المشاكل الفرعية.

ان الحكومة الوطنية المتشبعة - فيما يبدو - بروح المبدأ الوطني تأخذ الآن التدابير اللازمة كي يكون لكل فرقة جنسية غير بيضاء جامعتها الخاصة بها.

وهكذا نرى الحكومة، بحكمتها البالغة، مستعدة لتقيم، وسط كل مجموعة جنسية، جامعة يأوى اليها السكان الذين لا يزال معظمهم يعيش عيش البداوة القبلية نسبيا، وستكون هذه المؤسسات بعيدة جدا عن المناطق المتحضرة حيث تعيش جل العناصر المتطورة من هذه الفرق، وحيث الفروق العنصرية فى طريق الاضمحلال، وفي الحقيقة ستصبح كل جامعة صورة من واحة صغير ستصب مصادرها المرتوية من معين العلم الغربي في صحراء القبائل المخشوشنة الامية. الا أن مادة هذه المصادر العلمية ستصفي تحت مراقبة الحكومة الشديدة قبل أن تقدم الى غير البيض، خشية أن تتسرب اليهم جرثومة أجنبية خطرة اللون، حتى وان لم يمكن سوى لون وردى خفيف

فالمشكلة التى تواجهها الحكومة هي - في عبارتها المضبوطة: كيف يمكن ابراز جامعة من العدم المطلق؟ هي ذى فى الحقيقة مشكلة مضنية خصوصا اذا وجب على الجامعة الجديدة أن تكون موجودة في منطقة تبعد بألف فرسخ عن مؤسسة ثقافية أخرى مماثلة.

ان انشاء جامعة تكون خاضعة لنفوذ الدولة يحز فى نفوس المثقفين الجامعيين ببلاد جنوب افريقيا، لانهم اعتادوا معرفة قيمة نظامنا التقليدى القائم على الحرية والاستقلال. ولهذا السبب، ولضئالة الاعتمادات المقررة فقد لا تجذب هذه الجامعات عددا عظيما من الاساتذة، وان جودة العمل الجامعي، رغم الامتحانات الخارجية، تتعلق خصوصا بجودة الاساتذة. فاذا ما فتحت هذه الجامعات، فقد ينحط المستوى الثقافي بافريقيا الجنوبية.

على أن الانتقاد الرئيسى الذى يوجه الى هذا الاجراء هو أن الوزير سوف يكون له الحق في ايصاد أبواب الجامعات الموجودة في وجه الطلبة غير البيض، فيصبحون هكذا مرغمين على الالتحاق بالجامعات الجديدة أو على الحرمان من التعليم العالى.

فمشروع هذا القانون اذن أثار موجة من المعارضة حتى في أوساط الجامعات التى تستعمل اللسان الافرقندرى، ويلاحظ هؤلاء أنه اذا صح أن هذه الجامعات ستكون لها الجودة التى تزعمها الحكومة، فلم يرغم الطلبة على الاختلاف اليها دون سواها. مما لا شك فيه أنه يجب أن لا يحرم الطلبة حرية اختيار التعليم الذي يرغبون فيه، وهذا مبدأ أساسي من مبادىء حرية التعليم وهو أيضا عنصر جوهرى لاستقلال الجامعة التى بفضلها يتسنى للجامعات " المفتوحة " أن تقرر الشروط التى يجب أن تتوفر فى الطالب. وينص مشروع هذا القانون - فى

صيغته الاولى - على أن للوزير الحق فى منع كل طالب غير أبيض من الالتحاق بجامعة من الجامعات الموجودة، ابتداء من تاريخ أول جانفي 1958. أما الطلبة المسجلة أسماؤهم فيها قبل ذلك التاريخ، فلهم أن يواصلوا تعلمهم بهذه المؤسسات، ولكن هذا المشروع في شكله الجديد لا يسمى أى أجل لادخال هذه الاجراءات في حيز التطبيق. فقد تطبق هذه الاجراءات بصورة مجزأة كأن يرخص للطلبة أن يتابعوا دراستهم فى بعض الجامعات دون سواها، ويرخص لفرقة معينة أن تواصل دراستها فيها وتحرم فرقة أخرى، حسب السرعة التى ستبرز بها المؤسسات الجديدة. وقد يرخص أيضا للطلبة الذين أحرزوا على شهادات أن يواصلوا فيها دراستهم الى أجل مضروب، بيد أنه لم تبرز حتى الآن أى مؤسسة جديدة، وقد تمر سنون عديدة قبل أن تتمكن الحكومة من تطبيق هذه الاجراءات، وفيما بين ذلك لا نفتأ نرى الطلبة غير البيض يقبلون - وسيزداد اقبالهم - على الجامعات المفتوحة. وفي الجامعة التى أدرس فيها أصبح عددهم هذه السنة يربو على الستمائة طالب. انهم يريدون، فيما يبدو أن يطرقوا الحديد ما دام تحت الحرارة.

ان ادارة هذه الجامعات الجديدة ومراقبتها أمر غريب حقا. فسيؤلف - حسب نص المشروع - مجلس شيوخ ومجلس استشارى ومجلس شيوخ ومجلس شيوخ استشارى، وستكون كل هذه المجالس مكونة من أعضاء يعينهم الوزير حسب ارادته. وسيكون المجلس في بادىء الامر مؤلفا من أعضاء بيض، والمجلس الاستشارى من أعضاء غير بيض، ثم يصبح المجلس الحقيقى غير أبيض تدريجيا والمجلس الاستشارى أبيض. أما الهدف النهائى فهو تحويل هذه المؤسسات الى منظمات غير بيضاء مجلسا وأساتذة.

نلاحظ اذن أن مذهب " الانفصال " الجامعى L'apartheid يسعى فى أن يكون نمو الجامعات الذى يؤدى الى فصمها عن بعضها بعض قائما على أسس اخلاقية تضمن له عطف الاجانب، وهو مذهب يوفر للمثقفين غير البيض مبدأ أوسع حتى لا يبقوا مضطرين الى منافسة البيض للظفر بمناصب جامعية كماهو الشأن اليوم، وستكون هذه المؤسسات تحت الحماية البيضاء أول الامر، ولكنها سوف لا تلبث أن تنال حريتها الذاتية شيئا فشيئا كما وقع فى جامعات غير بيضاء في بلدان أخرى بافريقيا.

وهكذا سيظفر الآسيويون بمؤسساتهم الجامعية الخاصة بهم، وقل مثل ذلك فى شأن الخلاسيين الذين يعيشون فى أقاليم الكاب.

انه من العسير جدا أن نتصور كيف سيمكن للملايين من غير البيض الذين يعيشون خارج البانتوستان والذين هم مندمجون اليوم فى الحياة الاقتصادية أن يحظوا بتلقى ثقافة جامعية. اللهم الا اذا أحدثت الحكومة جهازا لتوزيع المنح بعيد التشعب، ان الذين سيحظون بتلك الثقافة الجامعية هم أولئك الذين نالوا قسطا من تطور لانهم تمكنوا من مزاولة تعلمهم بأشهر المدارس ويعيشون عيشة اقتصادية مرضية %

اشترك في نشرتنا البريدية