كانت لنا عند السياج شجيرة ألف الغناء بظلها الزرزور
طفق الربيع يزورها متخفياً فيفيض منها في الحديقة نور
حتى إذا حل الصباح تنفست فيها الزهور وزقزق العصفور
وسرى إلى أرض الحديقة كلها نبأ الربيع وركبه المسحور
كانت لنا ... يا ليتنها دامت لنا أو دام يهتف فوقها الزرزور
قد كنت أجلس صوبها في شرفتي أو كنت أجلس تحتها في ظلتي
أو كنت أرقب في الضحى زرزورها
مهللا ينشى نواند حجرتي
طوراً ينقر في الزجاج وتارة يسمو يزوزر في وكار سقيفتي
فاذا رآني طار في أغرودة بيضاء واستوفى غصون شجيرتى
فتى يؤوب متافه ؟ ومتى أرى نوارك الثلجي يا نارنجتى ؟!
ومتى أطير إليك ... ترقص مهجتى
فرحاً ... وآخذ مجلس من شرفتي ؟!
هيهات لن أنسى بذلك مجلسى وأنا أراعى الأفق نصف مغمض
خنقت جفوني ذكريات حلوة من عطرك القمرى والنعم الوضى
فانساب منك على كليل مشاعرى ينبوع لحن في الخيال مفضض
و هفت عليك الروح من وادى الأسى
التعب خمر الأريج الأبيض
هيهات ... لن أنسى ضحي (سبتمبر)
والنحل ينشى نورك المتلالي
ومساء مارس كيف يهبط قلة شفقية ممدودة الأظلال
نزل الحديقة من أرهام الندى وضنا عليك معطر الأذيال
فهناك كم ذهبية شغفت بها روحی فتاهت في مروج خیال
وهنا نحركت الشجيرة في أسى وبكي الربيع خيالها المهجور
وتذكرت عهد الصبي فتأوهت وكأنها بيد الأمى طنبور
وتذكرت أيام يرشف نورها ربق الضحى ويزرزر الزرزور
وعرائس الناري معلم في الندى فيرف فيها طيفه المسحور
وتذكرت عند (السياج) أزاهرا صفراء رفت في ظلال الموسج
زهر القطيفة » كيف خان عهودها
ني الهوى من عطرها المنبلج
وتذكرت . في رعشة لما سبا زرزورها منها ولم يتحرج
وهنا نشبت في الشجرة خلجة وبكت حنيناً للشذا المتأرج
وتذكرت شفقاً توهج حمرة خلل النيوم على ربا الآصال
وبدت غصون الجزورين كأنها قلع ترفرف في بحار خيال :
وهنا تحركت الشجيرة في أسى وبكى الربيع خيالها المهجور
وتذكرت عمد الصبا فتنهدت وكأنها ييد الأمي طنبور
وتذكرت شجر النخيل وهدهدا قد كان يقصدها صباح مساء
وتذكرت في اليوسفى يمامة كانت تفرع الليلة القمراء
وضفت على كل الغصون سحابة وزكا الغصين وفتح النوار
وتهلل الزرزور في أوراقها وزها السياج وفاحت الأعطار
حلمت بأرض في الخيال سحيقة في ذلك الأفق القمي النائي
خلات إلى صمت هناك مخيم تسجو عليه خوافق الأفياء
هي جنة الأشجار والأظلال ولا أعطار والأنضام والأنداء
يتزاهر البشنين فوق شطوطها ويغازل الدفلى زهر اللوتس
وعرائس النارنج فاح عبيرها بالنخل تعليم في السكون المشمس
وهناك زرزور يفرد دائماً ويقص أحلام الزهور النمس
يروى لها أسطورة سحرية مما يفوح به خيال النرجس
نارنجتي : والله من فارقتني وأنا حليف كآبة خرساء
أصبحت بعدك في انقباض موحش
وكأنتى هنه مساء شتاء
تستشرف الأعطار في آفاقها روحي إليك وراء كل فضاء
وترف في دهليز كل أشعة قمراء أو ترنيمة بيضــــــاء
قد كنت أرجر أن تكون نهايتي في ظل هذا السور حيث أراك
ويكون آخر ما يخدر مسمى زرزورك الهتاف فوق ذراك
ويطوف في غيبوبتي فيفيقني فجر قصير البعث من رياك
والآن إذ عجل القضاء فانما سيقوم في الذكري خيال شذاك
وسرى إلى أرض الحديقة كلها بأ الربيع وركبه السحرر
كانت لنا ... ياليتها دامت لنا أو دام يهتف فوقها الزرزور

