الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 949الرجوع إلى "الرسالة"

النسيان في نظر التحليل النفسى

Share

- تتمة --

عرضنا نظرية فرويد) الخاصة بالنسيان في المقالين السابقين وهي كما شاهدنا مملوءة بالآراء التي لا يستطيع أحد أن ينكر ما نمتاز به من الجدة والعمق . فقد طبعت النسيان بطابع ديناميكي واقامته على أسس نفسية لم تخطر ببال أحد من قبل . ولكن هذا لا يمنع من أن تكون موضع نقد ، فالدراسة الدقيقة لها تبين أنها تثير مشكلات كثيرة اعترف بها أنصار فرويد أنفسهم .

لقد كان فرويد متطرفا في قوله : كل تلك الأفعال البسيطة التي تأتيها كفلتات اللسان وأخطاء السمع ونسيان الأسماء . الخ تقوم على الصراع النفسى والكبت . إنه بذلك جعل علها هي علة الأمراض النفسية . فإذا كان ذلك كذلك فلابد أن يتساءل الفرد : كيف يمكن أن تكون الملة واحدة وتؤدى إلى حالة مرضية مرة ولا تؤدى إلى ذلك مرة أخرى ؟! واجه « رولاند د البيز ) هذه المشكلة ، ووجد أنه لابد من تبديل نظرية فرويد

فقال إن تلك الأفعال تحتل المستويات السطحية من البناء النفسى فالذات تعرف الإثارة المكبوتة وهي شاعرة بنضالها ضدها . بعبارة أدق نستطيع أن تقول إن هذه المؤثرات التي تكون الصراع موجودة في مستوى ( ماقبل الشور ) (۱) وهى في حالة ( قمع ) رفض إيرادى شورى ) اكثر منها في حالة «كبت » ) كف لا شعوري أتوماتيكي ) .

كذلك أوضح « إرنست جونز ، أنه ستنتج نتيجتان بناء على آراء فرويد : الأولى أنه ان يكون تحت وجود المحالة المقلية المادية بمعنى أن كل فرد يصدر عنه ما يدل على نقصان في الوظيفة المقلية يتجلى فى مادة مفصولة مكبوتة : وهذه العملية هي واحدة سواء لدى الأفراد الأقوياء أو المرضى بأمراض نفسية. وإذا أنعمنا النظر. وجدنا أن تلك المادة المكبوتة هي نفسها التي ينتج منها المصاب . الثانية : أنه لا يوجد كما يجب حد فاصل بين الصحة العقلية والحالة المرضية . وسيكون التمييز بين هاتين الحالتين قائما على أساس اجتماعي ، فإذا أدى الصراع إلى تعطيل القدرة الاجتماعية فإن الحالة تكون عصايا ، أما إذا لم يحدث هذا فتكون بإزاء شذوذ أو خلق شخصي .. الخ

في الواقع أن تفسير فرويد للنسيان في المجال المادي لا يمكن قبوله بسهولة . فمثلا يذكر : ير Pear ) أنه نتي مرة مظلته بعد أن ألتقى محاضرة في بلدة ما ، ولم يجد أي تفسير شخصي لذلك النسيان كان يقال تبعاً لفرويد إنه كان مكرها على القاء هذه المحاضرة .. الخ . إن السبب الوحيد هو عدم الانتباه . ويعترف ه بير » بأنه إن كان حقا هذا التفسير لا يوضح لنا الملة في نسيان المظلة وعدم نسيان أي شيء آخر إلا أنه لا يمكن إنكار أن هذه العمليات الذهنية من عدم انتباه وتشلت الفكر .. الخ تساعد على النسيان كما تشجع الظلمة والوحدة المص على السرقة

وبالمثل يفتد و دو جاس Daris » أقوال فرويد فيتذكر أن

نیوتن ، نمى ثرمن معين اكتشافه الخاص بحساب التفاضل ، وكان ( لينيه Line ) بنى أحيانا أنه المؤلقت أثناء أنهما كا في قراءة مؤلفاته فكان يصيح قائلا : ما أجمل هذا ... ليتني أستطيع كتابة شيء مثله ..! ويقول ( بسكال ، إننا لو أجرينا له امتحانا فجأة دون سابق إنذار في محتوى مؤلفاته فإنه ربما يفشل في الإجابة . فلو أخذنا برأى ( فرويد ) فإن مثل هذا النسيان سيرد إلى عقدة مهنية ولكنه واضح أنه تفسير غير مقنع . فهنا كما يقول ( دو جاس ، يجب الرجوع إلى طبيعة الأشياء ، فالنفس تستبعد منتجاتها الناضجة أو الأفكار والمشاعر التي لا تجد فيها ما يثير اهتمامها إنها تنساها ولا تبالي بها ، فهي تحاول التحرر من الأفكار كما تتحرر من الأهواء . ويقول ( جيته » إنه لا يكترث بالمؤلف الذى انتهى ، فهو لا يشغله بعد ذلك لأنه سيتوق إلى شي جديد . فالمؤلف يصطنع حالة عقلية معينة لكل مؤلف من مؤلفاته.. فطبيعي أن يترك هذه الحالة بإنهاء موجبها. و مثله كمثل الممثل الذى يتقمص شخصيات مختلفة تبعاً للأدوار التي يقوم بها . فمما لا شك فيه أن مثل هذا النسيان أمر طبيعي . أما النسيان الذى يكون فيه فقدان دون تعويض ، فتختفى الأفكار اختفاء تاما وتعرض وحدة الذات للخطر، ويحطم الاتزان المقلى .. ويكون هذا بداية لاضطراب نفسى .. فينا هو النسيان المرضى

في الواقع إن تطرف و فرويد » يرجع إلى أنه يقيم آراءه على حتمية صارمة . فما يحدث في النفس ليس بظواهر منعزلة أو عرضية إنما هو ظواهر تتصل بظواهر سابقة عليها وأخرى لاحقة بها . إنه لا يوجد محل للصدفة في المجال الجسمي؛ وكذلك يجب أن يكون الحال في الميدان المقلى . لهذا لا يقتنع فرويد برد بعض الأفعال إلى العادة؛ ولا يعترف بعلل عدم الانتباه والسهو وما شابه ذلك . ولكننا شاهدنا ما يتيره هذا المبدأ من اعتراضات وما يؤدى إليه من مآخذ

وهكذا إنا لا نستطيع أن نتقاضى من أنه يوجد نهان

يعد تبسيطا للشور أو تقليلا من محتويات الذات وهو نسيان مادى مفيد لأنه يصون النفس ويحميها من تعدد التأثيرات ويقيها شر التشتت فيجعلها تحافظ على وحدتها . فليس كل نسيان اسم أو كلمة يرجع إلى الكبت ، وليست كل فلقة لسان ناتجة عن صراع نفسى دفين إن النسيان والتذكر وجهان لوظيفة عقلية واحدة . فالنسيان هو الذي يسمح بالانتقال من حالة ذهنية إلى أخرى . فإن أنفسنا تتبلور في أنظمة مختلفة من الأفكار والتصورات فينتج النسيان عند استبدال نظام بآخر. فإذا اختفت ذكرى معينة فإما تختفى باعتبارها مجموعة من الأفكار ليس لها ضرورة .. ومن ثم انسحبت من الطريق لتفسح المجال لذكرى أخرى. إن الفكر العادى الكامل هو الذي لا ينى شيئا يجب أن يحتفظ به ، ولا يحتفظ بنى يجب أن ينساه

اشترك في نشرتنا البريدية